السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
للقائمين على هذا الموقع، والمستشارين الكرام، أسأل الله أن يجزيكم خير الجزاء على ما تقدمونه.
مشكلتي ليست الأولى في الطرح، فأنا منذ فترة طويلة أتردد على مواقع نفسية، وقد أدركت أن الكثير يعاني من نفس المشكلة، وهي الرهاب الاجتماعي، والحمد لله، ثقتي بنفسي جيدة، وأعلم في أعماقي أن الخوف شعور طبيعي، فكل إنسان يشعر به، خصوصا عند الإلقاء لأول مرة أمام جمع من الناس.
لكني لا أفهم ما الذي يحدث لي فجأة؛ حين أعلم أن المحاضرة ستختار طالبة عشوائيا، لتلخيص الدرس أمام الجميع، يتغير حالي بالكامل، وأشعر وكأنني فقدت السيطرة، ولساني يكرر بتلقائية قول الله تعالى: {وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون}، ومع ذلك لا يهدأ قلبي إلا بعد خروجي من القاعة، صرت أكره المحاضرات التي أعلم أن محاضريها من هذا النوع، وأكره أيامها التي أذهب فيها إلى الجامعة.
المشكلة أن المستوى القادم -إن أحياني الله- فيه تطبيق ميداني في إحدى المدارس، وهو إلزامي لا أستطيع الهروب منه، كما أن المحاضرات في قسمنا أثقلوني بطلباتهم من عروض، وشرح دروس إجبارية، أما الطلبات التي تعد تدريبا للطالبة على الوقوف أمام الطالبات، فقد أغفلتها وتغيبت عن موعدي المحدد، لكن إرادة الله كانت فوق كل شيء، إذ اختارت لي المحاضرة يوم الأحد المقبل، أي بعد 4 أيام فقط، وقلبي بدأ الآن في الاضطراب.
حاولت التفكير في تناول علاج مؤقت، لكن ذلك لم ينفع، وأخي الوحيد لن يوافق، كما أنه من المستحيل أن أخرج بمفردي، ولا أريد أن أشكو لأحد، بعد أن شكوت لأخي ولم يعرني أدنى اهتمام، فقد كان من الصعب جدا أن أتمكن من الحديث والشكوى، فما الحل الآن؟ ماذا أفعل؟ أرجو أن توفقوا في تقديم حل عملي ينقذني مما أنا فيه.
الألم والحسرة تملأ قلبي، إذ شرحت كل طالبات دفعتي وعرضن بحوثهن، بينما أختفي أنا في آخر الأسابيع، على أمل أن يضيق الوقت في المحاضرة، فيصرف النظر عني.
كل شكري وتقديري لكم جميعا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ... حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن الحالة التي وصفتها هي نوع من الخوف أو الرهاب الظرفي، وهو يحمل صورة من صور الرهاب الاجتماعي، ولكنه مرتبط بمواقف معينة، حيث إن القلق التوقعي هو الذي يجعلك تدخلين في حالات الخوف، والرهاب دائما يعالج بأن يجلس الإنسان مع نفسه، ويتأمل ويتفكر ويسأل نفسه: لماذا أخاف؟ لماذا لا أكون مثل بقية الناس؟ وأنت ذكرت أن زميلاتك الطالبات قد قدمن وشرحن بحوثهن، فلماذا لا تكونين أنت مثلهن؟
لذلك، ينبغي أن تسألي نفسك: لماذا أخاف؟ ولماذا لا أكون مثل بقية الزميلات؟! أنت لست أقل منهن في شيء، الجميع يمرون بالمشاعر نفسها، فما الذي يجعلك تختلفين عنهن؟ حتى أولئك الذين ستعرضين عليهم البحث من الأساتذة، هم بشر في نهاية الأمر، لذا فإن التقليل من شأن فكرة الخوف بحد ذاتها، يعد خطوة مهمة وأساسية في طريق العلاج.
ثانيا: أريد أن أؤكد لك تأكيدا قاطعا؛ إن الذين يعانون من الخوف والرهاب الاجتماعي والقلق المصاحب له، دائما تكون مشاعرهم مبالغا فيها، يأتيهم الإحساس بأنهم يتلعثمون، وأنهم سوف يفشلون، أو أن أحد سيسقط أرضا، وأنه سوف يكون أداة للسخرية والضحك والاستهزاء من قبل الآخرين، وهكذا، وهذا ليس صحيحا.
نحن على يقين بأنه لو تم تسجيل أدائك وتصويرك أثناء عرضك للبحث، ثم شاهدت هذا التسجيل لاحقا، لاكتشفت أن أداءك كان جيدا، بل ربما فاق توقعاتك تماما، وما أذكره لك هنا هو حل علمي، وأنت قد طلبت حلا مبنيا على أساس علمي، وهذا الطرح مستند إلى دراسات وبحوث موثوقة، فقد قام أحد الباحثين بتصوير عدد من الأشخاص الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي أثناء مواقف تواصل اجتماعي، دون أن يعلمهم بذلك مسبقا، ثم عرض عليهم لاحقا تسجيلاتهم، وكانت النتيجة مفاجئة لهم؛ إذ تبين أن أداءهم كان ممتازا، وتجاوز ما كانوا يتوقعونه، مما جعلهم يدركون أن مشاعر الخوف التي كانوا يعيشونها، كانت مبالغا فيها إلى حد كبير.
والواقع أن ما يزيد من شعور الإنسان بالخوف، هو: التغيرات الفسيولوجية التي تحدث في الجسم، مثل تسارع ضربات القلب الناتج عن إفراز مادة الأدرينالين، ومن هنا، وجد أن دواء بسيطا يعرف تجاريا باسم إندرال (Inderal)، ويعرف علميا باسم بروبرانولول (Propranolol)، قد يساعد في تقليل هذه الأعراض، ينصح أحيانا بتناول هذا الدواء قبل المواقف الاجتماعية المثيرة للقلق، بجرعة تتراوح بين 20 إلى 30 ملليجراما، وذلك قبل المواجهة بساعتين إلى ثلاث ساعات تقريبا، فإذا الأمر بسيط، أنت فقط محتاجة إلى أن تصححي مفاهيمك، وأن تكوني أكثر ثقة في نفسك، وأن تسألي الله تعالى أن يسهل أمرك.
من الوسائل المفيدة أيضا في تهدئة النفس، والتخفيف من التوتر، تمارين الاسترخاء، مثل تمارين التنفس التدريجي، فيمكنك القيام بهذه التمارين، وذلك بأن تقومي بالآتي:
- اجلسي على كرسي مريح أو تتمددي على السرير.
- ثم أغمضي عينيك، وتفكري في شيء يبعث على السعادة.
- أو اقرئي شيئا من القرآن بهدوء.
- بعد ذلك خذي نفسا عميقا وبطيئا من الأنف، حتى يمتلئ صدرك بالهواء.
- ثم احبسي الهواء لثوان قليلة، وبعدها أطلقيه ببطء وبشكل تدريجي من الفم.
- كرري هذا التمرين أربع إلى خمس مرات، بمعدل مرة صباحا ومرة مساء، وستلاحظين -بإذن الله- أثره الإيجابي الكبير في تهدئة نفسك وتقليل القلق.
كما أن ممارسة التمارين الرياضية، مهما كان نوعها، تعد وسيلة فعالة جدا في التخفيف من حدة القلق والتوتر، لما لها من أثر إيجابي على توازن الجسم والنفس معا.
ما أرجوه منك -بصفة عامة- بعد أن تنتهي من عرض هذا البحث -وأنا على يقين بأنك ستنجحين في ذلك إذا التزمت بالتوجيهات السابقة- هو أن تحرصي على زيادة تواصلك الاجتماعي، فحاولي الجلوس دائما في الصفوف الأولى، وانظري إلى وجوه من تتحدثين إليهم، فمثل هذه السلوكيات تسهم كثيرا في تعزيز ثقتك بنفسك ورفع كفاءتك الاجتماعية.
إن كان بالإمكان تناول أحد الأدوية المضادة للرهاب الاجتماعي، لمدة تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر، فذلك سيكون دعما إضافيا نافعا لحالتك، والدواء الذي أفضله في هذه الحالات يعرف علميا باسم (باروكسيتين، Paroxetine) ويعرف تجاريا باسم (سيروكسات، Seroxat)، وجرعته هي أن تبدئي بنصف حبة -10 ملغ- يوميا، ويفضل تناوله بعد الأكل، استمري عليها لمدة أسبوعين، ثم ارفعي الجرعة إلى حبة كاملة يوميا، واستمري عليها لمدة أربعة أشهر، ثم خففي الجرعة إلى نصف حبة يوميا لمدة شهر آخر، ثم توقفي عن تناول هذا الدواء.
نسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد، ونشكرك كثيرا على تواصلك مع إسلام ويب، وبالله التوفيق.