السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة تعرضت لحادثة اعتداء عندما كان عمري 15 سنة، وقد سببت لي هذه الحادثة الكثير من الآلام على مختلف الأصعدة، بدءا من المعاملة الصعبة من قبل الأسرة والأقارب، مرورا بتوقفي عن الدراسة، ومحاولاتي المتكررة للانتحار، وبعد مرور كل هذه السنوات، لم يتقدم لي أي عريس، رغم أن جميع قريباتي قد تزوجن، ولا زلت أشعر بالألم والحزن.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أيتها الأخت الكريمة- في موقعك "استشارات إسلام ويب"، ونسأل الله تعالى أن يأجرك في مصيبتك، ويزيل عنك ما تجدينه من هم وحزن، ويعوضك عن كل ما فاتك خيرا منه.
ثقي تماما أن ما قدره الله عز وجل لك من أقدار قد تبدو مؤلمة، يحمل في طياته خيرا كثيرا، ولكننا -وللأسف- كثيرا ما نغفل عن هذا المعنى أو نجهله، فالمصيبة التي ألمت بك قد يجعلها الله سببا لبلوغك منازل عالية في الآخرة، دون أن تشعري بذلك.
ندرك تماما حجم الحزن الذي تعيشينه، ولكن لا نريد أن تجتمع عليك مصيبتان: مصيبة ما حصل، ومصيبة فوات الأجر والثواب الذي يمكن أن تجني ثماره من هذه المحنة، ولهذا نضع بين يديك عددا من الوصايا، من قلوب محبة لك وتتمنى لك السعادة والسكينة، نرجو أن تأخذيها على محمل الجد، وتعملي بها بعزم وصبر، فرغم ما قد تجدينه من مشقة، إلا أنها طريقك إلى الراحة النفسية والسعادة الحقيقية، والعاقل لا تمنعه مرارة الدواء من تذوق حلاوة الشفاء.
ومن هذه الوصايا:
1. تذكري حديث النبي ﷺ: ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها، إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرا منها.
قالت أم سلمة -رضي الله عنها- هذا الدعاء حين توفي زوجها أبو سلمة، وكانت تظن أنه لا أحد يمكن أن يكون خيرا من أبي سلمة، فاستجاب الله دعاءها، وعوضها برسول الله ﷺ زوجا، فثقي برحمة الله وقدرته، فإنه سبحانه مالك كل شيء، وإذا أراد شيئا يقول له: كن فيكون، فالزمي هذا الدعاء، وتعلقي بأمل الفرج، فقد كان سببا في راحة ورضا كثيرين قبلك.
2. لا تحزني بسبب تصرفات الأقارب المسيئة، فهم مخطئون بلا شك، وكان الواجب عليهم أن يقفوا إلى جانبك ويخففوا عنك، ولكن ثقي أن في الناس خيرا كثيرا، فلا تترددي في التقرب من النساء الصالحات، واحرصي على حضور مجالس الذكر، وستجدين بإذن الله من يقدر ظروفك ويكون لك عونا.
3. إياك والتفكير في الانتحار؛ فإنه لا ينهي المعاناة بل يبدأ عذابا أشد، فقد ورد النبي ﷺ: من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا أبدا، فاحذري أن يوسوس لك الشيطان في هذا الباب.
4. تذكري أنك لم ترتكبي ذنبا، ولم تختاري ما حدث لك بإرادتك، فلا تجلدي نفسك، ولا تستسلمي لنظرة المجتمع.
5. كثير من الفتيات مررن بتجارب مؤلمة وصادمة في حياتهن، سواء كانت تلك التجارب نتيجة ظلم أو اعتداء أو ظروف قاسية خارجة عن إرادتهن، ورغم ما تعرضن له من ألم نفسي أو اجتماعي، فإنهن لم يستسلمن لليأس، بل قررن النهوض من جديد، ومعالجة جراحهن بالصبر والإيمان، والعمل على بناء مستقبل أفضل.
عدن إلى الدراسة أو العمل، وتطوعن في خدمة الآخرين، وشاركن في الأنشطة الخيرية والدعوية، وواصلن تحسين أنفسهن دينيا ونفسيا واجتماعيا، وبعضهن تأخر زواجهن ثم رزقهن الله بأزواج صالحين، وبعضهن وجدن رسالتهن في العطاء والتأثير في المجتمع.
التجربة المؤلمة لا تعني نهاية الحياة، بل قد تكون بداية لقوة جديدة، وتحول إيجابي يجعل المرأة أكثر نضجا، ووعيا، وقدرة على تجاوز المحن.
النجاة لا تكون بنسيان الماضي فقط، بل بتحويله إلى نقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر قوة وثقة بالله وبنفسك.
6. تأخر الزواج قد لا يكون بسبب ما حدث، فكم من فتيات مثقفات وجميلات لم يتزوجن لأسباب قدرها الله، ولا أحد يعلم الغيب، والله يعلم ونحن لا نعلم، وقد قال سبحانه: {وعسىٰ أن تكرهوا۟ شيـۭٔا وهو خيرۭ لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا۟ شيـۭٔا وهو شرۭ لكم ۗ وٱلله يعلم وأنتم لا تعلمون}، فاستبشري خيرا وأحسني الظن بالله، وأكثري من الدعاء بأن يرزقك الله الزوج الصالح، واستعيني في ذلك بالنساء الصالحات.
7. قربي علاقتك من الله، بالإكثار من الطاعات: الصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، والاستغفار، وأشغلي وقتك بما ينفع، واعلمي أن الدنيا فانية، وما عند الله هو الباقي، والغاية هي عبادة الله وحده {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، ومن أحسن العمل فله النعيم المقيم في الجنة، حيث لا تعب ولا ألم، بل سعادة لا توصف.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، ويصرف عنك كل شر ومكروه، ويكتب لك السعادة في الدنيا والآخرة، وبالله التوفيق.