غربة وموقف

0 617

للغربة في دارنا سكن ..
أهرب كثيرا .. أحاول أن أنسى
في حديقة المجمع الخلفية.. سألتني جارتنا .. قلت لها : مسلمون .. قلتها على عجل .. خجلا من نفسي . وخوفا من أسئلة أخرى ..
نحن هنا أناس معزولون .. لا نعرف أحدا .. ولا نرى أحدا ..
نسمع أن هنا مسجدا .. ونرى منارته حين مرورنا .. ولا ندخله ..
حتى في الأعياد لا نأتي إليه ..
أيامنا تحولت مع أيامهم وأعيادنا أعيادهم ..
باختصار .. يطلق علينا "مسلمون" .. تجاوزا ..
لا صلاة .. ولا عبادة .. لا شيء يوحي بالإسلام في منزلنا ..
سوى سجادة صلاة معلقة في المجلس ..
ومع مرور الأيام بدا لزوجي أن يغيرها ..
كيف نعيش .. زوجي رجل عملي .. ومنظم
يحب عمله .. يتفانى في دراسته ..
يطغى الجو الرسمي على المنزل وعلى تعاملنا ..
يريد كل شيء في وقته .. حتى لا تضيع دقيقة ..
أما ابني " .... " فليس له من اسمه نصيب
لا يعرف عن الإسلام شيئا .. ولا يعرف حتى الشهادتين ..
من ربك .. ؟ ما دينك .. ؟ من نبيك .. ؟
لم تردد في منزلك أبدا .. أدخلناه مدرسة مع أطفال الجيران .. وتركنا مدرسة لأطفال المسلمين .. ما تبقى من وقته
حرصنا فيه على تعلمه للغة الإنجليزية .. رغم صغر سنه ..
مشاهدة التلفاز والفيديو .. خروجه مع أطفالهم ..
هذا جهدنا نحوه ..
صلتنا بالطلبة هنا منقطعة .. واتصالنا ببلادنا متقطع ..
ربما طرقنا هاتف يخبرنا بموت فلان .. أو بزواج قريب ..
في غربتنا تحملت مسؤولية كل شيء ..
شراء ما نحتاجه وحتى تسديد الفواتير ..
يهون حياة الغربة .. طفلي .. وشيء من فرحة العودة ..
رغبتي في زيارة الأهل لا حد لها .. ولكن .. ؟!
مكالمة طويلة من والد زوجي أتت ..
وأصر على أن نزورهم هذا الصيف ..
وكلما طالت المكالمة فرحت بذلك .. لعلمي إلحاح والده ..
بعد أعذار واهية ..
سيأتون بدوني .. لدي ما يشغلني ..
وضع سماعة الهاتف .. انتظرته يقول شيئا .. ولكنه كان متوترا ..
بعد تململ قال :
أصر والدي .. وأنا لا أستطيع الذهاب .. وقتنا ضائع بين ذهاب وعودة ..
قلت له : لنا سنتين لم نذهب .. اذهبوا أنتم ..
رتبت حجزي .. حزمت حقائبي ..
سأغادر مدينتي إلى العاصمة ..
أمكث فيها ثلاث أيام .. أحتاج إلى كثير من الهدايا ..
في الطريق فرح ابني ..
سنذهب إلى فلان .. وفلان .. وعدد الكثير من الأسماء ..
لم تغب عن ذاكرته ..
وعندما دخلنا المدينة سأل عنهم ..
قلت .. ليس الآن ..
بعد ثلاثة أيام ..
في هذه المدينة تتذكر الوطن .. السواح في كل مكان ..
السمرة تعلو الوجوه .. وترى العباءة في الأسواق ..
فرحت بهذا القرب من الوطن ..
بدأنا نقترب ..
يوم أو يومين ونحن هناك ..
في اليوم الأخير لنا هنا .. بعد أن انتهيت من شراء ما أحتاجه ..
ذهبت بابني إلى الحديقة ..
البط قريب جدا .. والحمام يلامس يدك ..
الناس في كل مكان .. والأطفال .. يمرحون ..
بدأ ابني يرمي ببقايا الأكل إلى البط حتى اقتربن
على كرسي جلست وحيدة .. وكان بجوار ابني طفل يحادثه ..
ما أسرع المعرفة .. إنه صفاء القلوب ..
ناديت ابني باسمه ..
وأتت بدلا عنه أم الطفل الذي بجواره ..
سلمت وهشت ورحبت ..
سائحة مثلي ..
قلت بفرح .. لا بل مغادرة ..
كالطفلة أحتاج إلى من يحادثني ..
امتدحت المكان وفرحة الصغار ..
دعتني لشرب الشاي معهم ..
وسط أرض خضراء .. يتوسطها الشاي والقهوة ..
عرفتني .. هذه والدتي .. وهذه أختي .. وهذه زوجة أخي ..
ما شاء الله .. عائلة كاملة ..
أنست بالحديث معهن ..
قادم من بعيد .. ينظرون إليه .. ويمازحون ..
أقبل .. تسبقه عصا في يده .. هذا والدنا ..
سلم .. ولم يجلس .. ولكنه رقع صوته ..
لا نسمع أذانا ولا إقامة ..
دعا لبلاد المسلمين دار خير وصلاة ..
نادوا فلانا .. وذهبت إحداهن تبحث عن الطفلين ..
أسرع ابني وجلس بجانبي .. أما الطفل الآخر .. فلعله اعتاد الأمر ..
وضع سجادة .. ووقف بجواره .. وكبر للصلاة ..
مشدودة عينا ابني .. وهو يرى ذلك ..
وما إن ركع .. ورفع من السجود ..
حتى وقف .. وقال بصوت عال .. فرحا ..
يصلي .. مثل بابا عبد العزيز ..
سألتني والدتهم .. ما شاء الله ..
أبوه اسمه عبد العزيز .. ؟
أشحت بوجهي عنها .. وأنا أخفي عيني ..
أسندت رأس ابني إلى صدري ..
ما أكبر الجريمة في حقك ..
أشرت برأسي أن .. نعم .. عندما أعادت السؤال ..
ماذا أصابني .. ؟
إعصار هز أعماق قلبي ..
لم ير والده يصلي قط ..
عبد العزيز .. جده ..
أحسست أنها عرفت ذلك ..
تمالكت نفسي ..
نهضت واقفة .. أحمل هم السنين الماضية ..
ودعت وداعا كئيبا وأنا أقول ..
لم ير أباه يصلي أبدا ..
وكأنها تردد معي ..
بل رأى جده ..
بل رأى جده ..
مع دخولي غرفة الفندق ..
توضأت .. وصليت ..
في مساء متأخر ..
في بيت والدي ..
لم يعد للفرحة بالوطن معنى ..
منذ أن وصلت لم يفارقني صوت ابني ..
سأقول لك الحقيقة .. أنت أختي ..
تمهلي علي ..
الأمر ليس كما تتوقعين .. أكبر مما تتوقعين ..
بكيت .. ورويت لها ما حصل ..
لم تدعني دمعتي أكمل ..
قالت بتنهد :
إنا لله وإنا إليه راجعون ..
فربت ابني .. مسحت على رأسه ..
وقالت :
" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر " ..
هذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ..
هل تقبلين أن تكوني كافرة .. ؟
هل تقبلين أن تتزوجي كافر .. ؟
هل تقبلين .. !!

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة