أُذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا

0 1238

انطلقت دعوة الإسلام في العهد المكي بشكل سري، إذ كان المسلمون قلة مستضعفين، يسامون سوء العذاب من قبل المشركين، الذين وقفوا بكل ما أتوا من قوة في وجه الدعوة الجديدة، محاولين جهدهم وأدها في مهدها، قبل أن تنتشر ويستحكم أمرها ويشتد أزرها. ثم شاء الله سبحانه أن ينتقل مركز الدعوة من مكة إلى المدينة، لتكون قاعدة الدعوة الجديدة، والتي سيكون منها انطلاق الرسالة الخاتمة في مشارق الأرض ومغاربها. 

وقد رافق هذا الانتقال المكاني لمركز الدعوة، انتقال بمنهج الدعوة من السرية إلى العلنية، ومن المنع من القتال إلى الإذن فيه والسماح به؛ فقال تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} (الحج:39).

ولأهل التفسير قولان في الذين عنوا بالإذن لهم في القتال في هذه الآية؛ فقال بعضهم: عني به: نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ وجاء في هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} قال: يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه، إذ أخرجوا من مكة إلى المدينة.

وقال آخرون: بل عني بهذه الآية، قوم معينون، كانوا قد خرجوا من دار الحرب، يريدون الهجرة، فمنعوا من ذلك؛ فعن مجاهد ، في قول الله سبحانه: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} قال: أناس مؤمنون خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة، فكانوا يمنعون، فأذن الله للمؤمنين بقتال الكفار، فقاتلوهم. ومؤدى القولين واحد، وهو الأذن بقتال الكفار، الصادين عن رسالة الإسلام وهديه.

هذا وقد ذهب كثير من السلف أن هذه الآية هي أول آية نزلت في الإذن بجهاد الكافرين؛ فعن قتادة، في قوله سبحانه: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} قال: هي أول آية أنزلت في القتال، فأذن لهم أن يقاتلوا. وذلك أن المشركين كانوا يؤذون المؤمنين بمكة أذى شديدا، فكان المسلمون يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه، فيقول لهم: اصبروا، فإني لم أومر بالقتال. فلما هاجر إلى المدينة، نزلت هذه الآية إذنا لهم بالتهيؤ للدفاع عن أنفسهم، ولم يكن قتال قبل ذلك، كما يؤذن به قوله تعالى عقب هذا: {الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق} (الحج:40). 

وجاء في تفسير ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، قال أبو بكر رضي الله عنه: أخرجوا نبيهم! إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكن. قال ابن عباس رضي الله عنهما: فأنزل الله عز وجل: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: فعرفت أنه سيكون قتال.

ووراء سبب نزول هذه الآية، ما يفيد أنه سبحانه وتعالى لم يشأ أن يترك المؤمنين للفتنة، إلا ريثما يستعدون للمقاومة، ويتهيأون للدفاع، ويتمكنون من وسائل الجهاد. وعندئذ يؤذن لهم في القتال لرد العدوان.

وقبل أن يأذن سبحانه للفئة المؤمنة من عباده بالانطلاق إلى المعركة، آذنهم أنه هو سيتولى الدفاع عنهم، فهم في حمايته وأمنه، فقال: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} (الحج:38) وبالطبع فإن هذا الوعد مشروط بالأخذ بأسباب النصر كافة.

وفي الآية الكريمة ما يدل على أنه سبحانه وتعالى قد حكم لعباده المؤمنين بأحقية دفاعهم على أنفسهم وديارهم، وبالتالي سلامة موقفهم من الناحية الأدبية؛ إذ هم مظلومون، غير ظالمين، ومعتدى عليهم، غير معتدين: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} فإن لهم ما يسوغ خوضهم للمعركة. ليس هذا فحسب، وإنما أخبرهم سبحانه أن لهم أن يطمئنوا إلى حماية الله لهم، ونصرته إياهم: {وإن الله على نصرهم لقدير} (الحج:39 ) وفي هذا الإذن والإخبار ضمان لحرية العقيدة، وحرية العبادة، وحرية العيش بكرامة.

فهل بعد هذا الإذن الإلهي، من يحق له أن يقول: ليس للمظلوم أن يدفع ظالمه ويدافعه ! وأن ليس للمستضعف أن يطالب برفع الظلم عنه! وهل يقول هذا إلا كل جبار مستكبر؟

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة