التوحيد: إخلاص العبادة لله وحده

0 3

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا بإخلاص التوحيد له، وأوجب علينا طاعته وعبادته، وحذرنا من الإشراك به. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى، بعثه الله بالحق بشيرا ونذيرا، دعا إلى الدين الحق عقيدة وشريعة ومنهج حياة، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون: اتقوا الله عز وجل واشكروه على ما من به عليكم من نعمة الإسلام والإيمان. (يٓأيها ٱلذين ءامنوا ٱتقوا ٱلله حق تقاتهۦ ولا تموتن إلا وأنتم مسۡلمون) [آل عمران: 102]. (يٓأيها ٱلذين ءامنوا ٱتقوا ٱلله وقولوا قوۡلٗا سديدٗا) [الأحزاب: 70].
أما بعد.
 
الخطبة الأولى:
أيها المسلمون: إن أعظم ما يجب على العبد وأول ما يطالب به هو معرفة توحيد الله جل وعلا، والتمييز بينه وبين ما يعارضه من مظاهر الشرك. وهذا الأمر يزداد لزوما في زماننا الذي تعصف فيه رياح الفتن، وتنتشر فيه الشهوات والشبهات، وتستحكم فيه موجات الفساد والانحراف، حيث عم الجهل وراج اتباع الأهواء، وكثرت الفرق والمذاهب الضالة والطرق المنحرفة، (كل حزب بما لديهم فرحون) [المؤمنون:53]. وقد ظهرت في أرجاء المعمورة براكين الإلحاد والكفر والزندقة، وتفشت البدع والمنكرات والخرافات، وتكالب أعداء الإسلام على الأمة من شتى الملل والنحل، حتى عظمت المحنة واشتد البلاء، وغدا الإسلام غريبا بين كثير من أهله. ومن هنا كان لزاما على المسلمين أن يجددوا عنايتهم بتحقيق التوحيد بأقسامه الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، مع إخلاص العبادة لله وحده، والحذر من كل صور الشرك وذرائعه، والسعي الجاد إلى سد الطرق المؤدية إليه.
أيها المسلمون: إن نصوص الوحي من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم قد تواترت على تقرير وجوب إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له. قال سبحانه: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) [البقرة:21]، وقال جل شأنه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات:56]، وقال عز وجل: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) [النساء:36]، وقال: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) [الإسراء:23]. 
وقد بين تعالى أن توحيده في العبادة هو دعوة جميع الرسل فقال: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) [الأنبياء:25]، وقال: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) [النحل:36]. وكل نبي خاطب قومه بادئا بندائهم إلى التوحيد: (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) [الأعراف:59]. وقال المسيح ابن مريم عليه السلام: (يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) [المائدة:72]. وأمر الله خاتم النبيين محمدا صلى الله عليه وسلم فقال: (قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين (11) وأمرت لأن أكون أول المسلمين (12) قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم (13) قل الله أعبد مخلصا له ديني(14)) [الزمر:11-14].
فكل عبادة –يا عبد الله– لا بد أن تكون خالصة لوجه الله وحده، ولا يجوز صرف شيء منها لمخلوق كائنا من كان. قال تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين (163)) [الأنعام:162-163]. فلا دعاء ولا نذر ولا ذبح ولا استغاثة إلا لله، ولا استعاذة ولا استعانة إلا به، ولا قسم إلا باسمه، ولا توكل إلا عليه، سبحانه وتعالى عما يشرك به المشركون علوا كبيرا.
أحبتي في الله: إن التوحيد الخالص هو الركن الأعظم لعقيدة المسلمين، وبه صلاح أمرهم وقوام حياتهم، وهو مصدر قوتهم وعزتهم وأمنهم. قال تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) [الأنعام:82]. وما ظفر المسلمون الأوائل على أعدائهم، وما فتحوا البلاد شرقا وغربا، إلا بإيمانهم الصحيح وعقيدتهم النقية التي سلمت من شوائب الشرك والخرافة. ولا سبيل اليوم للخلاص من واقع التناحر والفتن، ولا مخرج من الضعف والتدهور والذل، إلا بالعودة الصادقة إلى العقيدة الصحيحة، وتحكيم شرع الله في كل أمر من أمور الحياة. 
إن إصلاح تقصير بعض المسلمين وتساهلهم في شأن العقيدة؛ هي أمانة على عاتق الجميع، وواجب على العلماء والدعاة وطلاب العلم أن يبينوا لهم الحق ويوضحوا السبيل، ويزيلوا ما تراكم على العقيدة من شوائب ومحدثات.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.
أيها المسلمون: اعلموا أن أعظم ما يجب على كل عبد من عباد الله أن يعتني بعقيدته، فيجعلها صافية نقية من كل شائبة شرك أو بدعة. فصلاح العقيدة هو أساس النجاة في الدنيا والآخرة، ولا يقبل الله عملا إلا إذا كان خالصا لوجهه الكريم. وإن الناظر في أحوال كثير من الناس اليوم ليحزن قلبه ويعظم أسفه؛ إذ يرى بعض المسلمين يتوجهون بالدعاء إلى غير الله، أو يطلبون الغوث والنفع ممن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، وربما ممن فارق الحياة وانتقل إلى الدار الآخرة، وهذا من أخطر أبواب الشرك بالله عز وجل. وكثيرا ما نسمع من يحلف بغير الله، أو نشاهد ممارسات بدعية وخرافات قولية أو عملية تناقض حقيقة التوحيد وتضعف صلته.
 
فاتقوا الله –عباد الله– وأصلحوا عقائدكم وقلوبكم ما دمتم في زمن الإمهال، فباب التوبة مفتوح، وفرص العودة إلى الله ميسرة لمن صدق في إنابته. واعلموا أن النجاة من عذاب يوم القيامة، والفوز برضوان الله وجنته، لا يكونان إلا لمن أتى الله بقلب سليم ممتلئ بنور التوحيد، منزه عن الشرك والبدع، مفعم بالإخلاص واليقين. فليكن هم المسلم الأكبر هو إصلاح عقيدته، وليحرص على تجديد إيمانه، وليدع الله دائما أن يوفقه لصدق التوحيد وحسن الاتباع، فإن ذلك هو الطريق الأقوم الذي يضمن الأمن والهداية في الدنيا والآخرة.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر. اللهم احفظ عقيدتنا، وأدم علينا أمننا وإيماننا، واكفنا شر أعدائنا، ووفقهم لنصرة الحق وأهله، ودحر الباطل وحزبه.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة