اسم الله السلام

0 1

السلام هو اسم من أسماء الله الحسنى، ورد ذكره في كتاب الله مرة واحدة في قوله تعالى في سورة الحشر: (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام..) [الحشر: 23].
وأما في السنة فقد ورد ذكره كثيرا:
ففي صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو السلام).
وعند الطبراني والبزار ورواه البخاري في الأدب المفرد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه في الأرض، فأفشوه بينكم).
وكذلك جاء في صحيح مسلم: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا، وقال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ياذا الجلال والإكرام).

السلام ذو السلامة
والسلام اسم إذا سمعه الإنسان شعر بالأمن والسكينة، والراحة والهدوء والطمأنينة؛ ذلك أن السلام مأخوذ من السلامة ومن السلم والمسالمة.

فالسلام: هو "ذو السلامة"؛ السالم من كل نقص، والخالي من كل عيب.
جاء في مقاييس اللغة لابن فارس ولسان العرب لابن منظور: "الله جل ثناؤه هو السلام، لسلامته مما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء".
وقيل سمي السلام: "لأنه سلم مما يلحق الغير من آفات الغير كالموت والفناء".

فاسم السلام فيه معنى القدوس لسلامته من العيب والنقص، وفيه اسم السبوح لوصفه بكل كمال وجمال وجلال.
فهو الموصوف سبحانه بسلامة ذاته، وسلامة أسمائه، وسلامة صفاته، وسلامة أفعاله، وسلامة أحكامه، وسلامة أقواله.
فذاته منزهة عن مشابهة المخلوقين، سالمة عن كل عيب، خالية من نقص، شاملة على كل جمال وكل جلال وكل كمال.
وأسماؤه كلها حسنى سالمة من كل ما يشين.
وصفاته كلها عليا ليس فيها ما يعيب.

وأفعاله كلها على ميزان الحكمة، منزهة عن الشر واللعب، و سالمة عن الخطأ والعبث، ليس فيها باطل من أي جهة {وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين (38) ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون}[الدخان]، {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا} [ص: 27]، {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون (115) فتعالى الله الملك الحق ۖ لا إله إلا هو رب العرش الكريم (116)}[المؤمنون].

وأحكامه كلها قائمة على الحكمة والعدل، سالمة من الظلم والجور {إن الله لا يظلم مثقال ذرة}[النساء:24]، {ولا يظلم ربك أحدا}[الكهف:49]، {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي}[النحل:90].

وأقواله وكلماته وأوامره كلها حق وصدق وعدل، سالمة من الكذب واللغو، والفسق والفجور.. وقد تمت كلماته صدقا وعدلا.. أي صدقا في الأقوال، وعدلا في الأحكام {وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا ۚ لا مبدل لكلماته ۚ وهو السميع العليم}[الأنعام:115].

والسلام.. الذي سلم خلقه وكونه من العيب والخلل، وخلت مخلوقاته من التفاوت والعلل، فهو {الذي أحسن كل شيء خلقه}[السجدة:7]، {الذي خلق سبع سماوات طباقا ۖ ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ۖ فارجع البصر هل ترى من فطور (3) ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير}[الملك]
فكل ذرة في الكون تشهد بسلامته من الاضطراب، هذه المجرات والأفلاك التي تدور منذ ملايين السنين من غير حوادث ولا تصادم، وما سخره الله فيها كله يجري على ما أحكم وأبرم {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون (37) والشمس تجري لمستقر لها ۚ ذلك تقدير العزيز العليم (38) والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم (39) لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار ۚ وكل في فلك يسبحون}[يس].

ومن موجبات وصفه بالسلام: سلامته عن الظلم والجور، فسلم سبحانه من إرادة الظلم والشر والعبث وخلاف الحكمة، ومن التسمية به ومن فعله، ومن نسبته إليه {إن الله لا يظلم مثقال ذرة}[النساء:] وفي الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)[رواه مسلم].
وسلم عباده منه فلا يخافون منه ظلما ولا هضما، والظلم أن يحملهم من الذنوب ما لم يعملوه، أو يعاقبهم على ما لم يفعلوه، والهضم: أن يمنعهم أجر ما فعلوه، قال جل جلاله: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما}[طه:112].

وهو السلام.. الذي يهدي عباده بشرعه إلى سبل السلام، فأرسل رسله إليهم، وأنزل كتبه عليهم، فبلغوهم شرعه فيهم؛ ليهديهم سبل السلام: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم (16)}[المائدة].

وهو سبحانه الذي يدعو إلى دار السلام {والله يدعو إلى دار السلام} وهي الجنة، وإنما سميت بذلك لسلامتها من العيوب والآفات والنقائص والمنغصات، فمن دخلها يشب فلا يهرم أبدا، ويصح فلا يمرض أبدا، ويسعد فلا يشقى أبدا، ويحيى فلا يموت أبدا، في حبرة ونضرة، ونعيم مقيم لا يفنى ولا يبيد، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
فإذا دخلوها دخلوها بسلام {ادخلوها بسلام آمنين}[الحجر:46]، وحيتهم الملائكة بالسلام {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب (23) سلام عليكم بما صبرتم ۚ فنعم عقبى الدار}[الرعد]، وتحيتهم فيها السلام: {دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام}[يونس:10]، وعليهم فيها من الله السلام: {سلام قولا من رب رحيم}[يس:58]. فما أجمل هذه الدار وما أسلمها وما أحسنها وما أجملها فاللهم اجعلنا من أهل دار السلام.

والإسلام دين الله الذي يدعو الخلق إليه، هو دين السلم والسلام، والله تعالى قال: {ادخلوا في السلم كافة} يعني في الإسلام، وخذوا به كله، فالإسلام دين السلم، ومن دخله سلم من الخلود في النار، وأهله مأمورون بالسلام: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}[الأنفال:61]، فإذا جنح الناس للسلم مع المسلمين ولم يعادوهم ولم يحاربوهم سالمهم المسلمون أيضا.. وهذا هو دين الله.

وجعل الله تحية هذا الدين السلام: وهي تحية توحي بالسلامة من سوء النية، وخبث الطوية، وهي تعكس روح الإسلام التي تدعو إلى التسامح والوئام بين الناس، وتنشر بين القلوب الطمأنينة والمحبة، سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)[البخاري]، وقال النبي الكريم: (إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام)[أبو داود].

أثر الإيمان باسم السلام
إذا عرف الإنسان معنى السلام، وعاش به وعمل بمقتضاه.. جنى من ذلك كثيرا من المنافع.. وأورثه ذلك أمورا:
أولا: سلام مع ربه، وسلام مع نفسه، وسلام مع الناس.
سلام مع الله: لأنه يطيع أمره، ويتبع شرعه، ويتبع نبيه؛ فيأمن عذاب الله، ويسلم من عقوبته.
سلام مع نفسه: لأن دين الإسلام هو دين الفطرة، فهو متوافق مع الفطر السليمة، {فأقم وجهك للدين حنيفا ۚ فطرت الله التي فطر الناس عليها ۚ لا تبديل لخلق الله ۚ ذلك الدين القيم}[الروم:31].
فإذا عاش الإنسان في الإسلام وبالإسلام وافق ذلك فطرته، فلا تجد الآفات العقدية، ولا العقد الفكرية، ولا الأمراض النفسية، فلا قلق، ولا اكتئاب، وإنما يعيش في هدوء وسلامة وسلام.
سلام مع الناس: لأن الله أمره أن يتعامل معهم بالإحسان، وأن يعيش معهم في سلم وسلام {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ۚ إن أكرمكم عند الله أتقاكم}[الحجرات:13].

ثانيا: محبة الله تعالى، فمن عاش مع هذا الاسم المبارك أورثه محبة الله سبحانه لما فيه من جمال، وما يستوجبه من صفات الجلال، وما يؤدي إليه من أفضال وإكرام وإحسان.

ثالثا: ثم هو مأمور بإفشاء السلام، قولا وفعلا، كما قال صلى الله عليه وسلم:(يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)رواه أحمد والترمذي وقال في الحديث: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)رواه مسلم.

رابعا: مسالمة الناس، والإحسان لهم، فيسلم الناس منه قولا وفعلا؛ قال تعالى: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}[الفرقان:63]، وقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)[متفق عليه].
فاللهم أحينا على الإسلام، وتوفنا على الإسلام، واهدنا سبل السلام، وأدخلنا دار السلام، وحينا يا ربنا فيها بالسلام.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة