اقرأ وربك الأكرم

0 1242

الآيات الخمس الأول من سورة (العلق) أول ما نزل من القرآن، في قول أكثر المفسرين، نزل بها جبريل الأمين على النبي خاتم المرسلين، عليه الصلاة وأتم التسليم، وهو قائم في غار حراء يتعبد.

ومع أن هذا النص القرآني الكريم قد صيغ بعبارات وجيزة، وكلمات بليغة، غير أنه تضمن من الحقائق والمعاني الكثير، وهو ما نحاول بسط القول فيه في هذه السطور:

روى البخاري في "صحيحه" عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة، فجاءه الملك، فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم} (العلق:1-3).

وافتتاح السورة بكلمة {اقرأ} إيذان بأنه صلى الله عليه وسلم سيكون قارئا، ومن ثم هو خطاب لأمته من بعده لتقوم بهذا الأمر الذي هو مفتاح كل خير.

ويلحظ في الآيات الكريمة تكرار لفظ {اقرأ} مرتين، ولهذا التكرار وظيفته في الخطاب القرآن، وهو يدل هنا على أمرين اثنين، يفيدهما السياق الذي وردت فيه الآيات:

الأول: ارتباط القراءة والأمر بها بنعمة الخلق والإيجاد؛ وهذا مستفاد من قوله سبحانه: {اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق}.

والثاني: ارتباط القراءة بنعمة الإمداد والإكرام، وهذا مستفاد من قوله تعالى: {اقرأ وربك الأكرم}.

والمعنى وفق هذا الارتباط المشار إليه: أن الذي خلق الإنسان يأمره بالقراءة؛ لأنها حق الخالق، إذ بها يعرف؛ وإن ممارسة هذه القراءة هي صورة من صور الشكر للخالق، لأنها قراءة لاسمه، وباسمه، ومع اسمه {اقرأ باسم ربك الذي خلق} إذ إن غاية القراءة معرفة الله تعالى، ووسيلتها النظر والتحري في آياته سبحانه المقروءة والمنشورة.

ثم إن (الواو) في قوله سبحانه: {اقرأ وربك الأكرم} أقرب ما تكون إلى معنى المعية، ذلك أن القارئ باسم الله لا يقرأ وحيدا دون مساعدة، ومعونة ربانية، وإنما يقرأ بعين وعون من الله سبحانه {اقرأ وربك الأكرم} فهو معك يعينك، يهديك، يصنعك {ولتصنع على عيني} (طه:39)، وكرمه سبحانه من رحمته، وهذه الرحمة تتجلى في نعمة التعليم بعد الخلق، وهكذا تتلازم صفتا العلم والرحمة منذ بداية الوحي القرآني إلى منتهاه.

وإذا كان المعنى الأصلي للقراءة الجمع، فهي إذن قراءة جامعة لكل الخير والبر والإحسان والعرف والمعروف والصدق والحق والهدى والنور والرشاد في القرآن.

ثم إن الأمر بالقراءة جاء عاما في الموضعين من السورة الكريمة، دون تحديد لطبيعة المقروء، وقد ذهب المفسرون إلى حصر المفعول بالقرآن، على معنى: اقرأ ما أنزل عليك من القرآن؛ وإذا صح لنا الأخذ بعموم اللفظ، جاز لنا القول: إن الأمر بالقراءة يفيد قراءة كتاب الله المسطور (القرآن) وكتاب الله المنشور (الأكوان). 

واعلم أن للعلماء توجيهات وآراء في معنى الباء الواردة في قوله تعالى: {باسم ربك} نمسك عن الخوض فيها، إذ ليس المقام مقامها.

ويحسن القول هنا: إن الأمر بالقراءة ابتداء يجب اعتباره أهم وأكبر مفصل من مفاصل التاريخ البشري، ولهذا دلالته في تاريخ الأمم والشعوب، كما لا يخفاك.

وأنت خبير أن القراءة في كتاب الله المسطور، لا تنفصل في وجودها وأهميتها عن الكتابة، التي احتوتها آيات أخر من كتاب الله المجيد، وهي قوله تعالى: {ن والقلم وما يسطرون} (القلم:1) فإذا كانت آيات سورة العلق فيها دعوة للقراءة، وحث عليها، لكشف آيات الله في الآفاق والأنفس، فإن آية سورة القلم فيها بيان وتعظيم لوسيلة القراءة وما به تكون، وكلاهما معا طريق لمعرفة الخالق سبحانه وتعالى.

وختاما: فإننا أمة قد نسيت أو تناست القراءة منذ زمن، وقد طال هذا النسيان، ونسيانها أو تناسيها مرض مزمن معقد حار الأطباء - على اختلاف اختصاصاتهم - في تشخيصه، فكيف في إيجاد العلاج له ؟ فهل إلى خروج من سبيل؟! 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة