فضل المعجزة القرآنية على المعجزة الحسية

2 2015

أيد الله سبحانه أنبيائه ورسله بالمعجزات لتكون برهانا وشاهدا على صدق ما جاءوا به من البينات والهدى، بيد أنه قد لوحظ أن المعجزات التي سبقت معجزة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كانت معجزات حسية تعتمد أساسا خرق ما اعتاد الناس عليه وألفوه.

وجاءت معجزة خاتم المرسلين معجزة عقلية فكرية بلاغية، تناسبت مع تطور البشرية من حالة الجهالة المطبقة، والظلام الدامس، إلى حالة إعمال العقل وتحرير الفكر، وإن شئت قل: حالة استعداد البشرية لتلقي خطاب العقل، وتشوفها نحو حرية الفكر.

وجاءت معجزة القرآن معجزة عقلية، تناسب كون هذه الرسالة جاءت للناس كافة، وإلى الأزمان عامة، فاعتمد إعجازه على أمر خارج تطورات المعارف وتباين الثقافات.

جاءت معجزة هذا الدين مرتكزة أساسا على عقل الإنسان، فهو خاصية له وصفة ذاتية فيه، لا تزول ولا تتبدل بالتبدلات والتغيرات الزمانية والمكانية.

ثم إن كل نبي من الأنبياء إنما أوتي آية حسية كانت فاعلة معه ما دام حيا، فلما مات الأنبياء ماتت بموتهم المعجزات، وفنيت بفنائهم، حتى جاء نبينا صلى الله عليه وسلم بمعجزة القرآن الباقية بقاء الدهر، وانتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وبقيت معجزته سراجا منيرا، ومنارا مستنيرا، وشاهدا ودليلا على خلود هذا الدين، وأنه الدين الذي ارتضاه سبحانه لعباده، والذي لا يقبل من أحد سواه.

لقد ورث الناس عن أنبيائهم شرائع وأحكاما ولم يرثوا عنهم معجزات، وورث المسلمون عن نبيهم صلى الله عليه وسلم شريعة هي آية باهرة، وآية هي شريعة ومنهاج وصراط مستقيم. وهذا هو الوجه الأهم والأبرز في إعجاز القرآن، إذ وظيفة الآية للأنبياء إثبات صدقهم وبلاغهم عن ربهم، فبها يؤمن الكافرون، وبها يهتدي الضالون؛ فإذا مات الأنبياء عادت المعجزات الحسية أخبارا تروى لا حقائق تشاهد وتحس وتبصر.

وهذا فيصل التفرقة بين معجزات الأنبياء، ومعجزة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ المعجزة الحسية هي بينة صاعقة لمن رآها، غير أنها تغدو خبرا لا يصدق لمن سمع عنها؛ يرشد لذلك أنه لو كذب أحد: أن عيسى عليه السلام أحيا الموتى من ألفي عام، وأراد دليلا دامغا على صدق ذلك الأمر الذي لا يعقل وليس له سابقة في حياة البشر، فإن أحدا من النصارى مهما أوتي من حجة لا يمكنه إقامة الدليل على ذلك؛ لأن ذلك أمر خارق للعادة أصلا، وخارج نطاق العقل.

ومن هنا كان أكثر النصارى إما حيارى لا يعقلون، أو ورثوا الديانة عن آبائهم فهم على آثارهم يهرعون.

فالمعجزات الحسية كانت قوية لمن رآها وشهدها، ولكنها تبقى عرضة للشك العميق لمن سمعها جيلا بعد جيل.

وإيمان المؤمنين المسلمين بمعجزات الأنبياء السابقين إنما كان لإخبار القرآن الكريم والسنة النبوية بها ليس إلا.

لقد كان القرآن معجزا كله بما يناسب المرحلة الأخيرة التي وصلت إليها البشرية، مرحلة العلم والعقل، تلك المرحلة التي تجاوزت كل ما هو محسوس وملموس، وأولت عنايتها بجانب الفكر والعقل؛ لأنه الأساس الذي تبني عليه باقي جوانب الحياة.

ونختم مقالنا هذا بقول الرافعي رحمه الله: "ما أشبه القرآن الكريم في تركيب إعجازه وإعجاز تركيبه بصورة كلامية من نظام هذا الكون، الذي اكتشفه العلماء من كل جهة، وتعاوروه من كل ناحية، وأخلقوا جوانبه بحثا وتفتيشا، ثم هو بعد لا يزال عندهم على كل ذلك خلقا جديدا ومراما بعيدا".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة