الوسواس القهري أضعف علاقتي بالله عز وجل، فماذا أفعل؟

0 7

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

دكتور، أرجو منكم المساعدة -بعد الله- في مشكلتي التي أرهقتني نفسيا.

أنا شاب أعاني من وسواس قهري شديد، إلى حد يصعب احتماله، ولم أتمكن حتى الآن من زيارة طبيب أو استخدام أي دواء، بسبب خوفي من إخبار والدي، خاصة وأنني أظن أنهما لن يتفهما طبيعة ما أمر به.

أمر آخر أثقل علي، لقد بدأت أنسى الله وفضله علي، وعطاءه وكرمه، الذي كان دوما يملأ قلبي أملا وتفاؤلا، وكنت أستمد منه طاقة روحية إيجابية، منذ إصابتي بهذا الاضطراب، خف هذا الشعور، وزاد الطين بلة تعلقي الشديد بفتاة أحببتها بصدق، وكنت أنوي الزواج منها، هي تكبرني بعامين، من جنسية مختلفة، وأنا ما زلت طالبا في الجامعة ولا أعمل.

عندما عبرت لها عن مشاعري، لم أتحدث عن الخطبة مباشرة، لكنها تضايقت، ربما لأنها لم تتوقع هذا مني، فهي كانت تعاملني كأخ.

بعد ذلك حصل سوء تفاهم بيننا، واعتذرت لها، لكنها ابتعدت، وهذا زاد من تعلقي بها! حاولت مرارا تجاوز هذا التعلق، لكنني فشلت، وأشعر بأنني فقدت صلتي بالله، أو على الأقل، تراجع إيماني كثيرا، لا أنكر أنني لا زلت أذكر الله، لكنني لست كما كنت، الوسواس القهري لدي بات مرتبطا بمخاوف من الشرك، وأشعر بأنني أقع فيه رغم حرصي على الإخلاص لله.

دكتور، أرجو منكم مساعدتي، أريد أن أعود إلى ما كنت عليه من صفاء إيماني، وثقتي بفضل الله، أشعر بالضياع، وأحتاج إلى من يدلني على الطريق.

شكرا جزيلا لكم، وبارك الله في جهودكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ... حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأنت على قناعة تامة أنك تعاني من وساوس قهرية، وهذه الوساوس استحوذت عليك استحواذا كبيرا، وقد أضرت بك فيما يتعلق بعبادتك والتزامك، فلماذا لا تأخذ العلاج -أخي الكريم-؟ من وجهة نظري العلاج يعتبر في حالتك مهم وضروري، ويجب أن تتناول العلاج الدوائي، وتطبق معه العلاج السلوكي.

أخي الكريم: اعلم أن العلاج الدوائي هو نعمة من نعم الله، ويمكنك أن تعرض على والديك أنك تريد أن تذهب وتقابل الطبيب النفسي؛ لأنك تعاني من وساوس قهرية، والوساوس القهرية هي إحدى الأمراض التي تعالج بواسطة الأطباء النفسانيين.

الأمر في غاية البساطة، وأنا لا أريدك أن تتردد أبدا فيما يخص تناول العلاج، أعرف أن صاحب الوساوس كثير التردد، ولا يستطيع أن يتخذ قرارا حتى وإن كان في مصلحته، ولكن هذه المرة أريدك أن تكون حازما، وقويا مع نفسك، تقدم وخذ العلاج -أيها الفاضل الكريم-.

بالنسبة للجزئية حول أمر هذه الفتاة وأنك قد تعلقت بها، وبعد ذلك حصلت مشكلة، وتم الفراق بينكما، أيها الفاضل الكريم: هذه لمسات عاطفية ووجدانية لا بد أن يحدث بعدها شيء من الاجترارات ومن الذكريات، والإنسان ضعيف، وخاصة أنك من أصحاب الوساوس، فتولد لك هذا القلق، وأصبح يسيطر عليك، والوساوس هي أصلا نوع من أنواع القلق وليس أكثر من ذلك.

استعن بالله، عليك أن تكثر من الاستغفار، تذكر -أيها الفاضل الكريم- (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)[البقرة:216]، فأيها الفاضل الكريم: هذا الأمر قد انتهى، ويجب أن تبني قناعات داخلية وذاتية حيال هذا الموضوع، ومنذ البداية كانت هذه العلاقة علاقة معيوبة، بمعنى أن هذه الفتاة ليست من جنسيتك، وأنها أكبر منك سنا، أنا لا أريد أبدا أن أسيء إليها بأي حال من الأحوال، ولكن تذكر أن الأمر منذ بدايته لم يكن على ما يرام.

عموما من وجهة نظري: هذه تفاعلات نفسية طبيعية لمن يعاني من القلق والوساوس، ولذا معالجة الوساوس وبترها من الأول هو الأفضل لك، وكما ذكرت لك: اقترح على والديك بأن تذهب إلى الطبيب، أو إن شئت أن تتناول الدواء، فها أنا أصف لك الدواء الآن، ومن الأدوية الجيدة جدا والتي وجد أنها فاعلة وممتازة، عقار يعرف علميا باسم (فلوكستين FLUOXETINE)، ويسمى تجاريا باسم (بروزاك PROZAC)، وهو متوفر ولا يحتاج لوصفة طبية.

جرعة البداية هي أن تتناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم -أي 20 مليجراما-، ويفضل تناوله بعد الأكل، وبعد شهر ارفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، استمر عليها لمدة 6 أشهر، ثم خفضها إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة 6 أشهر أخرى، ثم توقف عن تناول الدواء، وفي مثل حالتك نفضل أيضا أن يدعم البروزاك بدواء آخر يعرف تجاريا باسم (رزبريدال RISPORIDAL)، أو ما يسمى علميا باسم (رزبريادون RISPERIDONE)، وأنت في حاجة إليه بجرعة صغيرة، وهي واحد مليجرام ليلا لمدة 3 أشهر وليس أكثر من ذلك، وهذه أدوية فعالة وسليمة وممتازة جدا.

أما بالنسبة للعلاج السلوكي فهو يقوم على مبدأ تجاهل الوساوس وتحقيرها، واستبدالها بأفكار مضادة، ويمكن أن تربط هذه الوساوس أيضا ببعض المنفرات السلوكية: مثلا حين يأتيك هذا الوسواس الشركي -كما سميته- قم بالضرب على يدك بقوة وشدة حتى تحس بالألم الشديد، كرر هذا التمرين عدة مرات، والهدف أنك حين تربط الألم بالوسواس يحدث تنافر بين التفاعلين مما يضعف الوساوس -إن شاء الله-، وهكذا توجد تمارين أخرى كثيرة جدا.

أخي الكريم: عليك بالاستغفار، عليك بأن ترقي نفسك مرات ومرات، ولا تترك للشيطان أبدا مجالا ليستحوذ عليك، اذهب إلى مسجدك، أد صلواتك في جماعة، قابل إخوانك المصلين، تواصل معهم، عليك بتلاوة القرآن، عليك بالدعاء، وأنا على ثقة كاملة أنه -وبإذن الله تعالى وبفضله- سوف تتحسن تماما، وسوف تنقطع عنك هذه الوساوس جميعها، خاصة إذا تناولت الدواء، أو تواصلت مع أحد الأطباء النفسيين، ونسأل الله تعالى لك العافية والتوفيق والسداد.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات