- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:العقيدة
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله تعالى حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى؛ فقد قال جل وعلا: (يٓأيها ٱلذين ءامنوا ٱتقوا ٱلله حق تقاتهۦ ولا تموتن إلا وأنتم مسۡلمون) [آل عمران: 102].{يٓأيها ٱلناس ٱتقوا ربكم ٱلذي خلقكم من نفۡسٖ وحدةٖ وخلق منۡها زوۡجها وبث منۡهما رجالٗا كثيرٗا ونسآءٗۚ وٱتقوا ٱلله ٱلذي تسآءلون بهۦ وٱلۡأرۡحامۚ إن ٱلله كان عليۡكمۡ رقيبٗا} [النساء: 1].{يٓأيها ٱلذين ءامنوا ٱتقوا ٱلله وقولوا قوۡلٗا سديدٗا * يصۡلحۡ لكمۡ أعۡملكمۡ ويغۡفرۡ لكمۡ ذنوبكمۡۗ ومن يطع ٱلله ورسولهۥ فقدۡ فاز فوۡزا عظيما} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد؛ أيها المؤمنون: تأملوا في حال الناس من حولكم: أجيال تتعاقب، وقوافل من البشر تدخل الدنيا ثم تخرج منها، كانوا بالأمس يمشون بيننا، يخططون ويجمعون ويؤملون، ثم مضوا جميعا إلى الدار الآخرة، يخبرنا ربنا جل وعلا بحقيقة لا ينجو منها أحد: {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [آل عمران: 185]. هذه هي الدنيا عباد الله، برهة قصيرة، وممر لا مقر، والناس يخرجون منها إلى أحد طريقين لا ثالث لهما: إلى جنة أو إلى نار، والعاقل حقا من وقف مع نفسه وقفة صدق وسألها: إلى أين المصير؟ وبماذا أخرج من الدنيا؟ وكيف النجاة؟.
أيها المسلمون: هل تساءلنا: ما أعظم هدف يمكن أن يعيش له المسلم في هذه الدنيا؟ الجواب باختصار: أن يعمل طوال عمره لينال مرضاة الله تعالى؛ فهي الغاية الكبرى، من ظفر بها فاز في الدنيا والآخرة، ومن حرمها فلا فوز له ولو ملك الدنيا بحذافيرها. يقول ربنا سبحانه وهو يصف نعيم أهل الجنة:{وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر} [التوبة: 72]. تأملوا: جنات، وأنهار، ومساكن طيبة، وخلود لا ينقطع… ثم يقول:{ورضوان من الله أكبر}؛ أي أكبر من كل ما ذكر من النعيم، فنعيم الجنة عظيم، ولكن رضوان الله أعظم من الجنة ومن كل ما فيها. وفي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا) رواه البخاري ومسلم. يا الله أي نعيم أعظم من أن يقول لك رب العزة: (لا أسخط عليك بعده أبدا)؟! إنها الغاية التي إن نالها العبد اطمأن قلبه، وسكنت روحه، واستغنى بالله عن كل ما سواه.
عباد الله: هذه الغاية العظيمة لم تكن شعارا نظريا، بل كانت حقيقة يعيشها خيرة خلق الله من الأنبياء والمرسلين. قال موسى عليه السلام: {قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى} [طه: 84]، ترك قومه ومضى سريعا عجلا في السير لا لمال ولا لجاه، بل قال: {لترضى}. وقال سليمان عليه السلام في دعائه:{رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه} [النمل: 19]. ونبينا صلى الله عليه وسلم سيد العابدين، لما مات ابنه إبراهيم بكى وتأثر، لكنه ضبط لسانه بما يرضي الله تعالى؛ فقال كما في الصحيح عن أنس رضي الله عنه:(إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) رواه البخاري. تأملوا قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا نقول إلا ما يرضي ربنا)، فالحياة كلها تدور حول سؤال واحد: هل هذا القول وهذا الفعل يرضي الله أم لا؟
أيها المؤمنون: كيف ننال رضا الله تعالى؟ ما أكرم ربنا! لم يجعل مرضاته غاية بعيدة لا تنال، بل عرض علينا رضاه بأيسر الأعمال، لكن بشرط الإخلاص له والمتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم. ومن أعجب ما ورد في هذا الباب الحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها) رواه مسلم. أكلة واحدة، وشربة واحدة، لكن يعقبها الحمد لله من قلب شاكر معترف بالفضل؛ يرضى بها الله تعالى عن العبد! .
من أسباب نيل رضا الله أيضا: الإيمان الصادق والعمل الصالح؛ قال تعالى عن عباده الصالحين:{رضي الله عنهم ورضوا عنه} [المائدة: 119]. ومنها كذلك بر الوالدين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد) رواه الترمذي. والتوبة النصوح، قال تعالى:{والله يحب التوابين} [البقرة: 222]، ومن أحبه الله رضي عنه. وحسن الخلق مع الخلق، والعدل والإحسان، والصبر على الأقدار، والإخلاص في السر والعلن، وغيرها من الأعمال الصالحة.
عباد الله: اجعلوا ميزانكم في كل خطوة من خطوات حياتكم: هل هذا العمل يقربني من رضوان الله أم يبعدني؟ إن الصلاة، والصيام، والصدقة، وبر الوالدين، وكف الأذى عن الناس، وحسن الخلق في البيت ومع الخلق… كلها أبواب لمرضاته سبحانه. من عاش طلبا لرضوان الله هانت عليه الدنيا، وخفت عليه الطاعات، وسهل عليه ترك المعاصي، لأنه لا ينظر إلى تعب العمل، بل إلى وجهة العمل: رضا الله جل وعلا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه ونستعينه ونستهديه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإن التقوى هي الطريق الموصل إلى رضوانه وجنته جل وعلا.
أيها المسلمون: تذكروا أن الدنيا قصيرة، وأن كل نفس ذائقة الموت، وأن الإنسان يخرج من هذه الحياة إلى المصير الأبدي الذي ينتظره، وأن الفائز الحقيقي من زحزح عن النار وأدخل الجنة، كما قال تعالى: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} [آل عمران: 185]. وفوق هذا كله نعيم أعظم، وغاية أعلى هي مرضاة الله تعالى {ورضوان من الله أكبر} [التوبة: 72].
فاعملوا من الأعمال ماتنالون به مرضاة الله تعالى؛ اجعلوا -رحمكم الله- لسانكم رطبا من الحمد والشكر، وقلوبكم عامرة بالإخلاص والإنابة، وبيوتكم مليئة بطاعة الله وبر الوالدين، وأخلاقكم مع الناس مبنية على العدل والإحسان، فإن هذه الطرق كلها تسير بكم إلى رضوان الله. تذكروا دائما أن اللحظة التي يقول فيها ربكم لأهل الجنة:(أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا) هي أعظم لحظة في الوجود، فاجتهدوا أعماركم حتى تكونوا من أهلها.
وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.