تاريخ المسلمين في البرازيل

0 1257

تعد البرازيل من دول أمريكا الجنوبية الأكثر جذبا للمهاجرين العرب والمسلمين منذ مطلع القرن العشرين، رغم الأزمات السياسية والاقتصادية التي عصفت بها.

وتقع البرازيل في وسط وشمال شرقي أميركا الجنوبية، تحدها شمالا كولومبيا وفنزويلا وغويانا وسورينام، ومن الغرب بيرو وبوليفيا وباراغوي، وجنوبا الأرجنتين وأورغواي، وشرقا المحيط الأطلسي، وتبلغ المساحة الإجمالية للبرازيل 965ر511ر8 كيلو مترا مربعا.

وينحدر سكان البرازيل الحاليون من ثلاثة أصول رئيسة: أوروبي، وهندي أحمر، وزنجي أفريقي، ويشكل المنحدرون من أصول أوروبية 54% من مجموع سكان البلاد، ويشكل ذوو الأصول الأفريقية حوالي 31% من السكان، وهناك نسبة 12% من شتى الأعراق الأخرى.
أما الهنود الحمر ـ وهم السكان الأصليون ـ فإن عددهم الحالي، بعدما تعرضوا لأعمال الإبادة المتكررة، لا يتجاوز 250 ألف شخص حسب إحصاءات 1996، وغالبيتهم يتجمعون في مناطق الأمازون الأقصى.

عدد سكان البرازيل 6ر169 مليون نسمة وفقا للتعداد الذي أجراه معهد الإحصاء البرازيلي في العام 2000، يتركز معظم السكان على سواحل الأطلسي.

وصول المسلمين إلى البرازيل
يعود تواجد المسلمين على هذه الأرض إلى فجر اكتشاف القارة الأميركية، فعندما رست سفينة "كابرال" على ساحل البرازيل، كان برفقته ملاحون مسلمون ذوو شهرة عظيمة أمثال شهاب الدين بن ماجد وموسى بن ساطع، ويؤكد المؤرخ البرازيلي الشهير جواكين هيبيرو في محاضرة ألقاها عام 1958م ونشرتها صحف البرازيل، أن العرب المسلمين زاروا البرازيل، واكتشفوها قبل اكتشاف البرتغاليين لها عام 1500م، وإن قدوم البرتغاليين إلى البرازيل كان بمساعدة البحارة المسلمين الذين كانوا أخصائيين ومتفوقين في الملاحة وصناعة السفن.

وصول المسلمين الأندلسيين إليها:
هاجر بعض المسلمين الأندلسيين سرا إلى البرازيل هربا من اضطهاد محاكم التفتيش في إسبانيا بعد هزيمة المسلمين فيها، ولما كثرت الهجرة الإسلامية الأندلسية إلى البرازيل، أقيمت هناك محاكم تفتيش على غرار محاكم التفتيش في إسبانيا، وحددت صفات المسلم، وعمدت إلى حرق الكثيرين منهم أحياء.

المسلمون الزنوج:
تؤكد الوثائق التاريخية المحفوظة في المتاحف البرازيلية، أن أكثرية المنحدرين من الأفارقة الذين جيء بهم "كعبيد" إلى البرازيل هم من جذور إسلامية، وأنهم كانوا يقرأون القرآن باللغة العربية، وقد وصلت أفواج "الرقيق" إلى البرازيل عام 1538، ولم تمض 40 سنة حتى نقل إليها 14 ألف مسلم مستضعف والسكان لا يزيدون على 57 ألفا، وفي السنوات التالية أخذ البرتغاليون يزيدون من أعدادهم إذ جلبوا من أنغولا وحدها 642 ألف مسلم زنجي، وجل هؤلاء السود جيء بهم من غرب أفريقيا، على أن أبرز مجموعاتهم هي التي اختطفت من المناطق الأفريقية: مناطق داهوتي، وأشانتي، والهاوسا، والفولان، والبورنو، واليوربا..
وحمل هؤلاء المسلمون في قعر السفن بعد أن ربطوا بالسلاسل الحديدية، ومات منهم من مات وألقي في البحر من أصيب بوباء أو حاول المقاومة.
اقتلع هؤلاء بالقوة من محيطهم ليكونوا آلات (خدما مسخرين) في هذه البلاد، وليس سهلا تقدير أعداد هؤلاء المنكوبين الذين كانوا يعدون بالملايين، والذين ظلوا ينقلون من أفريقيا إلى البرازيل وإلى كل أميركا مدة تزيد عن ثلاثة قرون.

شهادة مؤرخ
يقول المؤرخ "فريري": كان هؤلاء المسلمون السود يشكلون عنصرا نشيطا مبدعا، ويمكن أن نقول إنهم من أنبل من دخل إلى البرازيل خلقا، اعتبروهم عبيدا.. لم يكونوا حيوانات جر أو عمال زراعة في بداية دخولهم.. لقد مارسوا دورا حضاريا بارزا، وكانوا الساعد الأيمن في تكوين البلد الزراعي.. إن البرازيل مدينة لهم في كل شيء: في قصب السكر والقهوة التي جلبوها والقطن والحبوب، حتى الأدوات الزراعية الحديدية كلها أفريقية، كانت وسائل التقنية عندهم أكثر تقدما من وسائل الهنود ومن وسائل البرتغاليين أنفسهم.
كان هؤلاء المسلمون الزنوج أهم عنصر في عملية تحضر البلاد، ويذكر أن أسيادهم الأميين الذين جلبوهم لاسترقاقهم كانوا يتخاطبون مع الأوروبيين من خلال هؤلاء العبيد المتحضرين، يكتب العبد المسلم رسالة السيد إلى زميله السيد الآخر الذي يقرأ له الرسالة عبده المسلم المتعلم!!

الصمود والشهادة
كان مع هؤلاء المستعبدين شيوخهم الذين يعظونهم ويرشدونهم ويفقهونهم في الدين، وينزلون معهم الأكواخ ويعلمونهم القرآن ومبادىء الشريعة الإسلامية السمحاء.
وبعد أن ازداد عددهم، وقويت عزيمتهم، قاموا بعدة ثورات إسلامية تحررية، كان من أهمها تجمع المتمردين منهم في "بالميرس" في شمالي البرازيل، في القرن السابع عشر، ولم تستطع السلطات البرتغالية إيقاف مد المسلمين إلا بعد مقاومة طويلة والاستعانة برجال الحدود من مقاطعة باوليستا أي "ساوباولو".

ثم حدثت سلسلة من الثورات في العقود الأولى من القرن التاسع، قام بها هؤلاء المسلمون في الأقاليم الساحلية خاصة في "باهيا" وكانت قيادة الثورات بأيدي شيوخ الهاوسا، لكن ثوراتهم سحقت بمنتهى الوحشية والقسوة، وقد أجبرهم البرتغاليون على ترك دينهم وتغيير أسمائهم، لكن المسلمين لم يستسلموا وظلت ثوراتهم تتكرر وآخرها تلك الثورة الشاملة التي قامت في "باهيا" عام 1835.

وقد قاد الثورة ووجهها الشيوخ ومعظمهم من ممالك البورنو وسكوتو، وكانوا مؤدبين ووعاظا وأئمة مساجد ومعلمين للقرآن الكريم، لكن البرتغاليين سحقوهم بوحشية، وظلت جثث المسلمين تتعفن مدة طويلة على قارعة الطريق، وفي عتمة "السنزالات" الخربة، وهذه السنزالات عبارة عن أقبية كان البرتغاليون يودعون فيها أولئك المسلمين الذين سحقت ثورتهم، ويقال إن كلمة "زنزانة" جاءت من هذه اللفظة البرتغالية.
وخمدت الثورة بعد ذلك إلى الأبد وتنصر من المسلمين من تنصر بالقوة واستشهد من استشهد، وعادت الوثنية إلى أعداد منهم، وما زالت بعض شعائر الوثنية تقام بينهم إلى اليوم في البرازيل.

وتقول الروايات أن النقوش الموجودة في سقوف كنائس باهيا والسلفادور فيها عدة آيات من القرآن الكريم دون أن يشعر القيمون عليها بذلك، لأنهم لا يجيدون العربية، ويتصورونها مجرد رسوم، وفي الأصل كانت هذه الكنائس مساجد.

هجرات المسلمين في العصر الحديث
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بدأت طلائع المهاجرين الجدد تصل إلى البرازيل من بلاد الشام وفلسطين ولبنان، أملا في كسب لقمة العيش، وجمع المال بعد الفقر الذي عانوه في بلادهم، ولقد جاء هؤلاء المهاجرون الجدد بثقافة دينية عبارة عن عاطفة فطرية نحو هذا الدين، الأمر الذي أدى إلى انعكاس هذا الضعف الديني على الجيل الأول، فخرج لا يعرف من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه.
وبعد الحرب العالمية الثانية، كثرت هجرات المسلمين إلى البرازيل ولا سيما بعد احتلال فلسطين وما رافق ذلك من توترات سياسية في المنطقة العربية.

يشكل المسلمون اليوم في البرازيل ما نسبته 1ر5% من مجموع عدد السكان، وأكثر تجمعاتهم في ولايات ساوباولو وريو دي جنيرو وبارانا وريوغراندي دي سول، ولا توجد إحصائيات دقيقة بالنسبة إلى عددهم، إذ تقدر بعض المصادر عدد المسلمين في البرازيل بحوالي مليونين.
والجدير بالذكر أن كلمة "توركو" كلمة يطلقها البرازيليون ـ ومن قبلهم أطلقها البرتغاليون ـ على كل عربي مهما كانت ديانته، وسبب هذه التسمية كما يقال في البرازيل، أن الدولة العثمانية العليا كانت تحكم كثيرا من أقطار العالم، وصادف أن عينت سفيرا لها في البرازيل، فعند وصول السفير العثماني إلى ميناء ريو دي جنيرو، أثناء احتفال البرازيل بكرنفال شباط، لم يحل للسفير العثماني ما يقام في الكرنفال، حيث الناس يكونون شبه عراة، فقطع زيارته على الفور، وعاد إلى بلاده، فغضبت حكومة البرازيل آنذاك، واعتبرته متخلفا متوحشا، وأطلق الناس على كل من يمت بصلة إلى الإسلام أو المسلمين أو للعروبة اسم "توركو".

بدايات العمل الإسلامي
يقطن في ساوباولو حوالي 700 ألف مسلم ينتشرون في مركزها والضواحي، واللافت أن العدد الكبير منهم يعمل في التجارة، فمدينة ساوباولو مدينة تجارية بامتياز، إذ سرعان ما يتعلم الوافد إليها أصول التجارة فيها، ومع هذا فإن منهم من يمارس مهنة الطب والمحاماة والهندسة، لقد حرص المغتربون على تعليم أبنائهم، إلا أن العمل بالتجارة يكاد يستهوي الجميع.

وعند الحديث عن بدايات العمل الإسلامي في ساوباولو، يعيدنا محدثون من أبناء الجالية بالذاكرة إلى باكورة هذه الأعمال وهي: الجمعية الخيرية في ساوباولو التي تعتبر أقدم الجمعيات الإسلامية في البرازيل والمعروفة بأم الجمعيات وتعتبر أول جمعية خيرية إسلامية تأسست في جنوب القارة الأميركية، وترجع جذورها إلى عام 1926م، حيث تشكلت أول لجنة من المهاجرين المسلمين، وكان من أهداف هذه الجمعية بناء بيت يذكر فيه اسم الله، وحال دون ذلك إمكانيات المسلمين المادية الضعيفة والحرب العالمية الثانية، فتأخر بناء المسجد حتى عام 1957.
وكانت هذه الجمعية قد أصدرت صحيفة "النشرة" عام 1933، ثم صحيفة "الذكرى" 1937، ثم صحيفة "الرسالة" ثم "العروبة" أخيرا.

وفي بداية السبعينات، أسست الجمعية أول مدرسة إسلامية عربية سميت باسم الحي الذي أنشئت فيه، وهي مدرسة "فيلا كارون"، واستطاعت الجمعية بفضل الله تعالى الحصول على قطعة أرض واسعة اتخذت كمقبرة لدفن موتى المسلمين، وهذه المقبرة تقع في منطقة غواروليوس، وتبعد حوالي 25كلم عن مسجد ساوباولو.

وفي بداية السبعينات عقد أول مؤتمر إسلامي في البرازيل، بل في القارة الجنوبية، وكان قد نظم هذا المؤتمر وزارة الأوقاف المصرية بالتعاون مع دوائر الأزهر. واشترت الجمعية البناء المجاور للمسجد وأقامت فيه طابقين يستخدم للمحاضرات، ولأفراح المسلمين وأحزانهم.
وبالنسبة للمراكز الأخرى في هذه المدينة وفي ضواحيها، فإن عددها قد زاد كثيرا في الثمانينات من القرن الماضي و إلى الآن .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة