السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب ملتزم -والحمد لله-، متزوج وعندي طفلان، أعمل في مجال التدريس في إحدى الدول الخليجية، أي أني مغترب عن بلدي، وزوجتي كذلك مغتربة معي.
باختصار وحتى لا أطيل، أنا أعاني من خوف شديد ومرعب -بل ومقرف- من الموت الذي أصبح خياله لا يفارقني، في كل شيء يكون الموت هو المتوقع؛ إن كنت جالسا وفكرت أن أستلقي، تحدثني نفسي أنني سأموت عندما أستلقي! فأستمر جالسا، وهكذا حياتي في كل شيء، أتخيل حال أطفالي وزوجتي من بعدي، بل أحيانا أتخيل الحوارات التي قد تجري بعد مماتي، وهذا شعور قاتل.
ذهبت لطبيب نفسي، وأعطاني (زولفت)، وتحسنت عليه قليلا، وقد أخذت الدواء ثلاثة أشهر فقط، فهل هذه المدة غير كافية لاستكمال العلاج، أم أن الدواء فعاليته سيئة؟ وهل هذا المرض يؤمل الشفاء منه؟ وهل التوتر النفسي قد يؤدي إلى نوبات قلبية؟ لأني أقرأ أن هذا من مسببات الجلطة القلبية؟
قد أصبحت متشائما كثيرا، وأحزن على أطفالي؛ لأن والدهم مريض نفسيا، أتحدث لنفسي فأقول: ما ذنبهم؟ أليس كان من حقهم أن يكون أبوهم سليما كغيره من الآباء؟ أنا متعب جدا، ولا أحب إخبار زوجتي بما أعاني حتى لا أؤذيها، فأنا أتكتم، وأنا على هذا الحال منذ سنة.
أفيدوني أرجوكم، جزاكم الله عني كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن هذه الحالة التي تعاني منها هي نوع من المخاوف الوسواسية، والتي جعلتك تركز على فكرة الخوف الشديد والمرعب من الموت، وأصبحت ترد إليك أفكار فرعية تولدت من وراء هذه الفكرة، وأصبح هذا القلق المتشعب يؤدي إلى اجترار وتكرار فكري، يؤدي إلى ما نسميه بالقلق التوقعي.
أتفق معك أن هذا أمر مزعج، وهذا من السمات الرئيسية لبعض أنواع الخوف الوسواسي، والصورة القاتمة التي أعطيتها في نهاية رسالتك أزعجتني بعض الشيء، لأني حقيقة لا أريدك أن تذهب إلى كل هذا المدى من التشاؤم والضبابية في التفكير والسوداوية، فالموضوع هو قلق وسواسي، وليس أكثر من ذلك، وهذا ليس له علاقة أبدا بالأمراض العقلية أو الأمراض الذهانية، أو حتى الاكتئاب، هي حالة مكتسبة، ربما تكون مررت بظرف معين، هذا الظرف كان يتعلق بالموت، ومن ثم تجسدت وتضخمت لديك هذه الفكرة السالبة عن الخوف المطلق من الموت، بهذه الصورة المرضية، ومثل حالتك أيضا تحدث للأشخاص الذين تعرضوا إلى ما يسمى بنوبات الهلع، أو الهرع، أو الاضطراب الفزعي، أرجو أن يكون هذا الشرح مفيدا لك؛ لأن الإنسان إذا عرف مصدر علته وطبيعته، هذا يساعده كثيرا.
أول خطوات العلاج -بعد أن تفهمت الحالة- هو أن تحاول أن تضع هذه الأفكار القلقية والوسواسية في قالب المنطق، وعن طريق هذا -إن شاء الله- تصل إلى قناعة أنها سخيفة، والشيء السخيف يجب أن يتم تجاهله وتحقيره، وعلماء السلوك يركزون على ذلك كثيرا، فالفكر السلبي، الفكر الوسواسي، الفكر الذي يقوم على مخاوف ليست مسببة أو مؤصلة، يجب أن نتجاهله، ويجب أن نقوم بفعل، أو بفكر مضاد له، هذا أمر مهم جدا.
الأمر الآخر: أنا أعرف أنك تقدر أن الإنسان يجب أن يخاف من الموت، ولكن هذا الخوف يكون في النطاق الشرعي، بمعنى أن الأعمار بيد الله، وأن الخوف من الموت لا يقدم في العمر ثانية ولا يؤخر، وأن تذكر الإنسان للموت فيه خير؛ لأن في ذلك تحسينا لدافعيته ليعمل من أجل آخرته، هذا هو المطلوب -أيها الأخ الكريم-، وأنا أعرف أنك على قناعة بذلك، فالفكرة التي تأتيك هي ليست الفكرة الصحيحة، ليست الفكرة التي تقوم على المنهج الشرعي، إنما هي فكرة مرضية، ويجب أن نحقرها، حتى حين يكون الخوف من الموت لهذه الدرجة يجب أن يرفض، ويجب أن يحقر، ويجب أن يستبدل بفكر مخالف له تماما.
الأمر الثالث: أن تكون إيجابيا في تفكيرك، أنت لديك أشياء كثيرة طيبة في حياتك، وهذه الأشياء الطيبة من زوجة صالحة وذرية وعمل، وأنت في هذه الأمة الإسلامية العظيمة، وفي ريعان شبابك، هذا كله إيجابيات ونعم عظيمة متتابعة عليك، فيجب أن لا تترك مجالا لهذا الفكر السلبي المشوه المتعب لك نفسيا، لا تعطه أي فرصة لأن يسيطر عليك، ويجب أن تتجاهله.
العلاج الدوائي لا شك أنه مفيد، ودائما من الأفضل أن تقسم الفترة العلاجية إلى فترة البداية، ثم فترة الجرعة العلاجية، ثم فترة الوقاية، وبما أنه ربما يكون لديك شيء من الاستعداد والقابلية للوساوس والقلق والمخاوف، فأنا أنصح في مثل هذه الحالات بتناول الجرعة الوقائية لفترة طويلة، وأعني بطويلة أن لا تقل عن عام مثلا.
لا داعي للقلق بشأن الزولفت (Zoloft) أو الأدوية المماثلة، فهي أدوية فعالة وآمنة وجيدة، وإذا كنت ترغب في الاستمرار على الزولفت -وهو ما أراه مناسبا- فأنصحك بالبدء بجرعة 50 مليجراما يوميا لمدة شهر، ثم زيادتها إلى 100 مليجرام يوميا (حبتين)، وهي الجرعة العلاجية المتوسطة الضرورية لحالتك، استمر على هذه الجرعة العلاجية لمدة ثلاثة أشهر، بعد ذلك ابدأ الجرعة الوقائية، وهي أن تتناول حبة واحدة يوميا لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك تخفض الجرعة إلى حبة يوما بعد يوم لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم يمكنك أن تتوقف عن تناول الدواء.
أما إذا رغبت في تجربة دواء آخر، ينظر إليه على أنه أحدث وأكثر فاعلية من الزولفت، فإن (سيبرالكس، Cipralex)، واسمه العلمي (إسيتالوبرام، Escitalopram)، قد يكون خيارا ممتازا لك -بمشيئة الله- تبدأ الجرعة بعشرة مليجرامات، تؤخذ ليلا بعد الأكل لمدة شهرين، ثم ترفع إلى عشرين مليجراما ليلا لمدة ثلاثة أشهر، وبعدها تخفض تدريجيا إلى عشرة مليجرامات ليلا لمدة تسعة أشهر، ثم إلى خمسة مليجرامات يوميا لمدة شهر قبل التوقف النهائي، هذا خيار أيضا ممتاز، وهو دواء سليم، ويعرف أنه مفيد لعلاج نوبات الوساوس والهرع والمخاوف.
نسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، ونشكرك كثيرا على تواصلك مع استشارات إسلام ويب.