السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله الذي شاء لي اليوم أن أكتب هذه الاستشارة، وأتوجه بالشكر الجزيل لكل من يسهر على نجاح هذا الموقع، سائلة الله أن يجعل جهودكم في ميزان حسناتكم.
اليوم أكتب إليكم، لعلي أجد ما يلم شتاتي ويعيدني إلى ما كنت عليه.
ولله الحمد أنا متفوقة في دراستي، وأحاول قدر استطاعتي القيام بواجباتي الدينية، وبإذن الرحمن، سأرتدي النقاب قريبا.
مشكلتي هي إدمان التفكير، فأينما تجدني، تجدني صامتة، أفكر وأفكر، أفكر في الأحزان والمشاكل فقط، ولقد تعبت والله، وأتمنى أن أضع رأسي على الوسادة وأنام دون أن أغرق في بحر الأفكار.
أفكر داخل قسم الدراسة، وأنسى أني أدرس، وأفكر خارج القسم، وأفكر قبل النوم وبعده، وأدعو فأقول: (يا لله!).
وما زاد من هذه الحالة أني تعرفت إلى شخص ملتزم -ولله الحمد- والمشكلة أن والده يرفض مبدئيا فكرة ارتباطه بي، بحجة اختلاف البلدان، وأنا خائفة من خسارته، فهو شخص رائع.
أنا لا أتحدث معه بحكم أن العلاقة محرمة، لكنني أقضي يومي أفكر فيه، فقد تعلق قلبي به، وأعتقد أو أوسوس في أني تعلقت بغير الله وأني أعيش في ضلال.
أحيانا تأتيني نوبات ضيق شديد ورغبة في البكاء والعزلة، وأحس بثقل على صدري، ويؤلمني رأسي كثيرا بصفة يومية، رغم أني لا أعاني من مشاكل صحية، ويزداد هذا الألم بشدة عندما أصلي، وتغيرت كثيرا، وكل من يعرفني يقول: أين من كنا نعرفها؟ أين تلك التي كنا نعهد منها القوة؟ فأين أنا الآن؟
أرشدوني، جعل الله الجنة مثواكم، وأعتذر عن الإطالة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زينب .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في موقعك استشارات إسلام ويب، ونحن نشكر لك تواصلك معنا، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لكل خير.
قد فرحنا جدا بتبشيرك لنا بقرب ارتدائك للنقاب، ونتمنى أن توفقي للمسارعة في هذه الطاعة العظيمة، ولا تعرضيها للتسويف والمماطلة، فإن الواحد منا لا يدري ما الذي يعرض له غدا، فإنك لا تدري إذا جن ليل أتحمل إليك سرورا أم بلاء، وقد أحسن من قال:
تزود من التقوى فإنك لا تدري *** إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر.
فالواجب على المسلم والمسلمة أن يتقي الله تعالى، وأن يعجل بالبر وبالمعروف قبل أن ينخرم به الأجل، ويسارع في فعل ما يرضي ربه عنه في الساعة التي يعيشها، وقد قال لنا ربنا سبحانه: ﴿وسارعوا إلىٰ مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين﴾ [آل عمران: 133].
وكوني على ثقة -ابنتنا الكريمة- من أن طاعتك لربك هي السبب الأكيد لسعادتك في دنياك وآخرتك، وهي مفتاح للأرزاق وطيب العيش، وقد وعد الله عز وجل الطائعين والطائعات بالحياة الطيبة فقال جل شأنه: ﴿من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة﴾ [النحل: 97]. وقد أحسنت حين تجنبت الكلام مع هذا الشاب، مدركة أن العلاقة بين الشباب والشابات في غير نطاق الزواج حرام، فنسأل الله تعالى أن يبارك فيك، ويرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك وتسكن إليه نفسك.
وأما عن الهموم التي أصابتك فعلاجها سهل بإذن الله تعالى، إن أخذت بجد وحزم بأسباب ذلك، ونحن نضع بين يديك جملة من الوصايا التي نتمنى أن يعينك الله تعالى للعمل بها، وسترين أثرها إن شاء الله تعالى سعادة وهدوءا في نفسك وحياتك. ومن هذه الوصايا:
1. تيقني جيدا أن ما يقدره الله تعالى لك خير مما تختارينه أنت لنفسك، فإنه سبحانه أرحم بك من أمك وأبيك وهو مع ذلك على كل شيء قدير، فلا تحرصي على شيء وتعلقي قلبك به، فربما كان الخير في غيره فيصرفه الله تعالى عنك، فيكون في ذلك كل الخير لك وأنت تقتلين نفسك بالهم والحزن، وصدق الله القائل: ﴿وعسىٰ أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾ [البقرة: 216]. وإذا ترسخت هذه الحقيقة في نفسك غرست فيك الرضى بما يقدره الله تعالى لك.
2. جاهدي نفسك لصرفها عن التعلق بهذا الشاب، فاقطعي التفكير به وتذكره إن عرض لك، وخير علاج يعينك على ذلك أن تشغلي نفسك بما ينفعك من أمور الدنيا والدين، فحاولي أن تملئي وقتك بالنافع، واحرصي على مجالسة الصالحات، ولا بأس بأن تطلبي منهن مساعدتك في البحث عن الزوج الصالح.
3. أكثري من ذكر الله تعالى ودعائه، وأقبلي على عبادته وأحسني الظن به تعالى، فهو عند ظن عبده به.
4. حافظي على أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم وأذكار دخول الخلاء، وأكثري من قراءة القرآن، ومن قراءة المعوذتين في كفيك وانفثي بعد القراءة وامسحي سائر جسدك، أو افعلي مثل هذا بالفاتحة فالقرآن شفاء بإذن الله تعالى.
ونوصيك في الأخير بتقوى الله تعالى والتزام فرائضه، وكوني على يقين بأن ذلك هو سبب لكل خير ومفتاح لكل رزق، وقد قال تعالى: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾ [الطلاق: 2-3]. نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يصرف عنك السوء، وأن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.
وبالله التوفيق.