عودة أرض العرب مروجاً وأنهاراً

1 1689

يمر كوكب الأرض بدورات مناخية متقلبة ، هذه الدورات تتم على مراحل زمنية متطاولة ومتدرجة قد تمتد إلى مئات بل آلاف السنين .

وقد اكتشف علماء الجيولوجيا في العصر الحديث ، أن الأرض قد مرت بعدد من دورات زحف الجليد على اليابسة ، وتعرف هذه الدورات باسم " الدورات الجليدية " ، حيث تتحول كمية من مياه البحار إلى ثلوج ، وتتجمع في أحد قطبي الأرض أو فيهما معا ، ثم تبدأ بالزحف في اتجاه خط الاستواء ، وقد ينحسر الزحف في الدورة الواحدة عدة مرات ، وفي أثناء هذا الزحف الجليدي على اليابسة تتحول مناطق معينة في خطوط الطول والعرض العليا إلى مناطق جليدية تنعدم فيها الحياة ، بينما يتغير الطقس في مناطق أخرى ، فتتحول إلى مناطق أمطار غزيرة ، بسبب التغير الحاصل في المناخ ، ومن هذه المناطق الحزام الصحراوي الممتد من موريتانيا غربا إلى أواسط آسيا شرقا ، حيث ثبت أن هناك أودية جافة منتشرة في صحارى تلك المنطقة ، وأنها شقت في تلك الفترة حين كانت أنهارا متدفقة ثم جفت مع تناقص كمية الأمطار .

ومن ذلك ما حدث في بلاد العرب ، فقد ثبت بالدراسة أن جزيرة العرب قد مرت خلال الثلاثين ألف السنة الماضية بفترات ممطرة ، كسيت خلالها بالمروج الخضراء ، وتدفقت فيها الأنهار بالمياه الجارية ، وتحولت المنخفضات فيها إلى بحيرات ، حتى إن صحراء الربع الخالي التي تعتبر اليوم واحدة من أكثر مناطق الأرض جفافا ، ثبت أن بها أعدادا من البحيرات الجافة والمجاري المائية المدفونة تحت رمالها ، وأن تلك البحيرات والمجاري كانت زاخرة بالحياة ومتدفقة بالمياه إلى زمن قوم عاد ، الذين أقاموا في جنوب الجزيرة العربية حضارة لا تدانيها حضارة في زمنها ، وقد حكى لنا القرآن شيئا من أخبارهم ، فقال عز وجل عن نبيه هود وهو يعظ قومه ويذكرهم نعم الله عليهم : {واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأموال وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } (الشعراء: 132- 135) .

ونحن اليوم نعيش في نهاية آخر دورة من دورات الانحسار الجليدي ، ويبشر العلماء ببداية دورة جليدية جديدة ، وقد بدأت بوادرها بالفعل ، حيث تشير الدراسات المناخية إلى أننا قادمون على فترة ممطرة جديدة ، شواهدها بدايات زحف الجليد في نصف الكرة الشمالي باتجاه الجنوب ، وانخفاض في درجات حرارة فصل الشتاء ، ولولا التزايد المطرد في معدلات التلوث البيئي التي تزيد من ظاهرة الاحتباس الحراري ، لشاهدنا زحف الجليد على كل من أمريكا الشمالية وأوربا وآسيا في زماننا الراهن ، مما يؤكد عودة هذه الصحراء القاحلة مروجا وأنهارا مرة أخرى .

فهذه الحقائق لم يتوصل الإنسان إلى معرفتها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين ، وقد أشار إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك بقرون متطاولة وأزمان متباعدة ، وذلك في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة حيث قال : ( لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض ، حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منه ، وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا ) .

والعود في الأصل هو رجوع الشيء إلى ما كان عليه سابقا ، وعلى هذا يكون المعنى أن أرض العرب كانت مروجا وأنهارا ، وأنها بعد فترة من الزمن ستعود ثانية فتجري فيها الأنهار ، وتمتلئ بالمروج الخضراء التي تغطي أرضها .

فمن أين له - صلى الله عليه وسلم - الإتيان بهذه الحقائق الكونية التي لم يدركها العلماء إلا في العصر الحديث ، إن لم يكن نبيا رسولا ، تلقى هذا العلم عن رب الكون ، وخالق السموات والأرض ، الذي أرسله وأيده بهذه المعجزات والبراهين لتقوم بها الحجة على العالمين في كل زمان ومكان.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة