أصبحت انعزالية وكثيرة الصمت بعد أن كنت اجتماعية، فكيف أتجاوز ذلك؟

0 6

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكركم كثيرا على هذا الموقع الرائع، وأشكر د. محمد عبد العليم على ردوده الطيبة والوافية، كما أشكره على سعة صدره، فجزاه الله خيرا، وأثابه على ذلك.

أما بعد:
أنا فتاة عمري 19 سنة، طالبة في السنة الأولى بالجامعة، وبفضل من الله تعالى ملتزمة بحدوده. هذه بعض المعلومات عني.

أما مشكلتي التي أوجعتني وآلمتني نفسيا فهي أنني حسب تشخيصي لنفسي أعاني من قلق اجتماعي واكتئاب، وربما يكون تشخيصي صحيحا وربما خاطئا، فأنا أريد التشخيص الصحيح منكم.

منذ سنتين ونصف بدأت مشكلتي، عندما تعرضت لموقف سبب لي ألما نفسيا شديدا، فقد كنت في الفصل، ورفعت يدي بحماس لكي تختارني المعلمة لأقرأ، لأني أعلم مدى حسن قراءتي وسلامة نطقي ووضوح صوتي.

لكن عندما بدأت القراءة بدأت ضربات قلبي تتسارع، وجف حلقي، وتهدج صوتي، وشعرت برجفة، وفقدان التركيز.

كنت أعلم أن الجميع لاحظ ذلك، واستغربوا مثلي، فأنا عادة جريئة، كيف يحصل لي ذلك؟ وبصعوبة بالغة وصلت إلى النهاية، وأنا ألهث، ثم انتهيت من القراءة، ومنذ ذلك الحين اعتزلت القراءة.

بعد هذا الموقف، بدأت تأتيني نوبات رهاب عند القراءة فقط، ثم بدأ الرهاب يزداد ويتشعب ويتفرع، وأصبحت أصاب بالرهاب في الاجتماعات إذا توجهت الأنظار إلي، وإذا تحدثت أنهي حديثي بسرعة؛ حتى لا تظهر علي أعراض الرهاب.

وأصبحت لا أجيد الكلام وأتلعثم كثيرا، وعندما يوجه الأستاذ لي سؤالا في المحاضرة أشعر بأعراض الرهاب فأمتنع عن الإجابة رغم معرفتي، وهذا أثر علي دراسيا ونفسيا.

في السنة الماضية، عندما كنت أدرس في الثانوية العامة، كنت أهرب من حصص القراءة لكي لا أقرأ، وكان البعض يراني شقية وغير منضبطة بسبب هروبي من الحصص، ولكن ما باليد حيلة، والله أعلم بالحال.

وأحيانا عندما ينادي الأستاذ اسمي لأجيب بـ"نعم" ليأخذ الحضور، تزداد ضربات قلبي وأتوتر خوفا من قولها، (سبحان الله، إلى أي حال وصلت الأمور).

أصبحت انعزالية ومنطوية تماما وكثيرة الصمت، بعد أن كنت اجتماعية وقيادية.

أنا الآن في الجامعة وحيدة تماما، ومزاجي دائما متعكر، وأشعر بضيق في الصدر خاصة في الجامعة، وكنت أشعر بهذا الضيق أيضا في السنة الأخيرة في المدرسة رغم وجود صديقاتي معي.

تأتيني أحيانا رغبة شديدة في إنهاء حياتي، ولو كان الانتحار حلالا لأقدمت عليه، لكننا عباد الله، وملتزمون بحكمه وشرعه، ونخاف من عقابه سبحانه وتعالى.

مزاجي غالبا عسر، وأثور وأغضب بشدة لأتفه الأسباب، وأشعر بعدم الثقة بالنفس، وأصبحت خجولة، وأشعر بالوحدة بشدة، وتوتر، وأحيانا تشتت في الانتباه وضعف في التركيز، ونومي متقطع وغير عميق أبدا.

أحيانا أجد صعوبة في إخراج الكلمات مع شعور بضيق في الصدر، وأشعر بالإحباط والنقص، وفقدت الاستمتاع بأي شيء في هذه الحياة، ونظرتي للمستقبل سوداوية تماما، وأشعر بضيق شديد على حالي وما وصلت إليه.

لا أريد أن أبقى هكذا إطلاقا، ولا أريد العيش بهذه الحالة.

بدأت أفكر في تغيير تخصصي لأنني علمت أن تخصصي يتضمن مقررا لحفظ جزء أو جزءين من القرآن الكريم، وفي هذا المقرر يجب أن أقرأ في قاعة الدرس، ولكني مترددة لأنني أعتبر تغيير تخصصي استسلاما، وأنا لا أريد أن أستسلم.

شكرا لكم، وآسفة على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن حالتك بسيطة جدا بإذن الله، وأتفق معك أنك تعانين من رهاب أو قلق اجتماعي، وقد كان الرابط النفسي واضحا جدا، وهي الحادثة التي حدثت لك في الفصل.

كنت أكثر استعدادا وحماسا لتختارك المعلمة، ولكن الأمور لم تسر كما توقعت، مما حرك فيك طاقة القلق السلبي التي ظهرت في شكل خوف وتلعثم وعدم ارتياح.

وبعد هذه الحادثة، بالطبع، بدأت لك احتقانات نفسية أخذت طابع ما نسميه القلق التوقعي، أي أنك أصبحت تتوقعين القلق عند المواجهة الاجتماعية.

ولا شك أن هذا أيضا فيه شيء من الوساوس، وبدأ القلق والخوف الاجتماعي يسيطران عليك، وهذا يتطور تدريجيا.

فأنت بالفعل أعطيت صورة مثالية للتطور الطبيعي للقلق الاجتماعي، وكل هذا نتج عنه شيء من عسر المزاج، الذي أوصلك إلى مرحلة متوسطة من الكدر، وهذا كله، إن شاء الله، سوف يعالج.

ليس هناك ما يدعوك أبدا للتفكير في الانتحار، ولا حتى لأن تعيشي حياة فيها شيء من الكدر والإحباط، فإنك -والحمد لله- لديك أشياء إيجابية كثيرة جدا في حياتك، ولديك مقدرات، وهذه الحالات أؤكد لك أنها تعالج، وتعالج بصورة ممتازة.

أود منك أن تبدئي في تناول العلاج الدوائي، وأرجو ألا تعتبري أنني تجاهلت الأسس العلاجية الأخرى، ولكن في مثل حالتك أعتقد أن البداية بالدواء سوف تمهد لك الطريق لتطبيق الممارسات السلوكية، التي تساعد على تغيير حالتك تماما.

هناك ثلاثة أو أربعة أدوية كلها جيدة لعلاج مثل هذه الحالات، منها:
- دواء يعرف علميا باسم (باروكستين، Paroxetine) ويعرف تجاريا باسم (سيروكسات، Seroxat).
- وآخر يعرف علميا باسم (سيرترالين، Sertraline) ويعرف تجاريا باسم (زولفت Zoloft)، أو (لوسترال، Lustral).
- وثالث يعرف علميا باسم (اسيتالوبرام Escitalopram) ويعرف تجاريا باسم (سيبرالكس Cipralex).

أعتقد أن السيروكسات سيكون جيدا ومفيدا لحالتك، فابدئي بتناوله بجرعة نصف حبة (عشرة ملليجرامات) يوميا، ويفضل تناوله بعد الأكل، ويمكنك تناوله ليلا، وبعد عشرة أيام يتم رفع الجرعة إلى حبة كاملة، والاستمرار عليها لمدة شهر، ثم بعد ذلك تكون الجرعة حبة ونصف، ويمكن تناولها كجرعة واحدة، وبعد شهر يتم رفع الجرعة إلى حبتين.

هذه ليست جرعة كبيرة أبدا، هي جرعة علاجية صحيحة في مثل حالتك، علما بأن جرعة السيروكسات يمكن أن تصل إلى أربع حبات في اليوم، ولكن لا أعتقد أنك في حاجة لهذه الجرعة الكبيرة.

واصلي على جرعة حبتين في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك خفضي الجرعة بمعدل نصف حبة كل شهرين، وحين تصلين إلى نصف الحبة الأخيرة استمري عليها لمدة شهر، ثم بعد ذلك تناولي نصف حبة يوما بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم يمكنك التوقف عن السيروكسات.

دواء السيروكسات ممتاز لعلاج الخوف والرهاب الاجتماعي، بالإضافة إلى القلق والوساوس؛ كما أنه يحسن المزاج ويخفف الكدر، بإذن الله.

هذا الدواء آمن، غير إدماني ولا يسبب تعودا، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، العيب الوحيد هو احتمال زيادة بسيطة في الوزن عند بعض الأشخاص، لكن يمكن التحكم في ذلك من خلال ممارسة الرياضة وتنظيم النظام الغذائي.

هذا من ناحية التشخيص وكذلك العلاج الدوائي.

أما بالنسبة لباقي العلاجات، فمن المهم أن تعملي على بناء صورة إيجابية عن نفسك، وألا تسمحي للصورة السلبية المشوهة أن تسيطر عليك، وحاولي تنظيم وقتك بشكل جيد.

وهناك علاجات سلوكية خاصة للخوف والرهاب الاجتماعي، تقوم على مبدأ المواجهة، فإن المبدأ السلوكي يقول: الإنسان يجب أن يعرض نفسه لمصدر خوفه، وهذا التعرض يمكن أن يكون في الخيال، ثم ينزل بعد ذلك إلى أرض الواقع.

يتطلب التعرض في الخيال الآتي:
- أن تجلسي في مكان هادئ.
- أن تتأملي في موقف اجتماعي كبير، مثل طلب تقديم عرض حول موضوع معين أمام مجموعة كبيرة من الأساتذة وزميلاتك الطالبات.
- أن تستغرقي في هذا الخيال مدة لا تقل عن ربع ساعة.
- من الأفضل أن تبدئي بتحضير موضوع معين، وتسجليه على جهاز التسجيل، مع تخيل أنك تخاطبين هذه المجموعة.
- بعد ذلك، استمعي لما سجلته، وستجدين أن أداؤك جيد.
-كرري هذا التمرين عدة مرات لتحسين مهاراتك.

من المعروف أن الأشخاص الذين يعانون من الخوف والقلق الاجتماعي يواجهون أعراضا جسدية وفسيولوجية مكبرة جدا، مما يسبب لهم تخوفا مستمرا، ويضعف ثقتهم بأنفسهم، وأؤكد لك أن هذه الأعراض -مثل التلعثم والشعور بأن الآخرين يراقبونك- مبالغ فيها بشكل كبير.

أرجو أن توسعي نشاطاتك الاجتماعية، واحضري الدروس والمحاضرات، ويفضل أن تذهبي إلى أحد مراكز تحفيظ القرآن، فهذا فيه خير كثير وسيطور من مهاراتك.

أريد منك أيضا ألا تغيري التخصص، بل على العكس اذهبي إلى التخصص الذي يتضمن مقرر الحفظ، لأن التجنب فيه يعزز الخوف، والمواجهة هي التي تؤدي إلى زوال الخوف والتردد.

هناك تمارين استرخاء مفيدة جدا يمكنك الاستفادة منها، ومنها ما يوفره الدكتور "صلاح الراشد" عبر كتبه وفيديوهاته المتوفرة على اليوتيوب، مثل جلسة "تحرر من مخاوفك في جلسة استرخاء"، وكذلك تمرين (21×14) الذي يعتبر من أفضل التمارين في هذا المجال، بالإضافة إلى ذلك، هناك فيديوهات وتمارين يقدمها الدكتور نجيب الرفاعي.

أنصحك بتطبيق هذه التمارين بانتظام وبتركيز، وستلاحظين بإذن الله تحسنا ونتائج إيجابية ملموسة.

هناك أيضا مجموعة من الكتب المفيدة التي يمكنك قراءتها، منها كتاب الدكتور "بشير صالح الرشيدي" من الكويت بعنوان: (التعامل مع الذات)، وكتاب "دانيال كارنيجي" الشهير: (دع القلق وابدأ الحياة)، بالإضافة إلى كتاب الدكتور الشيخ "عائض القرني": (لا تحزن).

أنصحك بالحصول على هذه الكتب ومحاولة الاستفادة منها بأقصى قدر ممكن، ونسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات