كيف أتخلص من الوحدة وأستغل فراغي؟

0 660

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سأروي عليك مشكلتي يا شيخي الكريم.

درست الهندسة في بلدي، ثم تزوجت وسافرت مع زوجي إلى بلد عربي، لكني لم أعمل هناك؛ لأن عمل المهندسة في هذا البلد غير مرغوب به الآن، وأنا صار لي متزوجة أكثر من سنتين، ولدي ولد -والحمد لله- ولكني أعاني من الوحدة، والحالة النفسية والمزاجية متقلبة، حتى ابني لا أصبر عليه أحيانا، حاولت أن أشغل نفسي بالبيت وأموره ولكني تعبت من هذه الحالة، أما علاقتي مع الله فإني أؤدي الفرائض والسنن، ولكني لا أقرأ القرآن كثيرا، ولا أعرف أشخاصا كثيرين في هذا البلد، اقترح علي زوجي فكرة التدريس في أحد المدارس الخاصة.

أرجوك انصحني ماذا أفعل؟ وكيف أملأ وقتي بالمفيد وتكون علاقتي بزوجي وولدي ممتازة؟

شكرا جزيلا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ يارا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع.

فإنه مما لا شك فيه أن هذا الفراغ يعتبر فراغا قاتلا؛ لأن الإنسان بعد أن عاش سنوات طوال تصل إلى خمسة وعشرين عاما وهو يخرج من البيت صباحا منذ أن كان طفلا صغيرا حتى انتهى من دراسة الجامعة وهو يحتك بالناس ويتواصل مع الناس، ويرى عشرات بل مئات أحيانا في اليوم الواحد، ثم إذا به يتحول إلى إنسان يعيش في بيت بين جدران أربعة، لا يرى إلا شخصا أو شخصين فقط، وتمر عليه الساعات الطوال، مما لا شك فيه أن هذا إهدار للطاقة، ومما لا شك فيه أيضا أن هذا يؤدي فعلا إلى حالات من التوتر والاكتئاب وعدم الاستقرار النفسي؛ لأن هذا خروج عن المألوف الذي تعوده الإنسان، خاصة وأنك كنت طالبة وانتهيت من الدراسة، ومعظم حياتك تقريبا كانت في التعامل مع الناس سواء كان في الجامعة أو ما قبلها أو في الطريق العام أو غيره.

وأنا أقول لك -أختي الكريمة الفاضلة- مما لا شك فيه أنه لابد لنا أن نبحث عن أشياء نملأ بها هذا الفراغ؛ لأننا إذا لم نفعل ذلك فأعتقد أنك ستفقدين أمورا عزيزة عليك للغاية، وتتخذين قرارات غير موفقة.

أقول: لا مانع من قبول فكرة زوجك؛ لأن المدارس في المملكة العربية السعودية ليس بها اختلاط، ومن الممكن بذلك أن تقومي بدور طيب في تعليم أبناء المسلمين، وخاصة أنه من الممكن أيضا أن تأخذي ولدك معك إلى المدرسة أو الروضة الموجودة في عملك، وبذلك تستطيعين أن تقضي وقتا ممتعا في إفادة الناس، وفي قضاء وقتك في عمل هادف ومفيد وبناء، ألا وهو تربية أبناء المسلمين.

فهذه فكرة طيبة لو وفقت إليها أعتقد أن ذلك سيكون خيرا، خاصة وأن زوجك هو الذي سيقوم بإيصالك إلى المدرسة وردك منها، وهذا الأمر سيجعل حياتك مفيدة وهادفة، وستشعرين بأنه قد أصبحت لك رسالة.

ولكن على فرض أن هذا لم يتأت فهناك المشاريع المهمة جدا، وهي التي ينبغي أن لا نغفل عنها وهي مشاريع الآخرة؛ لأن الدنيا إذا كان الله قد كفاك شرها وكفاك مؤنتها وأنت الآن معززة مكرمة في بيتك مخدومة، فمن الممكن أيضا أن تتوجهي كل تفكيرك للآخرة، وذلك بعمل برنامج علمي مفيد على قدر مستواك، ومحاولة تعلم العلوم العينية أولا، والعلوم العينية ما يتعلق بعلم العقيدة، وعلم العبادات فيما يتعلق بالطهارة، بالاغتسال، وكذلك أيضا فيما يتعلق بالعبادات الأخرى في أوقاتها، كذلك أيضا بعلم المحرمات، ما هي المحرمات التي حرمها الله تعالى علينا، بعلم مستقل أيضا فروض الأعيان، كذلك أيضا بعلم العلاقات الإنسانية، بصلة الأرحام، ببر الوالدين، بحقوق الزوج، كذلك الأخلاق... هذه كلها علوم نحتاج أن نقرأ فيها بتأن.

فأنا أقول: اعتبري نفسك الآن طالبة بدأت دراسة في معهد من معاهد الدعوة وتضعين لنفسك برنامجا، على أنك تستمرين في هذا البرنامج، وتجعلين لنفسك حصصا منتظمة ولو يوميا، بمعنى أنك تأخذين الأمر مأخذ الجد، ولا تتراجعي ولا تتواني.

وإضافة إلى ذلك أيضا برنامجا لحفظ القرآن الكريم، وأنت في المملكة -أختي الفاضلة - هناك مئات إن لم تكن آلاف من مراكز التحفيظ النسوية والرجالية، فمن الممكن - إن شاء الله تعالى - أيضا أن تلتحقي بأحد هذه المراكز لتبدئي حفظ القرآن الكريم، وبذلك تستغلين هذا الوقت الشاغر في حفظ كلام الله تبارك وتعالى، ومن أدراك لعله يمر عليك عام واحد وقد من الله عليك بحفظ كتابه جل جلاله سبحانه، وتكونين من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.

إذن من الممكن أن نبدأ مشروع حفظ القرآن عن طريق المشاركة في أحد مراكز التحفيظ، أيضا من الممكن أن نضع برنامجا علميا متوسطا وبسيطا في الأول، على أننا ننتهي منه كما لو كان مثلا معهدا من معاهد الدعوة.

أيضا هناك محاضرات وأنشطة ثقافية موجودة، من الممكن أن تذهبي إليها وأن تقوي علاقاتك بالأخوات الصالحات؛ لأن المجتمع السعودي مجتمع محافظ، وقطعا ستجدين حولك من خلال هذه المحاضرات عشرات من الأخوات الصالحات من أهل البلد الذين يستطيعون أن يمدوا معك أواصر المحبة والمودة، وأيضا من الممكن أن تقضي معهم بعض أوقات الفراغ بعد ترتيب الأمر مع زوجك.

إذن هذا الكلام مفيد جدا ورائع، ولعل الله تعالى أن يفرغك له في حفظ كتابه أيضا وتعلم العلم الشرعي، وبعد فترة تستطيعين أن تفتحي بيتك لاستقبال طالبات العلم الشرعي؛ لأنك من الممكن أن تأخذي إجازة في حفظ القرآن الكريم بأي رواية من الروايات المعتبرة، وتستطيعين - بإذن الله تعالى - أن تفتحي بيتك للتحفيظ مثلا ولو بشيء بسيط من المال ابتغاء مرضاة الله تعالى وهذا ممكن.

العلم الشرعي ضروري جدا، خاصة ما دام لديك فرصة، والمملكة -بفضل الله تعالى- مليئة بالعلماء، ومليئة بحلقات التعليم، وبفضل الله تعالى المناشط العلمية كثيرة جدا، فمن الممكن - بارك الله فيك - أن تلتحقي في مثل هذه المعاهد، وهناك دورات شرعية موجودة في المملكة من الممكن أن تلتحقي بها - بإذن الله تعالى - حتى تستطيعين أن تقضي بعض الفراغ في شيء هادف ومفيد ونافع، والنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، واغتنم خمسا قبل خمس، ومنها فراغك قبل شغلك.

إذن أقول لا مانع من التدريس ويحاول زوجك أن يجتهد فيه، وإن كان حتى الراتب راتبا متواضعا، ولكن يبقى أنك بدأت تساهمين في عملية إعداد الجيل المسلم، وأيضا تتخلصين من هذا الوقت القاتل الذي تعانين الآن منه.

كذلك كما ذكرت لك مشروع حفظ القرآن الكريم بشرط على يد محفظة، وهناك كما ذكرت لك الدورات، وكذلك طلب العلم الشرعي، وعليك بالاجتهاد في الدعاء أن يبارك الله لك في وقتك، وأن يصرف عنك هذه الهموم، وأن يجعلك سعيدة مع زوجك، وأن يعينك على تربية ابنك تربية طيبة صالحة.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات