السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني من مرض الوسواس القهري منذ عشر سنوات، وأتناول "فيلوزاك" 20 مجم مرة واحدة يوميا بناء على متابعة مع طبيب نفسي لمدة سنة واحدة، لكن كلما حاولت التوقف عن تناوله، تعود لي الوساوس مرة أخرى بعد شهر أو شهرين من الإيقاف، وهذا الحال مستمر معي منذ أربع سنوات.
فكيف يمكنني قطع الدواء؟ وهل يتم ذلك مباشرة أم تدريجيا؟ وما هي خطوات التوقف؟
أرجو أيضا توضيح سبب عودة الوساوس بعد التوقف، مع العلم أن حالتي كانت شديدة جدا، حيث أثرت الوساوس على كل سلوكياتي الداخلية، وسببت لي انهيارا استمر خمس سنوات قبل بدء العلاج.
ولا زلت أعاني حتى الآن من محاولة استعادة القيم والسلوكيات الصحيحة، فقد وصلت إلى درجة التفكير في كل شيء، حتى طريقة مشيتي وجلوسي ونظرتي للناس؛ مما أثر على طريقة تفكيري ودمر مبادئ الفطرة العامة، مثل كيفية الحديث مع الآخرين.
أود أن أفهم لماذا تعود الوساوس بعد التوقف عن العلاج؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
في البداية: أرجو ألا تنزعج كثيرا من هذا الأمر، مع أن الوساوس القهرية بلا شك مزعجة وصعبة التحمل، وأود أن أوضح لك أن الوساوس في جوهرها عبارة عن نوع من القلق النفسي الشديد نسبيا، وبعض الأشخاص لديهم استعداد أكبر للإصابة بها، ويعود هذا الاستعداد إما إلى طبيعة البناء النفسي لشخصياتهم، أو إلى عوامل وراثية تلعب دورا في ذلك.
ندرك أن الوراثة تلعب دورا في زيادة الاستعداد للإصابة بالوسواس القهري؛ فهي من العوامل التي تساهم في زيادة حدة الوساوس واستمرارها، ومع ذلك، لا نعني بالوراثة هنا انتقال المرض نفسه بشكل مباشر، بل التأثير وراثيا يهيئ الإنسان ليكون أكثر عرضة لظهور الوساوس عندما تواجهه ظروف محفزة، مثل الأحداث الحياتية التي يمر بها.
هناك حقيقة علمية مهمة يجب أن نذكرها: الوساوس تميل إلى أن تكون مزمنة إلى حد ما لدى نحو خمسين في المئة من الأشخاص، ومع ذلك فإن استمرارها لا يعني بالضرورة تعطل حياة الإنسان، حيث إن معظم من يعانون من الوساوس المزمنة يتمكنون من التكيف والتأقلم معها، مع وعي واضح بأن حالتهم قلقية ويجب تجاهل هذه الوساوس، ويبدو أنك من بين هؤلاء الذين يمتلكون استعدادا لاستمرار الوساوس لفترة طويلة.
عامل مهم وضروري لمواجهة هذا النوع من الوساوس هو التركيز على تقنيات العلاج السلوكي، ويبدو أنك بحاجة لمن يساعدك في تطبيق هذه الخطوات السلوكية بطريقة علمية، وإذا كنت في دولة قطر، فأنصحك بزيارة القسم الطبي النفسي في مؤسسة حمد الطبية، حيث ستجد أخصائيين نفسيين ذوي خبرة واسعة في تطبيق البرامج السلوكية لعلاج الوساوس القهرية.
أنا أنصحك بشدة بهذا الاقتراح، ومن وجهة نظري بناء قاعدة صلبة للعلاج السلوكي المعرفي سيكون أفضل وسيلة لمنع عودة الوساوس.
أما الدواء فلا شك في فعاليته وتميزه، لكنه لو لم يصحب بتطبيق التمارين السلوكية قد تحدث انتكاسة بعد التوقف عنه.
وأود أيضا أن أطمئنك بأن تناول الدواء لفترة طويلة لا بأس به، خاصة أن هذه الأدوية آمنة، على سبيل المثال: الـ (بروزاك، Prozac) دخل الأسواق عام 1988، وهناك من يتناوله منذ ذلك الحين دون أي آثار جانبية، بل بالعكس هم في حالة استقرار نفسي وراحة، فأقترح عليك أن تبدأ الآن بتناول البروزاك مجددا، مع التركيز على الجرعة وطريقة الاستخدام:
- ابدأ بكبسولة واحدة يوميا لمدة شهر.
- ثم ارفع الجرعة إلى كبسولتين يوميا لمدة تسعة أشهر.
- بعد ذلك تناول كبسولة واحدة يوميا لمدة عام.
- ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهرين.
- ثم توقف عن تناول الدواء تدريجيا.
لاحظ أن هذه الخطة تغطي مدة تقارب السنتين، تشمل جرعة البداية، وجرعة العلاج، وجرعة الوقاية، وأخيرا التدرج في التوقف عن الدواء.
يرجع السبب في تناول الدواء إلى نظرية بيولوجية قوية للوسواس القهري، ترتبط بتغيرات في الموصلات العصبية داخل الدماغ، حيث يكون إفرازها غير منتظم في حالات الوسواس القهري. يمكن تشبيه ذلك بمرض السكري أو الضغط، فهو مرض قد يكون مزمنا لكنه لا يعيق حياة الإنسان.
وأصحاب الوساوس هم من أصحاب الضمائر الحية، وأكثر الناس انضباطا والتزاما بمكارم الأخلاق.
نسأل الله لك العافية والتوفيق، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وبالله التوفيق.