التوحيد بين غلو القبوريين واستهزاء المستهزئين

0 2

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها النجاة يوم الدين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى صراط مستقيم، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. فأوصيكم ونفسي المقصرة أولا بتقوى الله تعالى، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال جل شأنه: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} [النساء: 131]. فاتقوا الله حق تقاته، وتمسكوا بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، {يٓأيها ٱلذين ءامنوا ٱتقوا ٱلله حق تقاتهۦ ولا تموتن إلا وأنتم مسۡلمون} [آل عمران: 102]. {يٓأيها ٱلناس ٱتقوا ربكم ٱلذي خلقكم من نفۡسٖ وحدةٖ وخلق منۡها زوۡجها وبث منۡهما رجالٗا كثيرٗا ونسآءٗۚ وٱتقوا ٱلله ٱلذي تسآءلون بهۦ وٱلۡأرۡحامۚ إن ٱلله كان عليۡكمۡ رقيبٗا} [النساء: 1]. {يٓأيها ٱلذين ءامنوا ٱتقوا ٱلله وقولوا قوۡلٗا سديدٗا * يصۡلحۡ لكمۡ أعۡملكمۡ ويغۡفرۡ لكمۡ ذنوبكمۡۗ ومن يطع ٱلله ورسولهۥ فقدۡ فاز فوۡزا عظيما} [الأحزاب: 70-71]. اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد: 
أيها المؤمنون: لقد ابتليت الأمة في كل عصر ومرحلة بأقوام أحدثوا في دين الله ما ليس منه، وزين لهم الشيطان أعمالهم، فادعوا لأنبياء الله وأوليائه ما لم يأذن به الله، حتى غلوا فيهم الغلو المذموم. ومن صور هذا الانحراف ما ذكره العلماء من إنكار بشرية الأنبياء والأولياء، وزعمهم أنهم ليسوا كبقية البشر، وإنما هم نور إلهي انبثق من الله سبحانه وتعالى! وهذا كذب عظيم وافتراء جسيم، يضاهي قول النصارى في المسيح، أو قول مشركي قريش في أصنامهم، {سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا} [الإسراء: 43]. هؤلاء الضلال يقولون: إن الأنبياء والأولياء لم يمت أحد منهم كما يموت البشر، بل انتقلوا انتقالا، وأنهم يسمعون ويبصرون، ويعطون ويمنعون، ويقضون الحاجات ويكشفون الكربات! ثم زادوا فجعلوهم وسطاء بين الخلق والخالق، يزعمون أنهم أبواب السماء ووسائط العطاء. أي شرك أعظم من هذا؟! وأي ضلال أبين من هذا؟!
أيها المسلمون: إن هذه العقيدة الخاطئة تفتح باب الوثنية من جديد، وتجعل الناس يعلقون قلوبهم بغير الله، والله تعالى يقول: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} [النساء: 36]، ويقول جل وعلا: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد} [الكهف:110]. فالأنبياء بشر مصطفون، والأولياء عباد مكرمون، لكنهم لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله. وقد تطاول بعض غلاتهم حتى قالوا -كما نسب إلى بعض طواغيتهم-: إنهم يقهرون الرب ويتصرفون في ملكه! نعوذ بالله من الكفر والإلحاد، {وما قدروا الله حق قدره} [الأنعام: 91]. فالحذر الحذر يا عباد الله من هذه المزاعم، فإنها هدم للعقيدة، وعودة إلى عبادة القبور والأحجار تحت مسميات مزخرفة. ولقد قال صلى الله عليه وسلم محذرا: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) رواه البخاري.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية
 
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أيها المسلمون: إذا كان الغلو في الأولياء والأنبياء بابا من أبواب الضلال، فإن الاستهزاء بالله جل جلاله، أو برسله وشرعه، باب آخر أشد خطورة وأعظم جرما. وإن بعض الناس قد تخرج منه كلمات على سبيل المزاح، وهذا مما يجب التنبه له، فمن قال قولا في الله وآياته على سبيل الاستهزاء والسخرية فإنه على خطر عظيم، وقد يقال إنه خرج من الإسلام، لأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تتخذ آيات الله هزوا، وكذلك الأحكام الشرعية؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {يحذر ٱلمنفقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما فى قلوبهم ۚ قل ٱستهزءوٓا إن ٱلله مخرج ما تحذرون*  ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ۚ قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [التوبة: 64-66]. ولهذا قال العلماء رحمهم الله: من قال كلمة الكفر ولو مازحا فإنه يكفر، ويجب عليه أن يتوب، وأن يعتقد أنه تاب من الردة، فيجدد إسلامه، فآيات الله عز وجل ورسوله أعظم من أن تتخذ هزوا أو مزاحا. فلنكن -عباد الله- عيونا ساهرة على حماية العقيدة، ولنعلم أبناءنا أن الدين ليس مجالا للهزل أو السخرية. دين الله أعظم من أن يستهزأ به أو يتخذ مادة للطرفة. ومن لا يغار على عقيدة الإسلام فقد خان الأمانة.
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب: 56].

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة