التخلص من السلبية والوسواس القهري، واستعادة الثقة بالنفس

0 32

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني من مشكلة منذ أن كنت صغيرا، وما زلت أعاني منها حتى الآنن فأنا إنسان سلبي جدا مع الناس، بمعنى أنني دائما -أو أحيانا- أشعر بأنني أخضع للأوامر، أو أخاف من شعورهم تجاهي أثناء المزاح أو الجد، كما أن كلامهم عندي يظل مؤثرا حتى في غيابي، لا أنكر أبدا أنني محبوب من الناس، ولكن السلبية هي سبب جعلي ضعيفا أمامهم، وأنا كإنسان حساس جدا أتعامل مع كل شيء بحساسية، ومع ذلك أشعر دائما أنني أقل منهم؛ ولأنني أحب الناس، وأرغب في التحدث معهم، إلا أنني غالبا ما أفقد ثقتي بنفسي بسبب تصرفاتي.

منذ كنت صغيرا كان لي أصدقاء، يهينونني ويشتمونني ويضربونني، لأنهم يعلمون جيدا أنني حساس وطيب جدا وخجول، وأبكي عندما لا أستطيع الرد عليهم، وما زال هذا معي حتى الآن، لكنني أعتقد أنني تحسنت كثيرا عن ذي قبل، رغم أن هذا الأمر لا يزال يؤثر علي أحيانا في حياتي، حتى أنني عند الحديث عندما يطلب مني شيء أخاف وأتردد، وكل ذلك فقط بسبب كلام الناس، أراجع نفسي كثيرا وأحزن لأني فعلت كذا أو قلت كذا، وأتمنى لو كنت تصرفت أو تكلمت بطريقة مختلفة، وأشعر بالضيق والحزن.

ربما تكون هذه السلبية التي أعاني منها هي السبب في تأثير الوسواس القهري لدي، وحتى مع الفتاة التي أحببتها وحصل بيننا خلاف، كنت دائما أرغب في التقرب منها بأي طريقة ممكنة، وعلى الرغم من ارتباطي بها، أشعر باستمرار بأن هناك شيئا ناقصا في حياتي، حتى أصبحت غير سعيد.

أجد نفسي أنظر إلى الآخرين وكأنهم يملكون ما أفتقده، خاصة عندما أرى حبا متبادلا بين شاب وفتاة، وحديثهما عن الحب والغرام، وأتمنى أن أحب فتاة وتحبني بالمقابل، وأرغب في الخطوبة، لأنني أفتقد شخصا يحن علي ويحبني ويراعيني، وأشعر أنني فقدت ذلك الحب الذي كان يعطيني القوة في أصعب الظروف.

أعلم أنني تحدثت في عدة مواضيع، لكنها كلها تتعلق بي، لأني لم أصرح بمشاكلي لأي أحد، وأكتمها دائما في قلبي، فأرجو منكم أن تساعدوني، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.

هناك ثلاثة أسس رئيسية في التعامل مع النفس، أو ما نسميه بالتعامل مع الذات، هي: أولا، أن يقيم الإنسان نفسه، ثم يفهم نفسه، وبعد ذلك يحاول أن يطور من نفسه، وليقيم الإنسان نفسه لابد أن يكون متجردا ودقيقا وصادقا، ولا يقسو على نفسه، فكثير من الذين يذكرون أنهم يفتقدون الثقة بأنفسهم -أو لديهم نظرة سلبية نحو أنفسهم- تجدهم قد بنوا ما توصلوا إليه من خلال تفكير معرفي مشوه وسلبي، والذي أريد أن أصل إليه الآن: أريدك أن تجلس مع نفسك جلسة صادقة، وتقيم نفسك تقييما صحيحا:
- ما الذي أنجزته؟
- ما الذي فعلته؟
- ما هي مصادر قوتك؟
- ما هي مصادر ضعف شخصيتك؟
وهكذا مثل هذه الأسئلة اطرحها على نفسك، ويجب أن تكون دقيقا ومنصفا لنفسك، ولا تقسو عليها.

تشير الدراسات إلى أن معظم الذين يقللون من شأن أنفسهم، تكون أحكامهم خاطئة، وأنا من واجبي كمعالج أن أذكرك بهذه الحقيقة؛ لأنها نقطة الانطلاق الرئيسية، ولدي شعور أنك إذا أعدت تقييم نفسك وذاتك، سوف تكتشف أن كثيرا من الأشياء التي تسيطر على تفكيرك ليست صحيحة، ولا بد أن تسأل نفسك، حتى إذا وصلت إلى قناعة أنك إنسان سلبي؛ فيجب أن تكون هناك أمور محددة وواضحة، بأن تقول لنفسك: "أنا سلبي في كذا، فلابد أن أصححه وأستبدله بفعل إيجابي كذا" العموميات هنا ليست مفيدة، ويجب أن تكون الأمور محددة ودقيقة، وهذا هو التعويض أو التبديل المعرفي، أي أن تبدل الفكرة السلبية، إذا كانت فعلا موجودة، تستبدلها بفكرة إيجابية أخرى.

بعد أن تنتهي من هذا التقييم، ستفهم ذاتك، تفهم ما لك وما عليك، ما هي مصادر القوة الحقيقية وتحاول أن تنميها، وما هي مصادر الضعف الحقيقية وتحاول أن تتجاوزها، وبعد ذلك تنتقل إلى مرحلة وهي (تطوير الذات)، وتطوير الذات هي الخطوة الثانية، وتقوم على مبدأ التصور الإيجابي عن النفس، وإدارة الوقت بصورة صحيحة؛ لأن إدارة الوقت تجعل الإنسان ينجز إنجازات تشعره بأنه نافع لنفسه ولغيره، وهذا يوصلك -إن شاء الله- إلى قمة الرضا.

أخي الفاضل: أشعر بأن هناك درجة كبيرة من القلق تسيطر عليك، فالقلق السلبي يجعل الإنسان مترددا، متخوفا، ولا يثق في مقدراته، وقد تتكون لديه أيضا أنواع من الوساوس، وحتى الخوف أو الخجل الاجتماعي ربما يسيطر على الإنسان، وأنا أعتقد أن شيئا من هذا قد أصابك -أخي الكريم-ولذا أرجع مرة أخرى وأقول لك: يجب أن تضع برامج يومية، هذه البرامج تتضمن التواصل مع الآخرين، وحين تتكلم مع الناس يجب أن تنظر في وجوههم، وعليك أن تمارس بعض اللقاءات الجماعية، مثل لعب كرة القدم مع أصدقائك، وحضور حلقات العلم والتلاوة، فهذا فيه فائدة كبيرة جدا لتطوير الإنسان اجتماعيا وذاتيا، وعليك أيضا بالقراءة والاطلاع، ومشاهدة البرامج الجيدة والمفيدة.

أما بالنسبة لرغبتك في إقامة علاقة طيبة مع فتاة، فلا ينبغي اعتبار هذه العلاقات مكملة لشخصية الإنسان، فالرجل المسلم مطالب بأن يتصرف وفق تعاليم دينه، وكذلك الفتاة، ومن ثم من المهم أن تتأمل جيدا في الهدف الحقيقي من هذه العلاقات، إذ قد لا تسهم هذه العلاقات في بناء شخصيتك بشكل إيجابي، بل قد تؤدي أحيانا إلى مشاعر وجدانية سلبية، وبعد ذلك عليك أن تبحث عن زوجة صالحة تتمتع بالدين والخلق، فالزواج بطبيعته ميثاق غليظ يقوم على المحبة والسكينة والرحمة، وستجد ذلك بإذن الله، فلا تجهد نفسك بأفكار وسواسية حول هذا الموضوع.

سأصف لك دواء جيدا ومفيدا لعلاج المخاوف، والوساوس والقلق والتردد، الدواء يعرف تجاريا باسم (سيروكسات، Seroxat) ويعرف علميا باسم (باروكستين، Paroxetine)، أرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة نصف حبة (عشرة مليجرامات) يوميا، ويفضل تناوله بعد الأكل، استمر على هذه الجرعة لمدة أسبوعين، بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبة كاملة يوميا لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى نصف حبة يوميا، واستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة يوميا يوم بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

أخي الكريم: يوجد كتاب جيد جدا عنوانه: (التعامل مع الذات) للدكتور بشير صالح الرشيدي، أرجو أن تتحصل عليه وتقرأه، وأسأل الله أن يجعلك فيه من الفائدة، كما أن كتاب الدكتور عائض القرني (لا تحزن) من الكتب الجيدة والمفيدة جدا، وهناك عدة مؤلفات فيما يخص تنمية الذات، ولكن من وجهة نظري الأمر واضح جدا، أن تصحح مفاهيمك السالبة حول ذاتك، وأن تبني مفاهيم إيجابية جديدة، وأن تدير وقتك بصورة صحيحة، حتى تكون نافعا لنفسك ولغيرك، وهذا هو المطلوب.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكر لك تواصلك مع استشارات إسلام ويب.

مواد ذات صلة

الاستشارات