السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أكتب إليكم عن معاناة أختي، ودموعي لا تفارق عيني حزنا عليها وعلى حالتها، أختي تبلغ من العمر 24 عاما، وهي شخصية انطوائية وغير اجتماعية إطلاقا، تعاني من الوسواس القهري، خاصة في مسائل الطهارة والصلاة، وتردد دوما أن الله لن يقبل صلاتها، وأنها في النار، حين تسخن الماء لإعداد الشاي أو القهوة، تتخيل أحيانا أنها قد تشوه وجه أحدنا به، بسبب شدة حرارة الماء.
منذ شهر تقريبا، لاحظت تغيرا كبيرا جدا في تصرفاتها دون سبب واضح؛ أصبحت شديدة الشرود والسرحان، دائمة الحزن، وتفزع بشدة عند سماع أي صوت، ثم تسألنا: هل سمعتم هذا الصوت؟ وإن قلنا: لا -بسبب انشغالنا أو عدم انتباهنا-، يتغير وجهها، وتبدأ في الارتجاف، ثم تذهب لتتأكد من مصدر الصوت، حتى لو كان مجرد طقطقة من جهاز التكييف.
عندما سألتها عما بها، أنكرت وجود أي مشكلة، لكنني لا أصدقها، وفي أحد الأيام، كان جهاز الكمبيوتر الخاص بها مفتوحا، فاطلعت عليه، وصدمت مما رأيت، كانت هناك مراسلات بينها وبين شخص يدعي معرفته بعالم الجن والمس، أخبرها أن الخوف الشديد قد يؤدي إلى المس -وهي منذ طفولتها شديدة الخوف-، وقال لها إن الجن يدخلون عقل الإنسان، ويعبثون به، ويمتصون دمه، ويجعلونه يشم روائح غريبة ويسمع أصواتا، ثم طلب منها مراسلته عبر الماسنجر، مدعيا أنه قادر على علاجها.
عندما واجهتها، اعترفت بأنها تعتقد أنها مصابة بالمس، وأن الجن يسكنون عقلها وسيؤذونها، ترجيتها أن تذهب إلى طبيب نفسي، لكنها رفضت، وقالت إنها أحيانا تشعر بسخافة فكرة أن الجن يسكنون في مخها، لكنها لا تستطيع التخلص من هذه الفكرة، لأنها تسيطر عليها تماما، ولا تملك مقاومتها، كما تقول.
ماذا أفعل مع أختي؟ إن بقيت على هذا الحال، أخشى أن تصل إلى مرحلة الهلاوس وتفقد عقلها، فكيف يمكنني إقناعها أن بعض الأصوات التي تسمعها قد تكون طبيعية، كصوت طقطقة التكييف، أو أصوات أخرى لا يلتفت إليها الأشخاص السليمون نفسيا؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد وصلتنا رسالة قبل أيام مشابهة لرسالتك هذه، والإجابة على استفسارك حول أختك وما يمكن تقديمه لها، فأقول لك: بالفعل، إنها تعاني من وساوس قهرية من النوع الشديد المطبق، ويعرف أن الوساوس القهرية حين تكون بهذه الدرجة، تدخل الإنسان في حالة تشبه الذهان، ويصاحبها نوع من القلق الشديد وفقدان التركيز، ولا شك أن الوساوس في حد ذاتها، تؤدي أيضا إلى اكتئاب ثانوي، وهذا كله تعاني منه هذه الأخت الفاضلة، نسأل الله تعالى لها الصحة والعافية.
هناك محور آخر مهم، وهو اعتقادها بهذه الصورة الخاطئة حول المس والجن، كما أن الشخص الذي أثر عليها من خلال الموقع الذي كانت تتواصل معه فيه، لا شك أنه أضر كثيرا بصحتها النفسية، وأعتقد أنه من الواجب تصحيح مفاهيمها حول هذا الأمر، وأفضل أن تتواصل معها إحدى الأخوات الداعيات، حيث تستطيع الأخت الداعية أن تقرأ عليها، وترقيها، وتصحح مفاهيمها، فالإنسان في معية الله وحفظه، وهذا الذي يثار حول الجن والمس معظمه خرافات، وليس كله صحيحا، فالجن موجودون، والمس موجود، والعين حق، وهذه كلها نعترف بها تماما، ولكن أدخلت الكثير من المغالطات والأفكار الخاطئة التي أضرت بصحة الناس، فأرجو أن تذهبوا بها إلى إحدى الأخوات الداعيات.
الأمر الآخر: هذه الأخت في حاجة شديدة إلى العلاج، وأعتقد أن العلاج الدوائي يجب أن يكون المرحلة الأولى؛ لأن الوساوس بهذه الصورة المطبقة، لا بد أن تكون قد أثرت على كيمياء الدماغ، وكيمياء الدماغ إذا لم تصحح لا نعتقد أن هذه الأخت سوف تتحسن حالتها، فالوضع المثالي هو أن تذهب بها إلى الطبيب النفسي، وأعتقد أن المحاولة الأولى ما دامت قد فشلت، يمكنكم المحاولة مرات ومرات، عسى أن تقتنع وتذهب إلى الطبيب، وإذا رفضت الذهاب إلى الطبيب، يمكنكم إما أن تتواصلوا مع أحد الأطباء الموجودين في المنطقة هاتفيا، أو تزوروه وتشرحوا له حالتها، ويمكنه من ثم وصف الدواء لها، وإذا لم يكن ذلك ممكنا، يمكنني أن أصف بعض الأدوية -وإن لم تكن هذه الطريقة هي الصحيحة والمثالية-.
هناك أدوية كثيرة تعالج هذه الحالة، منها دواء يعرف تجاريا باسم (بروزاك، Prozac)، ويسمى علميا باسم (فلوكستين، Fluoxetine)، يمكن أن تبدأ الأخت بتناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، ويفضل تناوله بعد الأكل، وتستمر على هذه الجرعة لمدة أسبوعين، ثم ترفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، وتستمر عليها لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى ثلاث كبسولات في اليوم، وهذه هي الجرعة العلاجية، يمكن أن تتناول كبسولة في الصباح وكبسولتين مساء، ويجب أن تستمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر على الأقل، ثم بعد ذلك يمكن أن تخفض الجرعة إلى كبسولتين يوميا لمدة ستة أشهر أخرى، ثم إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة عام.
هذا الدواء جيد وسليم ومفيد، وهو غير إدماني وغير تعودي، ولا يؤثر على الهرمونات النسوية أبدا، وإذا التزمت هذه الأخت بتناوله بالدقة والتفصيل -الذي ذكرناه- فإن شاء الله تعالى سوف يفيدها كثيرا.
بجانب البروزاك، هناك دواء يعرف تجاريا باسم (رسبريدال، Risperdal) أو ما يسمى علميا باسم (رسبيريدون، Risperidone)، يجب أن تتناوله هذه الأخت، وهذا دواء مساعد، وليس دواء رئيسيا، فالدواء الرئيسي هو البروزاك -كما ذكرنا- جرعة الرسبيريدون هي واحد ملغ يوميا، ويفضل تناوله ليلا، وبعد أسبوعين ترفع الجرعة إلى اثنين ملغ ليلا، وتستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفض مرة أخرى إلى واحد ملغ ليلا لمدة ستة أشهر، ثم يمكن أن تتوقف عنه.
هناك أدوية كثيرة تستعمل لعلاج الوساوس القهرية، منها الـ (فافرين، faverin)، والـ (سيروكسات، Seroxat)، والـ (سيبرالكس، Cipralex)، والـ (زولفت، Zoloft)، وكلها أدوية تساعد في علاج الوساوس والمخاوف والقلق والتوتر، وهي بلا شك محسنة للمزاج، ولكن من وجهة نظري أن البروزاك ربما يكون هو الأفضل لهذه الأخت الفاضلة؛ حيث إنه قليل الآثار الجانبية.
بعد أن تتحسن حالتها على الدواء، أعتقد أنها سوف تقبل أن تذهب إلى الطبيب، أو على الأقل إلى أخصائية نفسية؛ حتى تطبق معها العلاجات السلوكية المعروفة في علاج الوساوس القهرية.
نسأل الله لها العافية، ونشكرك على اهتمامك بأمرها، وشكرا لتواصلك مع إسلام ويب، وبالله التوفيق.