السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني من مشكلة، حيث إنني بشكل عام هادئ وخجول، رغم أني بطبعي أقدر كيف أدبر أموري، يعني أستطيع أن أخرج من أي مشكلة، لدي لسان وأسلوب جميل في الكلام، أي شخص يتعرف علي يمدحني أو يود أن يصادقني؛ حيث إنني أستطيع أن أماشي الشخص بشخصيته.
مشكلتي أنني أجامل على حسابي الخاص وعلى نفسيتي؛ حيث لا أحب أن أرد أحدا، أو أن أخيب ظن أحد بي. لا أريد أن يزعل مني أحد من الناس، وأشعر عندما أكون في تجمعات، مثلا في مركز تجاري، بأني محط أنظار الناس، وأحس بعدم قدرتي على المشي، أحس أنهم يراقبوني وأحاول أن أتصنع مشيتي.
في بعض الأوقات وعندما أكون في موقف محرج يحمر وجهي، وأحس بحرارة داخلية بجسمي وبيدي، وأحس باختناق، ويحمر وجهي لأتفه الأسباب، وأشعر دائما بوسواس من أي شيء أفعله، وأفكر فيه، وتفكيري دائما سلبي.
أنا إنسان مزاجي، فأحيانا تجدني مبتسما وأضحك ولا أنظر إلى الناس، وثقتي عالية، وبعض الأوقات أكره من حولي وأشعر أنني مهزوز، وأيضا أحيانا أحس برعشة في يدي في بعض المواقف التي تتطلب أن أكون أمام الناس، كالكتابة أمامهم، أو إلقاء محاضرة، أحس أنني لن أستطيع أن أمسك الورقة من كثرة الاهتزاز.
أنا بشكل عام أفضل الوحدة، أو أن أجلس مع مجموعتي المفضلة، والصداقات الجديدة أحاول أن أتجنبها، أو الذي أريده أصادقه، وأكثر الناس يريدون المصادقة معي، أو أن نخرج لنتمشى، لكن أكثرهم أردهم؛ وأحس أنني لن أكون مرتاحا.
تعرضت للتحرش عندما كنت صغيرا أمام الطلاب، وبسبب خوفي من الناس الذين كانوا هناك أحس بأنني لن أستطيع مواجهتهم، أو أنني إذا واجهتهم قد أضربهم أو أسبهم، وقد واجهت بعضهم لكن قابلوني وكأن شيئا لم يحدث، المشكلة أنني داخليا أحس أنني ناقص، ولكن هذا ليس بشكل دائم.
وأيضا أحيانا أحس بأنني لست في مستوى من حولي، أو لا أحب أن أتقرب ممن هو أعلى مني معيشيا أو علما؛ حيث أحس أنني ناقص، لكن إذا هو تقرب قد أبادره وأصبح صديقه، أو قد أتجاهله.
راجعت طبيبا نفسيا منذ أسبوعين، وأخبرني أنني أعاني من قلق وتوتر بسيط، ووصف لي (زانا Xana) و (إندرال 10) وفيتامين.
بشكل عام سأكتب بعض الأعراض حتى ألخص كلامي:
- أعاني من فرط التعرق في الإبط واليدين، وقد تغلبت على مشكلة الإبط بحقن (البوتكس)، لكن يدي ما زالتا تسببان لي الإحراج، حيث تحمران بشدة عند ارتكاب أي خطأ، أو عند توجيه نقد، أو اعتراض، أو حتى عند التعرض للوم.
- لا أحب أن أكون ملفتا للنظر أو أن أكون محط أنظار الناس، صحيح أني ألبس لبسا جميلا ملفتا وأحب أن أتميز، لكن لا أحب أن أكون محط نظر الآخرين.
- لو كنت مثلا في الصف وفي المحاضرة وأعرف الجواب لا أرفع يدي أو أناقش، ونادرا نادرا حسب المزاج قد أشارك، ولكن ببعض الحياء.
- أحس بالوساوس، يعني بشكل عام أفسر كل شيء بوساوس لأتفه الأسباب.
- أنا شخص شديد الحساسية، غالبا ما أكتم مشاعري وأتجنب مواجهة الآخرين بأخطائهم خشية إيذائهم، وحتى عندما أضطر للمواجهة نادرا، سرعان ما أتراجع وأرضى.
- غالبا ما أشعر بعدم الرضا عن نفسي، وتنتابني أحيانا أحلام وحماسة وأفكار رائعة، لكن سرعان ما أتخلى عنها أو أفقد شغفي بها، وأتأثر بسرعة بآراء الآخرين المحبطة، وأشعر أحيانا بالضياع وعدم وجود هدف محدد في حياتي.
- كلام الناس يؤثر فيني بشكل فظيع.
- ذاكرتي ضعيفة جدا، لكن الإهانة أو الاستخفاف لا أنساهما أبدا، أحيانا يرتجف صوتي أثناء الكلام، وبشكل عام يراني الناس شخصا عاقلا وهادئا وطيبا، وأنيقا ولبقا في مظهري وتعاملاتي، كما أنني أتحدث بلطف وأحرص على عدم إزعاج الآخرين.
قد يصفني البعض بالغرور للوهلة الأولى، لكن هذه الصورة سرعان ما تتلاشى عند الاقتراب مني، والغريب أنني أجد سهولة وطلاقة في التحدث مع الغرباء، ولا أشعر تجاههم بأي خوف، بل أستطيع محاورتهم وإقناعهم في النقاش.
هذه حالتي بشكل عام، أتمنى أن تفيدوني، وجزاكم الله خيرا، والله يرحم والدينا ووالديكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد قمنا بتدارس هذه الرسالة بكل دقة، ونستطيع أن نستنتج ونقول لك: إن شخصيتك بصفة عامة هي شخصية قلقة بالرغم مما يظهر عليك من هدوء، ولديك درجة بسيطة إلى متوسطة مما نسميه بالمخاوف أو الرهاب الاجتماعي، وهذا هو الذي جعلك تحس بأنك تفتقد الثقة في نفسك، وتظهر عليك متغيرات فسيولوجية في بعض المواقف التي وصفتها بأنها محرجة، حيث إن وجهك يحمر وتحس بحرارة داخلية، وتحس كذلك باختناق في الصدر.
هذه -كما ذكرت لك- متغيرات فسيولوجية تنشأ من الخوف، فاحمرار الوجه ناتج من زيادة تدفق الدم وليس أكثر من ذلك.
وأنا أقول لك: إن القلق والمخاوف وكذلك الوسواس تعالج دائما بأن نحقر فكرتها، والإنسان لابد أن يتساءل مع نفسه: (لماذا أقلق؟ أنا لست أقل من الآخرين)، لابد أن تبني هذه المشاعر، ولابد أن تكون لك برامج يومية تتواصل من خلالها مع الناس، مثلا أداء الصلوات الخمس في المسجد فيه تواصل عظيم، ممارسة الرياضة مع مجموعة من الأصدقاء، هذا تواصل آخر.
المشاركة في المناسبات الاجتماعية أيا كان نوعها، هذا أيضا نوع من التواصل، يطور المهارات الشخصية ويزيل هذا الشعور بالخجل والشعور السلبي بافتقاد الكفاءة النفسية، فأنصحك نصيحة مهمة جدا، وهي أن تطبق هذه الإرشادات البسيطة التي ذكرناها لك، وأنصحك أيضا أن تكون نظرتك نحو الحاضر والمستقبل بإيجابية، الماضي لا نستطيع أن نتجاهله، ولكن نعتبره عبرا وتجارب.
وحتى ما ذكرته من تحرش حدث لك عندما كنت صغيرا، فهذا لا شك أمر مؤسف، ولكن الحمد لله أن هذا الأمر قد انتهى وولى، ويجب أن لا تعيش فيه كماض يشغلك، أنت كنت صغيرا في تلك السن وآتاك العدوان من الآخرين، ولكن الحمد لله تعالى الأمر قد مضى بسلام.
أرى أيضا أن الأدوية سوف تفيدك. أنت ذهبت إلى الطبيب النفسي ووصف لك بعض الأدوية وهي إندرال وزاناكس، مع احترامي الشديد للطبيب، فهذه الأدوية جيدة لعلاج القلق الوقتي، وهي تعالج القلق كعرض، ولكنها لا تعالجه كمرض، بمعنى أنها لا تقضي على الحالة كاملا.
ولذا أنا أنصحك بتناول دواء آخر، هو في الأصل مضاد للاكتئاب، ولكنه في نفس الوقت مضاد للقلق، ووجد أنه يفيد كثيرا في علاج المخاوف، وكذلك الوساوس، الدواء يعرف تجاريا باسم (زولفت، Zoloft) ويعرف أيضا تجاريا باسم (لوسترال، Lustral) ويسمى علميا باسم (سيرترالين، Sertraline).
أنصحك بالبدء بتناول حبة واحدة (50 ملغ) بعد العشاء، وبعد مرور شهر قم بزيادة الجرعة إلى حبتين يوميا، إما بتناولها معا في المساء أو بتوزيعها على جرعة صباحية وأخرى مسائية، واستمر على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، ثم خفضها إلى حبة واحدة يوميا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، وبعدها تناول حبة يوما بعد يوم لمدة شهر قبل التوقف عن الدواء نهائيا.
هذا الدواء من الأدوية المفيدة والسليمة جدا وغير الإدمانية، وأعتقد أنه سوف يحسن من مزاجك ويزيل منك هذه المخاوف؛ مما يجعلك تبني -إن شاء الله- تصورات وأفكارا إيجابية عن نفسك.
وأنا أريدك أن تكون أكثر استبصارا بالإيجابيات التي تتميز بها، وأنت قد تعرضت لذلك كثيرا في رسالتك، فأرجو أن تستفيد من هذه الإيجابيات، وتقلص من خلالها السلبيات، وتسعى أيضا لتطوير شخصيتك.
أمامك فرصة جيدة لأن تخرج من هذه الحالة –أي حالة الخوف الاجتماعي وكذلك الوساوس-.
فيما يتعلق بميلك للمجاملة والانسياق مع الآخرين، لا أرى أن التغلب على هذا الأمر صعبا، في الأمور اليسيرة لا ضير في التوافق معهم أو اتباعهم، لكن في القضايا الهامة التي تستدعي اتخاذ قرارات حاسمة، سواء كانت دينية أو تتعلق بمستقبلك أو أسرتك، من الضروري أن تعي قيمتك الذاتية، وأن يكون لك رأيك المستقل، وألا تكون تابعا لأحد.
بإمكانك أيضا ممارسة بعض التدريبات الذهنية، تخيل موقفا يطلب منك فيه فعل شيء تراه يفوق قدراتك أو يضر بك، ثم تدرب في ذهنك على رفض الطلب بأسلوب مهذب ومقنع.
هذه التصورات وهذه التمارين الذهنية تساعد الإنسان كثيرا، ويمكنك أيضا أن تعيش سيناريو آخر، وأن تتصور أنت الذي تسلطت على إنسان آخر، وقام هذا الإنسان باتباعك في موضوع معين.
أرى أن استرجاع مثل هذه المواقف والتفكر فيها مليا سيسهم بشكل كبير في بناء ثقتك بنفسك وتطوير قدرتك على اتخاذ قراراتك باستقلالية؛ مما يجنبك الانسياق الأعمى وراء الآخرين في أمور غير ضرورية أو مفيدة، ومن المهم أن تميز بين الالتزام والطاعة المطلوبة في سياقات محددة كالواجبات العسكرية، وبين ضرورة الحفاظ على فرديتك واستقلال رأيك في جوانب حياتك الأخرى.
وبالنظر إلى الصفات الإيجابية التي تتمتع بها، أرى أن الانخراط في الأعمال التطوعية والخيرية قد يكون مفيدا لك، هذه الأنشطة يمكن أن توفر لك منفذا صحيا لاستغلال ميلك نحو المجاملة والإيثار، وتحويله إلى طاقة إيجابية تخدم الآخرين وتعود عليك بالرضا.
وختاما: نسأل الله لك التوفيق والسداد، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.