- اسم الكاتب:اسلام ويب
- التصنيف:خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله: (يٓأيها ٱلذين ءامنوا ٱتقوا ٱلله حق تقاتهۦ ولا تموتن إلا وأنتم مسۡلمون) [آل عمران: 102]. (يٓأيها ٱلناس ٱتقوا ربكم ٱلذي خلقكم من نفۡسٖ وحدةٖ وخلق منۡها زوۡجها وبث منۡهما رجالٗا كثيرٗا ونسآءٗۚ وٱتقوا ٱلله ٱلذي تسآءلون بهۦ وٱلۡأرۡحامۚ إن ٱلله كان عليۡكمۡ رقيبٗا) [النساء: 1]. (يٓأيها ٱلذين ءامنوا ٱتقوا ٱلله وقولوا قوۡلٗا سديدٗا (70) يصۡلحۡ لكمۡ أعۡملكمۡ ويغۡفرۡ لكمۡ ذنوبكمۡۗ ومن يطع ٱلله ورسولهۥ فقدۡ فاز فوۡزا عظيما) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد؛
أيها الناس: اعلموا أن أعظم ما أمر الله به هو تحقيق التوحيد؛ لأنه أصل الدين، وغاية خلق الإنسان، وسبب بعثة الأنبياء والمرسلين. قال تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد:19].
أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين، يدعون الناس إلى عبادة الله وحده وترك عبادة غيره، ففاز الموحدون، وخسر المشركون الذين أبوا الانقياد لله ورسله .
أيها الأحبة: كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ليست مجرد لفظ يقال باللسان، بل لها شروط عظيمة لا بد من تحقيقها والعمل بها وهي:
أولا: العلم بمعناها: أي أن تعلم أنها تعني نفي العبادة عن غير الله تعالى وإثباتها لله وحده سبحانه. قال تعالى: {إلا من شهد بالحق} أي: بلا إله إلا الله {وهم يعلمون} [الزخرف: 86] بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم.
ثانيا: اليقين: أي أن تقال عن إيمان جازم من قلب موقن لا يشوبه شك. فإن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين لا علم الظن، فكيف إذا دخله الشك، قال الله عز وجل: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} [الحجرات: 15]، فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا، أي لم يشكوا، فأما المرتاب فهو من المنافقين.
ثالثا: الإخلاص: أي أن تقال ابتغاء وجه الله تعالى وحده، لا رياء ولا نفاقا ولا سمعة؛ لأن الإخلاص هو تصفية العمل عن جميع شوائب الشرك قال تبارك وتعالى: {ألا لله الدين الخالص} [الزمر: 3].
رابعا: الصدق: أي أن يوافق ويصدق القول القلب والعمل. قال الله عز وجل: {الم (1) أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون (2) ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} [العنكبوت: 1 - 3].
خامسا: القبول: أي أن يقبل الإنسان هذه الكلمة، ولا يردها كبرياء أو حسدا، بل يقبل ما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه، وقد قص الله عز وجل علينا من أنباء ما قد سبق من إنجاء من قبلها وانتقامه ممن ردها وأباها، قال تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون (22) من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم (23) وقفوهم إنهم مسئولون} إلى قوله {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون (35) ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون} [الصافات: 22 - 36]. فجعل الله علة تعذيبهم وسببه هو استكبارهم عن قول لا إله إلا الله، وتكذيبهم من جاء بها، فلم ينفوا ما نفته ولم يثبتوا ما أثبتته.
سادسا: الانقياد: أي أن يخضع العبد لما تقتضيه هذه الكلمة من طاعة الله والعمل بشرعه. قال الله عز وجل: {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى} أي: بلا إله إلا الله {وإلى الله عاقبة الأمور} [لقمان: 22]، ومعنى {يسلم وجهه} أي: ينقاد، وهو محسن موحد، ومن لم يسلم وجهه إلى الله ولم يك محسنا فإنه لم يستمسك بالعروة الوثقى.
سابعا: المحبة: أي أن يمتلئ قلب العبد بحب الله تعالى ورسوله ودينه وشرعه، وبغض ما ناقض ذلك، قال الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} [البقرة: 165]. فأخبر الله تعالى أن الذين آمنوا أشد حبا لله؛ لأنهم لم يشركوا معه في محبته أحدا كما فعل مدعوا محبته من المشركين الذين اتخذوا من دونه أندادا يحبونهم كحبه. وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده والده والناس أجمعين.
ثامنا: الكفر بما يعبد من دون الله: فلا يجتمع في قلب المؤمن توحيد الله تعالى وتعظيم غيره مما يعبد من دونه.
أيها المسلمون: إن العبادة هي غاية الذل مع كمال المحبة لله تعالى، وتشمل كل ما يحبه الله من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. فمن صرف شيئا من ذلك لغير الله فقد أشرك بالله تعالى، قال الله تعالى: ( إن ٱلله لا يغۡفر أن يشۡرك بهۦ ويغۡفر ما دون ذلك لمن يشآءۚ ومن يشۡركۡ بٱلله فقد ٱفۡترىٓ إثۡما عظيما) [النساء:48]. وقال تعالى: (إن ٱلله لا يغۡفر أن يشۡرك بهۦ ويغۡفر ما دون ذلك لمن يشآءۚ ومن يشۡركۡ بٱلله فقدۡ ضل ضللۢا بعيدا) [النساء: 116]
وإنه لمن المؤسف -عباد الله- أن ترى في بلاد المسلمين مظاهر وممارسات تخدش هذا الأصل العظيم وتنافي هذه الكلمة الجليلة، كمن يدعو غير الله عند الشدائد، أو يذبح وينذر للأولياء والأضرحة، ويطلب منهم الرزق أو الشفاء أو رد الغائب! هؤلاء نسوا أن من يدعونهم لا يملكون لأنفسهم ضرا، ولا نفعا، ولا موتا، ولا حياة، ولا نشورا.
إنها صورة مؤلمة من العودة إلى الوثنية التي جاء الإسلام لهدمها، وهي صورة من صور غربة الإسلام، وقد قال النبي ﷺ: بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء. ولو أن هؤلاء لجؤوا إلى الله وحده، وتضرعوا إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، لأجاب دعاءهم وفرج كربهم.
فاللهم يا ربنا يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد، نسألك أن تملأ قلوبنا بالإيمان، وأن ترزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن تجنبنا الشرك والبدع والخرافات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء:110].
أقول قولي هذا وأستغفر الله، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الأحبة في الله: أما آن للغافلين أن يتوبوا؟ أما آن للقلوب أن تلين بعد طول إعراض ونسيان؟! أما آن للمفرط أن يرجع إلى الله الذي خلقه، ورزقه، وستره، وأمهله؟
ربنا تبارك وتعالى دعا عباده جميعا إلى التوبة فقال: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} [الأنفال:24]. فالتوبة حياة، والغفلة موت، والإيمان نور، والمعصية ظلمة.
تأملوا –عباد الله– كم من إنسان كان بيننا بالأمس ثم وارته الأرض! كم من صحيح أصبح سقيما، وكم من غني أصبح فقيرا، وكم من حي أصبح خبرا يتلى بعد حين! فما أقرب الأجل، وما أسرع الرحيل، وما أضعف الإنسان .
أيها المسلمون: الرجوع إلى الله بالصدق في النية، وبالعمل بما أمر الله، وبترك ما نهى عنه، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران:102].
تمسكوا عباد الله بعقيدة التوحيد، وابتعدوا عن كل ما يخدشها ويهدمها، فإن أعداء الإسلام لا يفرحون بشيء كما يفرحون حين يرون المسلمين قد ابتعدوا عن عقيدتهم وتوحيدهم وتعلقهم بربهم.
واعلموا أن النجاة في التمسك بالعروة الوثقى شهادة (لا إله إلا الله) بشروطها ومعانيها، وأن الهلاك في تركها أو صرف شيء من العبادة لغير الله تعالى.
أيها الأحبة: صلوا على نبيكم امتثالا لأمر الله القائل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب:56]. وقال ﷺ: (من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا). اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين، {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار}. {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}. اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

المقالات

