السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يا فضيلة العلماء، أتوجه إليكم بعرض حالتي، راجيا منكم النصح والإرشاد والعلاج -إن وجد-.
أنا شاب كأي شاب آخر، لدي طموحات وآمال وتمنيات، لكن المشكلة تكمن في المجتمع المحيط بي، لا أجد أصدقاء، والسبب في ذلك أني لا أجد أحدا يفهمني، ولا أتفق معهم في الكثير من الأمور.
مجتمعي ذو طبيعة قبلية، يسوده الجهل والعشوائية، وأنا على النقيض من ذلك تماما، ودائما يراودني الخوف من المستقبل المجهول، ولا يوجد حولي ما يدعو إلى التفاؤل، وهناك حقائق كثيرة غائبة عني، أحاول البحث عنها، لكنني اصطدم بالعادات والتقاليد السائدة في مجتمعنا، لا يرضيني في المجتمع سوى 5% أو أقل، وأتساءل عن المسؤول عن هذا الوضع، ولكن بلا جواب.
كان لي صديق -أو بالأحرى النصف الآخر مني، أقصد أن معزته عندي كبيرة جدا- تركني ورحل ليكمل دراسته في الخارج، وهذا ترك في نفسي فراغا كبيرا كاد يقتلني، هذا جانب.
والجانب الآخر هو أنني والحمد لله ملتزم بالصلاة، ولي مكانتي في مجتمعي، إلا أن هذه المكانة التي منحوني إياها تحولت إلى قيود، بمعنى أنني لا أخطئ، ولا أقول لا أعرف، ولا أحتاج شيئا، بل أنا ملزم بحل مشاكلهم، أما أنا فلا مشاكل لدي! وهكذا، مع أنني رجل عادي، وفي هذا الوقت، ومع ازدياد وسائل الفتنة، قد أقع في الأخطاء والمشاكل، وما إلى ذلك، أي أنهم حملوني حملا ثقيلا وأنا ملزم بتحمله.
وهناك جانب آخر يتمثل في الأحوال المادية المتدنية، فتأتيني المشاكل من كل جانب، لا نكاد ننتهي من مشكلة حتى تأتي أخرى.
مشكلتي أنني أتحسس أكثر من اللازم، وطبيعتي تميل إلى الهدوء والسلام، لكنني لم أجدهما، لم أعد أحلم -كأي شاب- بالعيش الرغيد والسفر وغيرها، ولكن أطلب فقط الهدوء والعيش بسلام.
في معظم أوقاتي أشعر بالإحباط، حتى أنني قد أتهاون عن بعض الصلوات وآتي بها متأخرة، وأصبحت أخاف أن تكون حالتي مرضا نفسيا، وصرت أهرب من الواقع.
يا فضيلة العلماء، أرجو النصح والإرشاد، وشكرا لكم، وجزاكم الله عنا خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ... حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك -أيها الأخ الكريم- ونتمنى لك عمرا مليئا بالإنجاز والنجاح.
نحن لم نر فيما ذكرت من حالتك ما يدعو إلى الإحباط واليأس، بل العوامل التي تحيط بك هي عوامل نجاح وتفوق لا العكس، فمع صغر سنك أعطاك المجتمع حولك هذه المكانة؛ بحيث تصير الموجه والمرشد لغيرك، وهذا يدل على أن المجتمع الذي يحيط بك أرض خصبة لتغرس فيهم الخيرات والفضائل.
وعليك أن تتذكر أن الأنبياء أرسلوا إلى أقوام منقسمين في جاهليتهم، ومع ذلك غير الله تعالى بهم وجه الأرض، ونحن نوصيك بالآتي:
1- احرص على تعلم دينك لاسيما الفرائض منه على وجه صحيح، واشتغل بتعليمها للناس، وفي هذا أعظم عمل يقوم به الإنسان في هذه الحياة، وهي وظيفة رسل الله تعالى وأنبيائه، ورسائل التعلم اليوم متاحة وميسرة، فإن كنت تستطيع حضور حلقات العلم بين يدي العلماء فافعل، وإلا فالمواقع الالكترونية للعلماء مملوءة بالمادة العلمية النافعة، فاحرص على سماعها والاستفادة منها.
2- احذر الترفع على من حولك بسبب ما هم فيه من الجهل، وكن على يقين بأنك إذا رأيتهم صغارا فسيرونك صغيرا أيضا، فاحرص مع تعليمك لهم على أن تبادلهم الحب والتوقير، واعلم جيدا أن أنفع الناس لك: إنسان مكنك من نفسه لتغرس فيه خيرا، أو تصنع إليه معروفا.
3- ابذل وسعك في حل مشاكلهم وإعانتهم على ذلك، واحرص على أن تسترشد برأي العلماء والفضلاء في معرفة حكم الشرع، وكن حلقة وصل بين مجتمعك وبين أهل العلم، فتكون قائدا لهم وداعيا على بصيرة.
4- لا تكلف نفسك ما لا تقدر عليه، واحرص على التوازن والاعتدال بأن تؤدي إلى كل صاحب حق حقه، فلنفسك حقوق ولربك حقوق ولزوجتك وأولادك حقوق، وهكذا، فأعط كل ذي حق حقه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ونحن على ثقة بأنك إذا عملت بهذه الوصايا ستعيش حياة تملؤها السعادة وإن كنت قليل ذات اليد.
ونوصيك -أيها الحبيب- بتقوى الله تعالى والمحافظة على فرائضه، واحذر أن يستدرجك الشيطان إلى تضييع الصلاة أو التكاسل عنها بهذه الأوهام الزائفة؛ فإن الصلاة نور وطمأنينة وسكينة وفلاح.
وفقك الله لكل خير، ويسر لك الأمور.