السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
منذ حوالي خمس سنوات، بدأت أعاني من اضطرابات القلق، ونوبات الهلع، والرهاب الاجتماعي، خاصة بعد وفاة أخي؛ مما أثر بشكل كبير على حالتي النفسية، كنت أصرخ من الخوف، وأشعر بأنني سأموت؛ مما أدى إلى فقدان وعيي في بعض الأحيان.
ذهبت إلى طبيب نفسي وصف لي دواء Anafranil بجرعة 25 ملغ، والذي ساعدني على التعافي، لاحقا انتقلنا إلى الخارج بسبب ابتعاث والدي، وأكملت دراستي هناك، لكن بعد ثلاث سنوات، عادت الأعراض بشكل أقوى، لدرجة أنني لم أعد أستطع الخروج من المنزل، وأشعر بخوف شديد، وتعرق، وتسارع في ضربات القلب عند محاولة الخروج.
جربت دواء "زيروكسات" بناء على وصفة طبية، لكن الأعراض ازدادت سوءا، وشعرت وكأنني أفقد السيطرة على نفسي، بدأت تأتيني أفكار وسواسية، حتى أثناء الصلاة؛ مما زاد من شعوري بالخوف والذنب.
أصبح عندي وسواس في العقيدة، وأبكي بشدة وأخاف عند تفكيري بهذه الطريقة، وأخشى أن أكون قد خرجت عن الملة! عند صلاتي وأثناء السجود يكون بداخلي صوت يردد علي أشياء لا أستطيع إسكاتها، أشياء سيئة -أعوذ بالله-، وعندما أنهي صلاتي أشعر بخوف شديد!
أصبحت أعاني من اضطرابات في النوم، وأحلام مزعجة، وأشعر بالإرهاق عند الاستيقاظ، أهلي حاولوا مساعدتي للعودة إلى الدراسة أو الخروج من المنزل، لكنني لم أتمكن من ذلك.
ما الذي يمكنني فعله؟ وما تشخيصكم لحالتي؟ أتمنى أن أجد جوابا شافيا.
وشكرا جزيلا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/... حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن رسالتك واضحة والتشخيص في حالتك بسيط، وهو أنك تعانين من حالة تعرف باسم (قلق المخاوف الوسواسية)، والصورة الإكلينيكية واضحة، فأنت لديك مخاوف عدة، لديك مخاوف اجتماعية، لديك مخاوف الخروج من المنزل، وهذه تسمى برهاب الساحة، وفي نفس الوقت لديك نوبات هرع تأتيك، وهذه أيضا جزء من قلق المخاوف، ولديك وساوس قهرية والتي عبرت عنها بصورة واضحة، ولديك أيضا قلق التوقع، وهو أنك تتوقعين أن يحدث لك مكروه أو تنتابك هذه النوبات إذا خرجت من المنزل.
إذن الحالة واضحة جدا، وهي حالة قلقية قد تكون فوق المتوسط أو شديدة، من مكوناتها الخوف والوساوس، وبعد ذلك يظهر أنه حدث لك اكتئاب نفسي بسيط من الدرجة الثانية، وهذه ليست تشخيصا أساسيا، ولكنه تشخيص فرعي؛ نتيجة لحالة القلق والمخاوف والوساوس التي تعيشين فيها.
ولا أريدك أبدا أن تنزعجي لهذه المسميات المتعددة، فكلها مترابطة مع بعضها البعض، وكلها تدل على أن لديك نواة قلقية صلبة، وأن لديك الاستعداد للخوف والقلق والوساوس، وهذا يوضح بصورة جلية أنه بعد وفاة أخيك -عليه رحمة الله- أصبت بحالة نفسية توترية تشبه ما يسمى بالعصاب الهستيري، وهو أيضا نوع من القلق، وهذا يدل على الهشاشة النفسية التي تعانين منها، لا شك أن الحدث كان حدثا محزنا، نسأل الله تعالى لأخيك الرحمة، ولكن تفاعلك أيضا كان مبالغا فيه لدرجة كبيرة، وهذا دليل على الهشاشة النفسية كما ذكرت، وهذه الحالات تعالج عن طريق الدواء، وعن طريق العلاج السلوكي الاجتماعي.
أما بالنسبة للدواء؛ فالزيروكسات يعتبر من الأدوية الممتازة لعلاج مثل هذه الحالات، ولكن كما ذكرت أن تفاعلك كان سلبيا معه، وهذا نشاهده في حالات قليلة.
الدواء البديل والذي أراه فاعلا وممتازا لحالتك دواء يعرف تجاريا باسم (زولفت ZOLOFT)، ويسمى تجاريا أيضا باسم (لسترال LUSTRAL)، ويسمى علميا باسم (سيرترالين SERTRALINE)، أرجو أن تتحصلي على هذا الدواء، وأن يكون لك قناعة تامة في تناوله والالتزام بجرعته، هذا مهم جدا، وبفضل الله تعالى الدواء من الأدوية السليمة غير الإدمانية وغير التعودية، ولا يؤثر مطلقا على الهرمونات النسوية.
ابدئي في تناول السيرترالين بجرعة حبة واحدة (50 مليجراما)، يفضل تناولها ليلا بعد الأكل، استمري على هذه الجرعة لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى حبتين في اليوم، يمكن تناولهما كجرعة واحدة ليلا، أو يمكنك تناولها 50 مليجراما صباحا ومثلها مساء، استمري على هذه الجرعة لمدة شهرين، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى 150 مليجراما في اليوم -أي ثلاث حبات-، وهذه هي الجرعة العلاجية الكاملة المطلوبة في حالتك، تناولي هذه الجرعة بمعدل 50 مليجراما في الصباح و100 مليجرام ليلا، ويجب أن تستمري عليها لمدة أربعة أشهر، ثم بعد ذلك خفضي الجرعة إلى حبتين يوميا لمدة ستة أشهر، ثم إلى حبة واحدة يوميا لمدة ستة أشهر أخرى، ثم إلى حبة واحدة يوما بعد يوم لمدة شهرين، ثم توقفي عن تناول الدواء.
هذا من أفضل الأدوية التي تعالج القلق والمخاوف وكذلك الوساوس، والدواء في الأصل محسن للمزاج، فأرجو الالتزام القاطع بما ذكرناه لك.
يوجد دواء بديل يعرف تجاريا باسم (سبرالكس CIPRALEX)، ويعرف علميا باسم (استالوبرام ESCITALOPRAM)، ولكن من وجهة نظري أن السيرترالين سيكون هو الأفضل بالنسبة لك -إن شاء الله-.
بجانب العلاج الدوائي توجد علاجات سلوكية، أهمها: أن تفهمي أن حالتك -إن شاء الله- ليست من الحالات المرضية الشديدة، بالرغم مما تسببه لك من إزعاج شديد، إلا أنه لا يعتبر مرضا ذهانيا أو مرضا مخلا للعقل، هو من الأمراض العصابية وليس أكثر من ذلك.
ثانيا: اعرفي أن القلق هو طاقة نفسية، والإنسان يجب أن يوجهه التوجيه الإيجابي، قولي لنفسك: (لماذا أنا لا أوجه هذا القلق النفسي وأجعل منه قلقا إيجابيا يساعدني في تدبير حياتي وشؤوني؟)، هذا -أختي الكريم- مفهوم مهم وضروري جدا.
وبعد ذلك ابدئي وضعي برامج يومية لنفسك، مثلا اخرجي، حتى ولو لمسافة قريبة، اذهبي إلى الجيران مثلا، وبعد ذلك حاولي أن تبني وبصفة يومية برامج تساعدك في أن تذهبي خارج المنزل كما ذكرت لك، اذهبي إلى الأسواق، اذهبي إلى أماكن النشاطات الاجتماعية، والأماكن التي تلقى فيها المحاضرات، انضمي إلى إحدى حلقات القرآن، إذن التواصل الاجتماعي هو من أهم وسائل العلاج.
من المفروض أيضا أن تحقري فكرة الخوف، اجلسي مع نفسك جلسات عميقة، وابدئي ببناء فكرة وصورة إيجابية عن نفسك، لا بد أن لديك مميزات، لا بد أن لديك الكثير من الإيجابيات؛ هذا التأمل يجعلك -إن شاء الله- تغيرين من هذه الصورة المشوهة عن ذاتك.
وأما بالنسبة للوساوس، خاصة وساوس العقيدة، فهي أيضا تعالج بالتجاهل والتحقير، وعدم اتباعها، واستبدال الفكرة بفكرة مضادة لها، وممارسة الرياضة أيا كان نوعها تعتبر أيضا مطلوبة في حالتك، ومن الضروري والمهم أن تجعلي لحياتك قيمة.
أنت تركت الدراسة، ولكن هناك أنواع كثيرة من الدراسة غير الأكاديمية أو النظامية، لا بد أن تلتحقي بنشاط من هذا القبيل، وكما ذكرت لك إدارة الوقت بصورة إيجابية تعتبر من أفضل ما يمكن أن يقدمه الإنسان لنفسه من حيث التغيير، وتغيير السلوك من سلوك سلبي إلى سلوك إيجابي، نسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد والنجاح.
وبالله التوفيق.