السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي استفسار حول قلق ابنتي التي تبلغ من العمر 10 سنوات، لاحظت عليها شدة القلق، فعلى سبيل المثال: إذا خرج أحد إخوتها -سواء من الشباب أو الصغار-، وأطالوا فترة غيابهم، تبدأ في السؤال: متى يعود أخي؟ أين ذهب؟ وهكذا، وتحاول أن تظهر لنا بأنها تسأل بطريقة غير مباشرة، حتى لا نشعر بقلقها.
ربما يكون السبب في اكتسابها هذا القلق، هو أنني كنت أبدي قلقي أمامها عندما يتأخر إخوتها عن البيت، وقد ازداد هذا القلق عندي بسبب وجودنا هنا في أوروبا، حيث أسمع باستمرار عن حوادث خطف الأطفال واغتصابهم وقتلهم، وعندما تنبهت إلى نفسي، بدأت أحاول ألا أبدو قلقة أمامهم، وأظهر أنني مطمئنة في مثل هذه المواقف، ومع ذلك أقول: ربما فات الأوان.
ابنتي لا تقلق على إخوتها فقط، بل حتى عندما يكون لديها واجب مدرسي، ولم تؤده على الوجه المطلوب، تشغل نفسها كثيرا بالتفكير فيه، فهي تعطي الأمور أكبر من حجمها، وأنا أحاول دائما أن أطمئنها وأفهمها، وألجأ إلى الله تعالى بالدعاء، أن يعينني على أن أجعلها إنسانة مطمئنة وهادئة النفس.
أرجو منكم أن تساعدوني، في معرفة كيف أساعد ابنتي على التخلص من قلقها بشكل عام، وهل إذا استمر هذا القلق مع الإنسان بشكل دائم، قد يؤدي إلى أمراض؟ وما هي هذه الأمراض؟
جزاكم الله خير الجزاء، وجعل أعمالكم خالصة لوجهه الكريم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأؤكد لك أولا أن هذه الابنة –حفظها الله تعالى– ليست مريضة بإذن الله، وأتفق معك أنها تعاني من قلق ناتج عن المخاوف، والقلق عموما هو طاقة إيجابية جدا؛ لأنه يدفع الإنسان نحو النجاح، ويزيد من اندفاعه نحو الإنجاز، ولكن هناك نوع سلبي من القلق، لا سيما حين يرتبط بالمخاوف الزائدة، وهي غالبا ما تكون مكتسبة.
قد كنت صادقة حين ذكرت أن إبداءك الشفقة الزائدة على أبنائك، وتنبيهك المتكرر لهم حول كيفية حماية أنفسهم من الخطف أو الإساءات، قد رسخ هذا القلق في ذهن ابنتك، مما تسبب لها بهذه الانشغالات النفسية.
الفتاة الآن في سن تدرك فيه الكثير من الأمور، وأعتقد أنه بنفس الطريقة التي كنت تتحدثين بها سابقا بصورة سلبية، عما قد يتعرض له الأطفال، يمكنك الآن أن تبدئي الحديث بصورة إيجابية، كأن توضحي لها أن أولئك الأطفال الذين تعرضوا لمشاكل كانوا غالبا ضحايا للإهمال، أو لأنهم خرجوا بمفردهم، أو لم يتحوطوا في تعاملهم مع الغرباء، وهكذا، إذا: التنبيه الإيجابي سيساعد الطفلة على فهم الواقع دون مبالغة، كما أن تعليم الطفل الأذكار اليومية، كدعاء الخروج من المنزل ودعاء الدخول، يبعث طمأنينة كبيرة في نفسه، ويساعده على الشعور بالحماية والسكينة، حاولي أيضا أن تشرحي لها هذه الأمور بلغة مبسطة ومطمئنة، فهذا -بإذن الله- سيرفع من كفاءتها النفسية ويقلل من قلقها.
من المهم كذلك تشجيعها على الاعتماد على نفسها، فاطلبي منها مثلا ترتيب خزانة ملابسها، تجهيز فراشها، المساعدة في المطبخ، بل اجعليها مسؤولة –ولو بشكل رمزي– عن ميزانية الأسرة لمدة أسبوع، ابني لديها المهارات الاجتماعية، من خلال إشراكها في اتخاذ بعض قرارات المنزل، مثل: ماذا نطبخ اليوم؟ كيف نقضي عطلة نهاية الأسبوع؟ ماذا نشتري؟ واجعليها تشعر بأن لها رأيا مسموعا وتأثيرا حقيقيا، علميها كذلك كيفية تنظيم وقتها، وضحي لها أن لها وقتا للراحة، وآخر للدراسة، وآخر للعب، وأن ممارسة الرياضة مهمة، ودربيها على الالتزام بهذه الأوقات.
ومن الوسائل المفيدة أيضا، تدريبها على تمارين الاسترخاء، وأبسطها تمرين يعرف بطريقة "جاكبسون"، وسأشرح لك جزءا مبسطا منه: اجعلي الطفلة تجلس في مكان هادئ أو تستلقي على السرير، وتغلق عينيها، وتفكر في شيء سعيد، وتفتح فمها قليلا، ثم تأخذ نفسا عميقا وبطيئا عن طريق الأنف، وتملأ صدرها بالهواء، ثم تمسك الهواء لثوان، ثم تخرجه ببطء وقوة من الفم، هذا التمرين يكرر خمس مرات متتالية، بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء لمدة أسبوعين، ثم مرة واحدة في المساء لمدة أسبوعين آخرين، وبعد ذلك عند الحاجة فقط.
أخيرا: أطمئنك أن هذه الابنة –حفظها الله– ليست بحاجة لأي نوع من الأدوية، رغم وجود أدوية آمنة ومضادة للقلق، إلا أن حالتها لا تستدعي استخدام أي علاج دوائي، أرجو اتباع الإرشادات السابقة، وأكثري من الدعاء لها، وأسأل الله أن يحفظ ذريتك، ويجعلهم قرة عين لكما، وبالله التوفيق والسداد.