السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سأتحدث لكم عن مشكلتي، فأنا فتاة تخرجت من الجامعة، وأعيش مع والدي، فأمي متزوجة، وكذلك أبي، مشكلتي باختصار أنني لا أجيد التعبير عن نفسي جيدا، ولا أستطيع التعبير عن أفكاري بوضوح، رغم كثرة قراءتي للكتب ومواضيع المنتديات، وكلما تحدثت، أتلخبط، ولا أحد يستمع لحديثي، وأشعر بثقل دمي، ونادرا ما أضحك من حولي.
أصبحت وحيدة، ولا أريد أن أكلم أحدا، وإذا تكلمت أجد حديثي بلا حيوية، بالإضافة إلى ذلك كلما جلست مع مجموعة من الفتيات، أشعر بالنقص، وعندما أخرج من عندهن، أبكي وأقول: يا ليتني مثلهن، أمي غاضبة علي لأنني رفضت العيش معها، بينما أحب العيش مع أبي، أعيش في حالة من التخبط وعدم الاستقرار، ولا أستطيع اتخاذ قرارات واضحة.
عقلي مشوش، ولا أستطيع التفكير، أو استرجاع الأحداث بوضوح، مع أنني -والحمد لله-، التحقت بتحفيظ القرآن، وأحفظ القرآن.
أرجوكم، ساعدوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن مجمل رسالتك تشير إلى أنك تفتقدين الثقة في نفسك، ولا تقدرين ذاتك التقدير الصحيح والسليم، والتفكير السلبي، ووضع الصورة المشوهة عن النفس، يجعل الإنسان في حالة من القلق والاكتئاب والشعور بالكدر.
ننصحك بأن تعيدي تقييم نفسك، أنت من وجهة نظري -وأرجو أن أكون محقا- قد قسوت على نفسك بشدة، لك بالطبع ميزات إيجابية كثيرة، ولكنك لم تذكريها ولم تتذكريها؛ لأن التفكير السلبي والصورة السلبية هي الطاغية على تفكيرك، فهنا أقول لك: اكتبي كل هذه السلبيات عن ذاتك في ورقة، وفي ورقة أخرى اكتبي ما هو إيجابي، سوف تجدين أن هناك إيجابيات كثيرة عن نفسك، حاولي أن تركزي على هذه الإيجابيات، واسعي إلى تطويرها، ومن ثم يمكن التغلب على السلبيات.
هناك حاجة لتطوير مهاراتك الاجتماعية، أنت الآن -الحمد لله- منتسبة إلى مركز تحفيظ القرآن، ولا شك أن في ذلك فائدة كبيرة جدا؛ لأنه يجعلك تتفاعلين مع بقية النساء، وستكتسبين صداقات جديدة وأخوة جديدة تنفعك -إن شاء الله- في أمور الدنيا والآخرة، إذن، لقد فتحت على نفسك بابا جديدا، يخرجك من حالة الاكتئاب والتفكير السلبي.
أنصحك أيضا بتوسيع علاقاتك الاجتماعية مع أرحامك وذويك، دائما اختاري الصحبة الطيبة من الفتيات، ولا بأس أيضا أن تنضمي إلى أنشطة، مثل: الأنشطة الثقافية، أو أعمال الخير والبر والإحسان، فهذه أيضا تهيئ للإنسان فرصة لبناء شخصيته بصورة إيجابية جدا.
أنا أريدك أن تقومي بتمارين سلوكية بسيطة: مثلا قومي بقراءة موضوع معين أكثر من مرة، ثم بعد ذلك لخصي هذا الموضوع، وقومي بتسجيل هذا الملخص، ومن ثم الاستماع إلى ما قمت بتسجيله، سوف تجدين -إن شاء الله- أن أداءك جيد جدا، وفي المرة التالية قومي بالتسجيل، وسوف يرتفع المستوى أكثر وأكثر.
أريدك أن تعيشي خيالا مكثفا وبتركيز، بأنك تقدمين عرضا معينا لموضوع ما، أمام مجموعة كبيرة من الناس، اختاري أي موضوع في العلوم المختلفة، وتصوري أنك قد طلب منك أن تقومي بتقديمه لهذه المجموعة، مثل هذه التمارين تتطلب المواصلة، تتطلب أن يأخذها الإنسان بجدية، ويحملها على محمل الجد، فهي مفيدة ولا شك في ذلك.
بالنسبة لتواصلك مع والديك، أرجو أن يكون هناك توازن في هذه العلاقة، فلأمك حقوق ولوالدك حقوق، وأنت على وعي كامل بذلك، أما فيما يخص المكان الذي تعيشين فيه، فهذا أمر يتعلق بالأسرة، وبشيء من الحوار ومن التفاوض، يمكنك أن تقنعي والديك بما هو أفضل لك، ولا تحسي أبدا بأي نوع من الاكتئاب، أو أي نوع من الكدر، إذا لم تتحقق أمنياتك في هذا السياق.
أرجو أن تضعي لحياتك هدفا، واسعي نحو هذا الهدف، ولا بد أن ترفعي من قيمة نفسك، وذلك بالتخلص من هذه الأفكار المشوهة، وتجاهلها، بل تحقيرها، واستبدالها ببناء أفكار جديدة، وذلك من خلال التمرين الذي ذكرناه لك، والذي يعتمد على كتابة ما هو سلبي وما هو إيجابي، ثم المقارنة، ومحاولة تعزيز الإيجابيات وتصغير السلبيات.
إذا كنت تحسين بشيء من الخوف عند المواجهات، -وهذا هو الذي جعلني أستشعر أنه ربما يكون لديك درجة بسيطة جدا من الخوف الاجتماعي، وهذا أدى إلى شيء من عسر المزاج- في هذه الحالة يمكنك أن تتناولي دواء بسيطا جدا يعرف تجاريا باسم (زولفت ZOLOFT)، وأيضا يعرف تجاريا باسم (لسترال LUSTRAL)، ويسمى علميا باسم (سيرترالين SERTRALINE)، هو من الأدوية الجيدة والمفيدة، يمكنك أن تتناوليه بجرعة نصف حبة، أي 25 مليجراما ليلا بعد الأكل، لمدة أسبوعين، ثم ارفعي الجرعة إلى حبة كاملة لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضي الجرعة إلى نصف حبة يوميا لمدة شهر، ثم توقفي عن تناوله.
هذا الدواء من الأدوية البسيطة والطيبة، وهو محسن كبير للمزاج، ويعطي الإنسان الدافعية للتفاعل مع الآخرين بصورة أفضل، وممارسة الرياضة سوف تكون أمرا إيجابيا وجيدا بالنسبة لك.
ختاما: نشكرك كثيرا ونسأل الله لك العافية والشفاء، وبالله التوفيق.