- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:أقليات وقضايا
من قديم الزمن عرف الناس الحروب بلا رحمة، وكان الأسر معناه الذل والعذاب، ويخبرنا تاريخ الحروب كيف كان الروم، ومن قبلهم الآشوريون، والفراعنة يسملون عيون الأسرى (أي يفقأون أو يكحلون أعينهم بالمسامير المحماة)، ويسلخون جلودهم ويطعمونها الكلاب، حتى فضل الأسرى الموت على الحياة.
وببزوغ نور الإسلام جاءت الرحمة والعدل وتجددت المفاهيم حتى في ساحة القتال، ولعل من أروع ما قدمته الحضارة الإسلامية للعالم هو مبدأ إكرام الأسير، الذي لم يكن مجرد توصية عابرة، بل جزءا أصيلا من المنظومة الأخلاقية والشرعية للمسلمين.
ما بين السيف والضمير:
الحرب في طبيعتها صراع دموي، لكن الإسلام أعاد للمعركة توازنها الأخلاقي، فكانت قوانينه في الحرب تحكمها الرحمة والعقل، ومن أبرز تلك القوانين ما خص به الإسلام الأسير من حقوق وكرامة تجعله في مأمن من الانتقام والوحشية، رغم أنه كان بالأمس عدوا في ساحة القتال، ولما حصل القتال والغزو، ووقع المقاتلون من الكفار أسرى في أيدي المسلمين، راعى النبي - صلى الله عليه وسلم - معاني الرحمة والكرامة الإنسانية التي تراعي مصلحة الدولة المسلمة وحقوق الأسرى، والتي لم يبلغها القانون الدولي الإنساني المعاصر، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ (استوصوا بالأسارى خيرا)رواه الطبراني.
قال تعالى:{ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا}، جعل القرآن إطعام الأسير من القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله، رغم أن الأسير كان بالأمس شاهرا سيفه يقاتلنا، ولكن الحال اليوم أنه منهزم ضعيف، فوجب الرفق به، وصون كرامته.
وفي سيرة النبي ﷺ، حدث ولا حرج عن مواقف سامقة تفيض رحمة، وعدلا، ففي غزوة بدر، أوصى النبي أصحابه بالأسرى خيرا، فكان الصحابة يقدمون للأسرى الطعام قبل أن يأكلوا هم، رغم شدة الحاجة، وبعض الأسرى عادوا إلى قومهم ليشهدوا أنهم ما رأوا أكرم من معاملة المسلمين!.
وهذه شهادات بعض أسرى بدر مسجلة في التاريخ، يقول أخ لمصعب بن عمير ـ رضي الله عنه ـ وقد وقع في الأسر " .. وكنت في نفر من الأنصار، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر وأطعموني البر، لوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " .
ويقول أبو العاص بن الربيع : " كنت في رهط من الأنصار جزاهم الله خيرا ، كنا إذا تعشينا أو تغدينا آثروني بالخبز وأكلوا التمر، والخبز معهم قليل ، والتمر زادهم ، حتى إن الرجل لتقع في يده كسرة فيدفعها إلي " .
أبعاد حضارية وإنسانية:
الإسلام لم يتعامل مع الأسرى كأدوات مساومة، بل كأشخاص لهم كيان وحقوق، ومن ذلك:
• حق الحياة والأمن: فلا قتل تعسفي، ولا إهانة.
• حق المعاملة الحسنة: باللباس والطعام والرعاية.
• حق الفداء أو العتق: حيث دعا الإسلام إلى إطلاق الأسرى إما بفدية أو بدونها، وقد يكون تعليمهم للمسلمين شرطا لإطلاقهم، كما حصل مع أسرى بدر.
• رفض التعذيب النفسي والبدني: وهو ما كان شائعا قبل الإسلام.
• عدم الإكراه على الدخول في الإسلام، لا يجبر الأسير على اعتناق الإسلام ، ولم يعرف عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه أجبر أسيرا على اعتناق الإسلام.
لماذا هذا التميز؟
تميز الإسلام في هذا المجال لأنه لا يرى الإنسان في الأسير عدوا، وإنما يرى فيه فرصة للرحمة، ومشروعا للهداية، ويخبت عنده جانب الانتقام والثأر؛ ولذلك كان كثير من الأسرى يعتنقون الإسلام بعد الإفراج عنهم، متأثرين بهذا النموذج الإنساني الرفيع.
من قلب الحرب يولد النور:
إن ما قدمه الإسلام من تكريم للأسير ليس مجرد صورة مشرقة من الماضي، بل دعوة دائمة لإحياء القيم النبيلة في كل زمان ومكان، ففي عالم تزداد فيه الصراعات، نحتاج أن نستحضر هذا النموذج الفريد، لنعيد للعالم شيئا من إنسانيته المفقودة، ولعل هذا ما طبقه أهل الجهاد في رباطهم وجهادهم بغزة حيث سمع الناس جميعا شهادة أسرى اليهود عندما تحدثت النساء عن إكرامهن، وصون حرمتهن، وتحدث رجالهم عن حسن المعاملة، وما فوجئوا به من إحسان وحماية، وهم في يد المجاهدين.