هل عاد لي القلق بعد تحسّني من الصدمة النفسية الأولى؟

0 4

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنت قد تواصلت معكم قبل نحو عام وبضعة أشهر، بخصوص مشكلتي مع القلق والإحساس بالموت، وملخص القصة: أنني رأيت والدتي في حالة إغماء شديدة، وظننت أنها قد تفارق الحياة أمام عيني، ومنذ تلك الحادثة بدأت معاناتي؛ حيث أصابني قلق مستمر، وتملكني شعور دائم بأنني مريض بأمراض متعددة، وأن كل يوم قد يكون هو آخر أيامي في هذه الدنيا، وأني على وشك الموت في أي لحظة، وقد رافق هذه المشاعر أعراض جسدية مزعجة مثل: الدوخة، ضعف التركيز، الخمول، وغيرها.

تكرمتم آنذاك بوصف دواء "سيبرالكس"، ولكنني لا أتذكر الجرعة الموصى بها، فذهبت إلى طبيب نفسي في بلدي، وفعلا وصف لي "سيبرالكس 10 ملغ صباحا"، بالإضافة إلى "استابلون" ثلاث مرات يوميا، استمررت على هذه الأدوية لمدة أربعة أشهر، ثم توقفت عنها بناء على تعليمات الطبيب، وخلال تلك الفترة تحسنت حالتي -ولله الحمد- بنسبة 90% لكن، بعد مرور حوالي تسعة أشهر، بدأت بعض الأعراض تعود مجددا، وإن كانت أخف من السابق، وتركزت في الإحساس بالموت، والخوف من وقوع أمر طارئ مفاجئ، حيث تحدثني نفسي أن ما سيقع قريبا إنما هو تمهيد لوفاتي.

كما لاحظت أن هذه المشاعر تزداد في بعض المواقف، مثل: عند ارتكابي ذنبا، كالنظر إلى الأفلام المحرمة -ونحو ذلك- أو عند حديثي مع خطيبتي في أوقات متأخرة من الليل وفي لحظات خلوة، أو عند السهر وحيدا؛ حيث أصبحت أشعر بعدم ارتياح شديد تجاه النوم، وكأنني فقدت الشعور بالفرح.

أرجو منكم التكرم بإفادتي بما ترونه نافعا في حالتي، وجزاكم الله خيرا عني وعن كل من استفاد من نصائحكم وجهودكم، من خلال هذا الموقع المبارك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

من الواضح أن حالتك حالة قلقية، وأن الخوف من الموت ناتج فعلا من الخبرة والتجربة التي حدثت لوالدتك، وظل هذا المكون راسخا في وجدانك وعقلك الباطن؛ مما أدى إلى هذا النوع من الاضطراب الفزعي حول الموت ومفهومه، فالأمر كله يتعلق إذن بالقلق.

أنت مطالب فقط بأن تجلس مع نفسك، تفكر وتتأمل بتركيز، وتحاول أن تقلل من شأن هذه الفكرة، ليس فكرة الموت بالطبع، ولكن فكرة الخوف منه بهذه الصورة المرضية، وتذكر وقل لنفسك: "لماذا أخاف؟ فالخوف من الموت لا يقدم في العمر ولا يؤخر فيه لحظة واحدة، وأسأل الله تعالى أن يجعل خير عملي خواتمه، وخير عمري آخره، وخير أيامي يوم ألقى الله" هذه الأدعية تعد مصدرا عميقا للطمأنينة والسكون في النفس والوجدان، فهي تعزز الثقة بالله، وتبعث السلام الداخلي في القلب، قال تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، وقال: {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة ۚ إن الصلاة تنهىٰ عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر}.

فذكر الله تعالى والمواظبة على الصلاة هما الركيزتان الأساسيتان لراحة القلب، ويثبت بهما الإنسان على الصراط المستقيم ويبعدانه عن ما يضره نفسيا وروحيا، كما أن الدعاء واللجوء إلى الله في السراء والضراء يقويان الصبر، ويخففان من هموم الحياة، ويبعثان في النفس الأمل والتفاؤل، لذلك، ينصح دائما بالحرص على ترديد هذه الأدعية والذكر بانتظام، فإنها شفاء للقلوب وراحة للصدور، وأساليب عملية لتحقيق السلام النفسي والسكينة الروحية.

أما بالنسبة للعلاج الدوائي: فمن وجهة نظري هو أمر ضروري، وأمر مفيد لك، وأدعوك لأن تعود لتناول الـ (سيبرالكس، Cipralex)، فهو دواء جيد وسليم، وجرعة عشرة مليجرام ستكون كافية، وأنصحك بتناولها لمدة عام، ثم تخفضها إلى خمسة مليجرام يوميا لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

وإذا أردت استبدال السيبرالكس بدواء آخر، فهناك دواء يعرف تجاريا باسم (مودابكس، Moodapex)، ويسمى علميا (سيرترالين، Sertraline)، وقد يكون أرخص بكثير من السيبرالكس، تبدأ جرعته بخمسين مليجراما يوميا لمدة شهر، ثم ترفعها إلى مائة مليجرام لمدة ستة أشهر، ثم تخفضها إلى خمسين ملليجرام يوميا لمدة ستة أشهر أخرى، ثم تتوقف عن تناول الدواء، هذا بالنسبة للعلاجات الدوائية، وقد وجهنا لك الإرشاد اللازم فيما يخص التغيير المعرفي، الذي هو أيضا من الوسائل المطلوبة جدا، لإزالة مثل هذا القلق والتوتر وتحسين المزاج.

قد ذكرت -أخي الكريم- نقطة مهمة جدا، وهي أن هذه الأعراض القلقية تزداد عندك، وتظهر في شكل محفزات واضحة حين تفكر في الحرام، أو تقوم بشيء منه، كمشاهدة الأفلام الإباحية ونحو ذلك، فهذه إشارة وتنبيه وتحفيز لك لتبتعد عما تحسه محرما، فإن الحلال واضح والحرام واضح، وبينهما أمور مشتبهات، ومن اتقى الشبهات فقد برأ لدينه وعرضه، ومن تورط في الشبهات فقد وقع في الحرام، كما قال النبي ﷺ: كالراعي يرعى حول الحمى، وكن مطمئنا أن الحلال دائما أكثر وأوسع من الحرام.

بقي أن أقول: إن الإحساس بالضيق وعدم الفرح سوف يزول تماما بعد الرجوع إلى الله، والتوبة، ثم تناول الدواء الذي ذكرناه لك، فالمزاج الاكتئابي والشعور بالكدر أمر ملازم لأمراض القلق، وأيضا لأصحاب المعاصي والمنكرات.

نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، وأشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، ونسأل الله أن يرزقنا وإياك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

مواد ذات صلة

الاستشارات