- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
التسامح قيمة إنسانية عظيمة، بها تعيش المجتمعات في وئام وسلام، ويزدهر التفاهم بين الأفراد على اختلاف أعراقهم وأديانهم وثقافاتهم. أما التعصب، فهو نار تحرق جسور التواصل، وتبني جدران الكراهية.
والسماحة ليست مجرد مبدأ نظري، بل واقع عملي طبقه النبي ﷺ والصحابة، وهي من أعظم ما يظهر جمال الإسلام ورحمته وعدالته.
فالإسلام لا يكره أحدا على الدخول فيه قال تعالى(لا إكراه في الدين) [البقرة: 256]، ويحث على الحوار بالحسنى قال تعالى(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) [النحل: 125].
ومع غير المسلمين دعا إلى احترام حقوقهم ودمائهم وأموالهم وعقائدهم إذا عاشوا في ظل الدولة الإسلامية، قال النبي ﷺ "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة" (رواه البخاري).
وحتى في أوقات الحرب دعا الإسلام إلى الأخلاق والرحمة بالمدنيين وعدم التعرض لكبار السن والنساء والأطفال والرموز الدينية وحسن معاملة الأسير.
وفي عالم اليوم تظل قضية عدم السماحة وضيق الأفق من أكبر التحديات التي تعيق التقدم الاجتماعي والحوار الحضاري. فما هي الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة؟ وكيف يمكن معالجتها؟
أولا: الجهل وضعف الوعي
الجهل هو أرض خصبة لنمو التعصب. حين يفتقد الإنسان الوعي الكافي بتاريخ الآخرين وثقافاتهم ومعتقداتهم، يصبح أسرع في إصدار الأحكام، وأقل استعدادا لتفهم وجهات النظر المختلفة. فالمعرفة تضيء العقل، وتكسر حواجز الخوف والرفض.
وعندما يفتقد الفرد المعرفة الكافية عن الآخرين، يسهل عليه تصديق الصور النمطية والأحكام المسبقة، مما يؤدي إلى التعصب ورفض أي اختلاف.
ثانيا: التربية المنغلقة وانعدام الحوار
يكتسب الإنسان الكثير من قيمه ومعتقداته خلال مرحلة الطفولة. إذا نشأ الفرد في بيئة تشجع على التعصب وتقلل من شأن الآخر المختلف، فسيكون من الصعب عليه تبني قيم التسامح والانفتاح في الكبر.
كما أن الأسر والمدارس التي لا تشجع على الحوار واحترام الرأي الآخر تزرع بذور ضيق الأفق وتعزز مشاعر التميز الزائف، وتمنع بناء جسور الحوار.
ثالثا: الخوف على الهوية
يربط بعض الأشخاص بين الانفتاح على الآخر وبين فقدان الهوية أو الذوبان في الثقافات الأخرى. هذا الخوف غير المبرر يجعلهم ينغلقون على أنفسهم ويرفضون أي أفكار جديدة، مما يعزز التعصب وعدم القبول بالتنوع.
ويصبح الآخر المختلف "تهديدا" يجب رفضه بدلا من تفهمه. وهذه مشاعر تنبع من ضعف الثقة بالذات.
رابعا: الاستقطاب السياسي والديني
في بعض المجتمعات، تستغل النخب السياسية أو الدينية خطاب الكراهية لتحقيق مصالحها، مما يزيد من حدة الانقسامات ويدفع الناس إلى تبني مواقف متطرفة. الإعلام المغرض والشعارات التحريضية تلعب دورا كبيرا في تعميق هذه المشكلة.
وحين يستخدم فهم الدين الخاطئ أو الإعلام لتغذية الكراهية، أو تكريس صورة نمطية عن جماعة أو فئة، فإن النتيجة تكون المزيد من التعصب، وغياب السماحة. فبدلا من الدعوة إلى الرحمة، يصبح الخطاب وسيلة لتبرير الإقصاء.
خامسا: التجارب السلبية والمواقف الشخصية
قد يتعرض الإنسان لمواقف مؤلمة أو صادمة مع أشخاص من فئة معينة، فيعمم الحكم، ويسقط تصرفات الأفراد على الجماعة بأكملها. وهكذا ينشأ التعصب من تجربة شخصية مؤقتة تضخم لتصبح موقفا دائما.
وفي الختام
إن التعصب ليس فطرة في الإنسان، بل هو نتيجة تراكمات ثقافية ونفسية واجتماعية، يمكن معالجتها بالتربية الواعية، والتعليم المنفتح، والخطاب العقلاني، وتشجيع النقاشات المفتوحة التي تهدف إلى الفهم وليس الإقناع فقط، والتجارب الإنسانية المشتركة.
فالسماحة لا تعني التنازل عن المبادئ، بل تعني أن نحترم إنسانية من يختلفون معنا، ونؤمن بأن الاختلاف لا يفسد للود قضية.