مولد سيدي فالنتين ..!!

0 794

لم يعد الغراب يحاكي الطاووس في مجرد المشية، بل تمادى في محاولة التقليد إلى ما هو أبعد، فهناك من أقنعه أن يجتهد في تغيير شكل منقاره، وإجراء عملية تجميل لساقيه، وزرع ريش جديد بدل ريشه الأسود، وتركيب زمارة في حلقه لتغيير نغماته وطبقات صوته..

وبعد العملية (زنوا) على أذنيه بإلحاح: شفت!! لست من فصيلة الغربان يا غوغو؛ أنت من الطواويس أو الحساسين أو الشحارير.. وصوتك أجمل من صوت آبائك الغربان المساكين البائسين.
ويصدق الغراب المسكين أنه صار عند ليبـا؛ لأنهم غيروا له ريشه، ناسيـا أن تكوينه لا يتحدد بالقشرة الخارجية، إنما هي الجينات، بل الشفرة المسجلة في الجينات، التي تعطيه هويته، وتمنحه خصائصه، ليبقى غرابـا وابن غراب، مهما تنكر لأصله، ومهما غير من لون جلده، ومهما تشبه بغيره.

والغراب هنا هو أمتنا العظيمة التي تستورد الريش، وأجهزة تغيير شكل المناقير، وتحاول أن تغني غناء أوبراليا يشبه نواح العجائز في المآتم، وتظن أنها -بذلك - ستصير متحضرة - ماديا على الأقل - تنافس الخواجات، وتسبقهم، وتتفوق عليهم !!
فما دمنا اشترينا الشوكولاته، والسجائر الأجنبية، والشامبوهات، والبامبرز، وجهاز الفيديو، وما دمنا نرطن بالإنجليزية الركيكة، ونحب المحروسة مادونا والأسبايس جيرلز، وما دمنا نشتري لأبنائنا دمى على شكل ميني ماوس وبوكاهونتاس فنحن - بشهادة أنكل سام - نستحق دخول القرن الحادي والعشرين، ونحن محصنون عقليـا، وإبداعيـا، وحضاريا، ولا نحتاج لوصاية الدين، ولا آراء المتزفتـين ( المتـزمـتين ) !

ظاهرة واضحة منذ أغروا شبابنا أوائل هذا القرن الغارب برقصات "الفالس" و"الشارلستون" و"الكاريوكا"، وبزجاجات المياه الغازية، مرورا بانتفاضة محلات "التيك أواي" ( الوجبات السريعة ) التي تحاول - بأدائها وتصميمها وعروضها - تغيير شكل المجتمعات، وصولا إلى آخر اسطوانات الليزر المعلبة بأفلام العنف وموسيقى "الهيفي ميتال".

ما يفزعني هنا هو أن الموضوع يخرج - في كثير من الأحيان - لأبعد من مجرد تغيير لون ريش الغراب، إلى محاولات دؤوب لاقتحام شفرته الوراثية، والعبث بتركيبته العقيدية والخلقية، ومصالحه في الحاضر، ومصالح أجياله في المستقبل، ومصلحة المجتمع في النتيجة النهائية أمام الله رب العالمين.
إنهم يحاولون وضع كروموسومات عقيدية وفكرية وأخلاقية، عن طريق زرع عقائد وأيديولوجيات، ليس عن طريق العنف الثوري ( والثوري هنا ليس نسبة إلى الثيران فهي بريئة من مثل هذا العنف )، لكن عن طريق التطبيع الهادئ الذي يؤدي إلى التطويع ( فالتنطيع ) فالخيانة وبيع الأوطان؛ ببلاش وعليها بوسة.

فالنتاين بين ضرب العقيدة وإذكاء الشهوة
إن زرع عيد ( الريس فالنتين ) في بلادنا ليس مجرد طقس فولكلوري أوروبي، ولا عادة بريئة؛ لأنه يتسلل إلى الكروموسومات والجينات؛ ليضرب على وترين، وتر إفساد العقيدة، ووتر إذكاء نيران الشهوة، وهذا في غاية الخطورة والعنف.

فأما وتر العقيدة فلأن طيب الذكر فالنتين بك يحمل رسميا لقب Saint أي قديس، الذي يشبه في الإسلام - إلى حد ما - لقب الولي الصالح ذي الكرامات والبركات، وما يحمله ذلك من إيحاءات وظلال عقيدية.
وسيرة فالنتين في خدمة النصرانية مدونة في المصادر التي تؤرخ للمقاومة النصرانية للجبروت الوثني الروماني - سواء كان هو القديس فالنتين الطلياني، أو سميه فالنتين الروماني - وكل منهما كان يخدم عقيدته، ويحمي أبناء ملته، ودفع -مقابل ذلك - رقبته على يد إمبراطور سفاح، سواء كان دقلديانوس أو كلوديوس.
وشر من هذا التفسير، التفسير الآخر الذي يرى أن يوم 14 فبراير هو عيد جونو Juno كبير آلهة وإلهات الرومان، والتي اعتبروها - أيضـا - إلهة للنساء والزواج، ومن اسمها اشتق اسم شهير يونية June .

وأما وتر الشهوة الذي يعزفون عليه، فإنه منبثق من سيرة السينت فالنتين في عمله مندوبـا "لكيوبيد"، وسفيرا للعشاق، ورمزا للجمع بينهم، وصار من التقليد الأوروبي العلماني في عيد سي فالنتين، الدعوة لتقارب القلوب - كل قلوب الرجال وكل قلوب النساء، حتى بين طلاب المدارس، والمراهقين، والرومانسيين والأبيقوزيين الإباحيين !!
والسوق يشهد بذلك، فهو متخم ببطاقات عيد الحب، المليئة بالعبارات الملتهبة، وكذا بالكيكات التي على شكل قلوب، أو شفاه مذمومة تتهيأ للتقبيل، ومحلات الورود نشيطة، والمطبوعات المحتوية على النوتات الموسيقية، وكتب الرسائل الغرامية، وأشعار الغزل، ليبدأ التسرب لهذا المواد من يد جون وجورج وكريس، إلى يد حصة ونور وعلي، وليبدأ العدوان على الجينات، بل الكروموسومات في جسد الطائر..

ويتوالى مسلسل الاحتفاء بأعياد الميلاد، وأعياد الكريسماس، وبابا نويل، وبيع الصلبان في محلات الصاغة المسلمين الموحدين، ثم التركيز على غسل المخ بمساحيق التبييض الفعالة من إنتاجB.B.C ، و M.B.C، وأوربت و A.R.T، ومن تمويل روبرت مردوخ، وتيد تيرنر، وبرلسكوني، ومندوبيهم، لتبييض وجه الرجل الأبيض ذي التاريخ الهباب، وتلطيخ وجه الإسلام، وتحويله إلى قرون من الزفت والسخام، ثم ذم وتقبيح عيد الفطر والأضحى، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحاولة إقناع الدنيا كلها بأن الإسلام دين إرهاب، في حين أن النصرانية الأصولية والصهيونية الدموية متسامحان بريئان نقيان، وأنهما دين فرح ومرح، وحب وفالنتين، وهابي كريسماس، وفيهما النجاة والتحضر والخلاص، ورضى الله تعالى والجنة والناس.

الغريب أن من الغربان الآلية المبرمجة - رغم أصولية الغرابية - من يضطلع بدوري التبشير والتنصير في وقت واحد :
التبشير بالخلاص للبشرية والحضارة - على يد مهندسي الهندسة الوراثية الأصولية - بنقلنا إلى آفاق العولمة ( أعني الأمركة، والأوربة، والصهينة )، والتنفير من الجينات الأصلية التي أمدت آباءنا بالحياة والحيوية والفاعلية الحضارية..

لا أريد التباكي على الحال، فالأخطر المستقبل والمآل، وأؤكد أن القضية ليست قضية الوجبات السريعة ( بأسمائها الكثيرة )، ولا الثياب الأوروبية، والتسريحات الشاذة التي تنتشر في صمت وسلاسة، ولا تصاميم المنازل، ونوعيات الأثاث، وقوائم الأطعمة والحلويات، ولا حتى مولد سيدي فالنتين، ولا سيدي باتريك، ولا عيد الشكر، بل القضية الخطرة والمفزعة، والتي ينبغي أن تشغل كل داعية وكل مثقف وكل غيور وكل وطني وكل مسؤول، هي سرقة هويتنا وتاريخنا وعوائدنا، وتحويلنا إلى كائنات غير طبيعية، عديمة الأصل، مقطوعة الجذور، ذائبة الملامح.

مع العلم أننا سنبقى - شئنا أم أبينا - في نظر الخواجات - والواقع خير شاهد - سنبقى ملونين أو زنوجـا، متخلفين فقراء، وكائنات من الدرجة الثالثة، لم نكسب إلا انسلاخ، والتنكر للدين والتاريخ والأجداد، مقابل أن نلبس الجينـز وأن نذوق الشوكولاته، ونجلس ببلاهة أمام القنوات التي تجعل عقولنا أكثر بياضـا من عقل الرضيع.

وإن المسلمين الأوائل - رضي الله عنهم - كانوا أكبر من الانبهار والانبطاح أمام الحضارة المادية للفرس والروم، بل كان ما في قلوبهم أثمن من طنافس القائد رستم، وزرابيه المبثوثة، وسيوفه المحلاة بالجوهر، وخدمه، وحشمه، ووزرائه، ومحاولته التأثير على ربعي بن عامر رضي الله عنه، الذي كلمه بمنتهى العزة والاستعلاء والثقة بالله تعالى وبالإسلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه - فكانت النتائج أن نصرهم الله الكريم باستعلائهم، في حين صرنا نحن : من أضعف الأمم، وأفقر الأمم، وأجهل الأمم، وأذل الأمم !!!
فهل من مدكر ؟!

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة