القارئ الشيخ محمود خليل الحصري

8 2134

يعد الشيخ محمود خليل الحصري أشهر من رتل القرآن الكريم في القرن الهجري الماضي؛ فهو صاحب مدرسة أحكام التلاوة، لم يرض لنفسه أن يكون قارئا لكتاب الله فحسب، بل نجح في أن يترك أثرا حسنا في نفوس سامعيه؛ وهو أول من سجل القرآن بصوته مرتلا في الإذاعة المصرية في مطلع الستينيات من القرن الميلادي المنصرم (1379هـ) فذاع صيته وصوته بأدائه المتميز في أنحاء العالم كافة. 

ولد الشيخ الحصري سنة (1335هـ-1917م) بقرية شبرا النملة، بمحافظة الغربية من جمهورية مصر العربية، وحفظ القرآن الكريم وكان له من العمر ثماني سنوات، وعين بعد في العديد من المساجد لقراءة القرآن وإقرائه.

في سنة (1363هـ-1944م) تقدم لامتحان الإذاعة، فجاء ترتبيه الأول على المتقدمين، ووصل من خلالها صوته شرقا وغربا. ثم عين مفتشا للمقارئ المصرية، فرئيسا لمشيخة المقارئ المصرية، وتولى العديد من المهام الشرعية الأخرى. 

أدرك الشيخ الحصري منذ وقت مبكر أهمية تجويد القرآن في فهم القرآن وتوصيل رسالته، فالقراءة عنده علم وأصول؛ فهو يرى أن ترتيل القرآن يجسد المفردات القرآنية تجسيدا حيا، ومن ثم يجسد مدلولها التي ترمي إليها تلك المفردات...كما أن ترتيل القرآن يضع القارئ في مواجهة عقلانية مع النص القرآني، تشعر القارئ له بالمسؤولية الملقاة على عاتقه. 

هذا، وقد امتاز الشيخ الحصري بقراءته المتقنة للقرآن الكريم، تجلى ذلك في رزانة صوته، وحسن أدائه لمخارج الحروف وصفاتها، ناهيك عن مراعاته التامة لأحكام الغنات، ومراتب التفخيم والترقيق، وغير ذلك من أحكام التجويد التي أتقنها غاية الإتقان.

كان الشيخ الحصري -علاوة على كونه قارئا متقنا لكتاب الله- ذا علم واسع بالتفسير والحديث، مجيدا لقراءات القرآن العشر؛ إذ عكف طيلة حياته على علوم القرآن، وشغف بعلم القراءات حتى أصبح علما من أعلامه، فنال فيها شهادة من الأزهر الشريف، وكان يحاضر في موضوعاتها في العديد من الجامعات الإسلامية.

كتب الشيخ الحصري العديد من المؤلفات المهمة في هذا الشأن، والتي أفاد فيها وأجاد، نذكر منها "أحكام قراءة القرآن الكريم"، و"القراءات العشر من الشاطبية والدرة"، و"معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء"، وله غير ذلك من المؤلفات المفيدة.

ومن الآثار النافعة التي تركها الشيخ الحصري لهذه الأمة، نذكر ما يلي: 

- تسجيل المصحف المرتل براوية حفص عن عاصم سنة (1380هـ-1961م).

- تسجيل المصحف المرتل برواية ورش عن نافع سنة (1383هـ-1964م).

- تسجيل المصحف المرتل برواية قالون ، ورواية الدوري ، ورواية البصري، سنة (1387هـ-1968م).

- تسجيل المصحف المعلم سنة (1388هـ-1969م). 

- تسجيل المصحف المفسر (مصحف الوعظ) سنة (1392هـ-1973م).

وقد اعتمدت هذه التسجيلات في أنحاء العالم الإسلامي كافة، وأصبحت مرجعا أساسا لقارئي القرآن الكريم ومستمعيه، وقد نفع الله بها، ووضع لها القبول بين العامة والخاصة.

وقد سافر الشيخ الحصري إلى العديد من دول العالم، قارئا لكتاب ربه، وحاملا لرسالة القرآن، فتأثر بصوته وأدائه الكثير، ووفق الله البعض لإعلان الإسلام على يديه.

وللشيخ الحصري توجه خاص لخدمة كتاب الله، فقد أوصى بثلث ماله لبناء بعض معاهد القرآن، وأوصى برعاية وتعهد حفظة كتاب الله، بل كان أول من دعا إلى إنشاء نقابة خاصة بقراء القرآن الكريم. 

فارق الشيخ الدنيا سنة (1400هـ-1980م) بعد أن امتدت رحلته مع كتاب الله الكريم ما يقرب من خمسة وخمسين عاما. رحم الله الشيخ رحمة واسعة، وجزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة