الدعوة إلى الفضيلة.. حراسة للدين وحماية للمجتمع

0 0

الدين والفضيلة صنوان لا ينفصل أحدهما عن الآخر، فغاية الدين الإصلاح والإرشاد وترقية الأفراد والجماعات، ومقصده الأسمى أن يسكن الحياء في النفوس، ويضيء الإيمان القلوب، وتزهر الحياة بالتقوى والعمل الصالح. فإذا عودي الدين عوديت الفضيلة وأطفئت أنوارها، وإذا أطفئت أنوارها عمت الفوضى، وضاعت المكارم، وارتفع صوت الهوى والشهوة.

ومما لا شك فيه أن الأمم والحضارات لا يعلو بنيانها إلا على قواعد الفضيلة، والمجتمع الفاضل الحريص على تماسكه يحرص على الفضيلة، ويحارب الرذيلة ويقاوم أسباب الفواحش وأوكار الشياطين وبؤر الفساد والمفسدين، فهذه سنة كريمة ماضية، فأنبياء الله ورسله -صلى الله وسلم عليهم أجمعين- دعاة للعفة والفضيلة، وأعداؤهم يحرصون على تشييد بنيان الرذيلة، ومحاربة الفضيلة بكل سبيل حتى إنهم يتهمون الأنبياء والمرسلين بأنهم أحرص الناس على الفضيلة والطهر: {أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}[النمل:56].

أقنعة الزيف والخداع
ليس بخاف أن الناس في عصرنا الحاضر يمرون بأزمة فضائل، إذ تتعدد الأقنعة وتتنكر القلوب، وتزين الرذائل بلباس الحضارة والتقدم؛ لأنهم إذا جاهروا بعداوة الفضيلة أحسوا بالانهزام أمام المجتمع، فاتخذوا لمحاربة الفضيلة وإشاعة الرذيلة وجوها براقة تخفي وراءها بواطن السوء ومكائد الفساد والفتنة. وهؤلاء قد توعدهم الله تبارك وتعالى بالعذاب الأليم: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [النور:19].

إن الفضيلة وإن حوربت من خلال دعاة السوء، وبعض القنوات الفضائية، ووسائل التواصل، فإن شمسها لا تحجب أبدا، وإن غابت ساعة فإن فجرها آت لا محالة، والفرج يأتي بعد الكرب، والحق يعلو ولا يعلى عليه، ويبقى للأمة في كل زمان رجال مخلصون ونساء صالحات يعقد الأمل على دعوتهم، ويرجى بجهدهم أن يزهق الباطل وترفع رايات الفضيلة.

ولا ينبغي لأهل الخير والصلاح أن يتركوا واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الرذيلة؛ حتى لا يقعوا فيما وقع فيه غيرهم من الأمم، قال الله تعالى موبخا أهل الكتاب الذين رضوا بالمنكر ولم يتناهوا عنه: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ۚ ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة: 78-79].
وقال سبحانه: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} [الأعراف:165].

فمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هلك، ومن قام به نجا.. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى العظيم في حديث السفينة، إذ قال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا (أي: اقترعوا) على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا" [رواه البخاري].
والقائمون على حدود الله تعالى هم المستقيمون على أمر الله، الآمرون بالمعروف، الناهون عن المنكر، الداعون إلى الفضيلة.. والواقعون فيها هم التاركون للمعروف، والمرتكبون للمنكر، المتنكرون للفضيلة.

فالحديث يدل على أن المنكر إذا ترك انتشر، وإذا استشرى كان كالنار التي تحرق الأخضر واليابس، ولا نجاة إلا بتضافر الأمة على حماية الفضيلة وكف يد المفسدين.

ولأن الفضيلة ليست مجرد نظرية أخلاقية، بل هي واقع يمارس، جاءت السنة النبوية لتغرس في الناس آداب العيش المشترك، وصيانة الحقوق العامة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والجلوس على الطرقات"، قالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: "فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريق حقها"، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر" [متفق عليه].
فهذه الفضائل اليومية تحول حتى الجلوس في الطرقات إلى مدرسة أخلاق، وتعمل على إشاعة الطهر والرحمة في المجتمع.

وإن من السنن الإلهية التي شاهدها الناس عبر تاريخهم الطويل أن الأمم تنهار وتفنى حين تسقط الهمم، ويستسلم أفرادها لشهواتهم، ويرتكسون في حمئة فتن الشهوات وتنزوي الفضيلة وتشيع الفواحش، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا" [ابن ماجه، وصححه الألباني].

إن الدعوة إلى الفضيلة هي رسالة الأنبياء والمصلحين، وسر نهضة الأمم، وسفينة النجاة في بحر الفتن، بها يحيا الدين في القلوب، وتصان المجتمعات من الانهيار. ولن يزال في الأمة من يحملون رايتها ويذودون عنها، حتى يأذن الله أن تسود الأرض أنوار الهداية، وتخنس أمامها ظلمات الرذيلة، {وقل جاء الحق وزهق الباطل ۚ إن الباطل كان زهوقا} [الإسراء:81].

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة