الولاية لله حقيقتها ومقتضياتها

0 5

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي تفرد بالولاية على عباده، وجعلها شرفا عظيما لأهل الإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ‌حق ‌تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102]، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ‌ولتنظر ‌نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} [الحشر: 18]، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (٧٠) ‌يصلح ‌لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب: 70-71].

أما بعد. 
عباد الله: الولاية لله عز وجل هي رأس مسائل الإيمان، وأعظم قضايا الولاء والبراء، والأصل الذي تتفرع عنه كل صور المحبة والخضوع لله جل وعلا . قال تعالى: {قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض} [الأنعام:14]. فمن اتخذ غير الله وليا فقد ضل ضلالا بعيدا، وخسر الدنيا والآخرة. الولاية لله تعالى: تعني الخضوع الكامل له سبحانه، في العبادات والمعاملات والمواقف. وأي خلل فيها ينعكس سلبا على عمل  المسلم وتعاملاته ومواقفه. وقد كان من أسباب ضعف المسلمين اليوم تخلخل هذا الأصل العظيم في نفوسهم، فمالت قلوبهم إلى أعداء الله وقدموا ولايتهم على من أمر الله بتوليهم، واستوردوا منهم النظم والتشريعات واستبدلوا بها شريعة الله ودينه والله جل قال سبحانه: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} [المائدة 55]
أيها المسلمون: الولاية لله جل وعلا لها مقتضيات كثيرة جدا ومنها:  
إفراد الله بالعبادة، قال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له} [الأنعام:162-163]. فمن أشرك في العبادة نقض ولاءه لله، إذ كيف يشرك معه وهو يواليه، وإفراد الله بالولاية جاء التعبير عنها في القرآن أيضا بمعنى الاتباع، قال سبحانه وتعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء} [الأعراف:3] فولاية الله تقتضي اتباع ما أنزل والتحاكم إليه فيما شرع، وتقتضي -أيضا- نصرة الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل: {قل أغير الله أتخذ وليا} [الأنعام:14] فنصرة الله من مقتضيات الولاية لله عز وجل. وإن من أعظم مقتضيات ولاية الله تعالى: محبة أولياء الله وبغض أعدائه، فالحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان ومن أظهر علامات الولاية لله ولرسوله وللمؤمنين {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} [المائدة 55] ، وقد جسد الصحابة رضي الله عنهم هذا الولاء عمليا، حتى قتل أبو عبيدة أباه الكافر يوم بدر حينما تصدى له محادا لله ورسوله، فنزل فيه قول الله: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم...} [المجادلة:22].  
ومن مقتضياتها الولاية أيضا: تحمل الأذى في سبيل الله. قال صلى الله عليه وسلم: (لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحد) رواه أحمد. وقد صبر هو وأصحابه على الأذى والجوع والغربة والهجرة من أجل ولاية الله. ومن أجل ولاية الله حوصر الصحابة في الشعب، حتى إن أحدهم كان يأكل جلد بعير قديم قد ارتد رشاش بوله عليه يأخذه فينقعه في الماء يغسله فيأكله، وأكلوا أوراق الشجر حتى تقرحت أفواههم وشفاههم.. كل ذلك في سبيل الله ومن أجل الولاية له سبحانه. ومن مقتضيات الولاية لله تعالى: عدم موالاة أعداء الله ، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم} [المائدة:51]. فكيف يجتمع حب الله مع حب أعدائه؟!  
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية
 
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أيها المسلمون: من أعظم مقتضيات ولاية الله تعالى: تحديد المواقف من الناس في ذات الله، كما فعل ثمامة بن أثال رضي الله عنه حينما أسلم فقال: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، يا محمد! ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فلقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي) رواه البخاري. فالولاية لله جل وعلا هي البوصلة التي تضبط وجهة المسلم ومواقفه ومشاعره.  
عباد الله: إن ولاية الله طريق إلى الجنة، وهي شرف الدنيا والآخرة. فلنحرص على تحقيقها، ولنزن ولاءنا وبغضنا ومواقفنا بمقياسها، حتى نفوز بمحبة الله ورضوانه. 
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة عليه، اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة