ولا تنازعوا فتفشلوا

1 1210

ورد لفظ (التنازع) في القرآن الكريم في سبعة مواضع، وورد لفظ (الفشل) في أربعة مواضع، وجاء الربط بين اللفظين في ثلاثة مواضع، قوله تعالى: {حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر} (آل عمران:152) في وقعة أحد؛ وقوله سبحانه: {ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر} (الأنفال:43) وذلك في غزوة بدر؛ ثم قوله: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} (الأنفال:46) ولنا مع هذه الآية الأخيرة وقفة.

والتنازع: التخالف والاختلاف والتخاصم. والفشل: الوهن والإعياء والجبن وانحطاط القوة، مادية أو معنوية.

ويلاحظ أن الخطاب القرآني قد ربط بين هذه المعاني، ورتب بعضها على بعض؛ ربط النتيجة بسببها، وترتب المعلول على علته؛ وهذا شأن منهج القرآن الكريم في كثير من آياته، التي تقرر قانونا عاما، لا يتبدل ولا يتغير، بل يجري على سنن ثابت مطرد لا اختلال فيه ولا تبديل {فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا} (فاطر:43).

فقوله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا} إخبار واضح، ونهي جازم، وسنة ثابتة، يدل على أن الفشل والتراجع - على مستوى الأمة أو الأفراد - إنما مرجعه إلى التنازع والاختلاف؛ إذ العلاقة بين الأمرين علاقة تلازمية، كعلاقة السبب بالمسبب تماما، لا تتخلف إلا إذا تخلفت سنن الحياة الكونية، كأن تصبح قوة الجاذبية إلى السماء لا إلى الأرض!

وعلى ما تقدم، فإن النهي عن التنازع يقتضي الأمر بمنع أسباب التنازع وموجباته، من شقاق واختلاف وافتراق؛ والأمر بتحصيل أسباب التفاهم ومحصلاته، من تشاور وتعاون ووفاق.

ولما كان التنازع من شأنه أن ينشأ عن اختلاف الآراء والتوجهات، وهو أمر مركوز في الفطرة والجبلة البشرية، بسط القرآن القول فيه ببيان سيئ آثاره، ومغبة مآله، ورتب عليه في الآية هنا أمرين: الفشل {فتفشلوا} وذهاب القوة {وتذهب ريحكم} والفشل في الآية هنا على حقيقته، إذ يعني الفشل في مواجهة العدو ومدافعته؛ وذهاب الريح في الآية، كناية عن ذهاب القوة، والدخول في حالة الضعف والوهن.

وإنما كان التنازع مفضيا إلى الفشل، لأنه يثير التباغض والشحناء، ويزيل التعاون والألفة بين النفوس، ويدفع بها إلى أن يتربص بعضها ببعض، ويمكر كل طرف بالآخر، مما يطمع الأعداء فيها، ويشجعهم على النيل منها، ويجرئهم على خرق حرماتها، واختراق محارمها. وكم أتيت أمة الإسلام على مر تاريخها - القديم والحديث - من جهة التنازع والتباغض، مع وضوح النص وصراحته في النهي عن هذا.

ومن ثم، جاء صدر الآية آمرا بطاعة الله ورسوله، إذ بطاعتهما تتلاشى أسباب التنازع والاختلاف، وبالتزام أمرهما تتجمع أسباب النصر المادي والمعنوي؛ فما يتنازع الناس إلا حين تتعدد جهات القيادة والتوجيه، وحين يكون الهوى المطاع هو الموجه الأساس للآراء والأفكار، فإذا استسلم الناس لأمر الله ورسوله، وجعلوا أهواءهم على وفق ما يحب الله ورسوله انتفى النزاع والتنازع بينهم، وسارت الأمور على سنن الشرع الحنيف، وضبطت بأحكامه وتوجيهاته.

على أنه من المهم هنا حمل (الفشل) في الآية على معنى أعم وأوسع، بحيث يشمل الفشل في أمور الحياة كافة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بحيث لا يقتصر الفشل على ساحات الوغى والقتال فحسب - كما هو السبب الذي وردت لأجله الآية الكريمة - وهو معنى لا تأباه اللغة، ولا يمنعه الشرع؛ وهذا أولى بفهم الآية، كما يعلم ذلك من تتبع مقاصد القرآن، وكلياته الأساسية.

وحاصل القول في الآية: أن الاختلاف والتنازع عاقبته الفشل والخسران، وأن التعاون والوفاق سبب للفوز والنجاح في الدنيا والآخرة؛ والقارئ لتاريخ الأمم والشعوب - بما فيها تاريخ أمتنا الإسلامية - لا يعجزه أن يقف على العديد من الأحداث والشواهد والمشاهد - وعلى المستويات كافة - التي تصدق ما أخبر به القرآن الكريم. وصدق الله إذ يقول: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} (آل عمران:103) فهل يعمل المسلمون بهذا الأمر الإلهي، أم ما زالوا عنه غافلين؟

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة