أريد أن أعيش كباقي الخلق، وأرتاح نفسياً من القلق... فما السبيل؟

0 714

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أولا أشكر لكم هذا الاهتمام الراقي برسائل المرضى والمهمومين والقلقين أمثالي!

باختصار أنا أعاني من قلق غريب، ووسواس مرضي لدرجة أنني قبل مراسلتكم قد بحثت طويلا في قوقل، وعنوان اليوم كان الجلطات الدماغية والوقاية منها!

أنا متعلمة، مقتنعة بنفسي وبدرجة تحصيلي العلمي إلى حد ما، والحمدلله رب العالمين، ما لا يعجبني أبدا هو أني عندي وسواس غريب تجاه الأطباء النفسيين، وهو أنني في كل مرة أقرأ فيها أو أسمع فيها طبيب أشعر أنهم يتقنون فن إقناع المريض بأن كل ما يمر به هو مجرد وساوس، وقلق، وكأنه شيء عابر للتخفيف عنه بينما الشعور به شيء فظيع.

دائما أفكر وأقول أن الأطباء يرسلون لنا إيحاءات نفسية بأننا بخير والآن أنا محبطة، وأشعر أنه لا شيء سوف يفيدني مع أنني استفدت كثيرا من نصائح د. محمد عبد العليم جزاه الله كل الخير، حتى أنني قد حفظت الخطوات، والنصائح كلها تقريبا، جربت كثيرا أن أفكر بإيجابية، وأنني صغيرة على كل هذه الأشياء على الأقل لكن أعتقد أنها أقوى مني ربما وربما لست قادرة على التعامل مع نفسي كما يجب مع أنني لست متشائمة أبدا، وأحب الحياة والفرح لكن!

أصبحت أشعر وكأنني عشت الدنيا، وانتهى كل شيء، لا طعم ولا انتظار ولا حماس لشيء ! أصبحت موسوسة حتى بلا سبب، هذا شعور بشع جدا، أريد أن أشعر بأن أشياء جميلة ما زالت تنتظرني وأتحمس لها وأعيش من أجلها وأشعر بيومي!

وساوس المرض بدأت عندما توفي جدي وجدتي بأمراض خطيرة - رحمة الله عليهم - كنت أراهم أمام عيني بالوجع والأعراض، وكان ذلك يسبب رعبا لي، ولا أدري إن كانت لها كل العلاقة أم أنا "خائفة" وكثيرة التفكير أصلا!

في السنوات الماضية كنت أستطيع السيطرة على هذه المخاوف والقلق، ولم يكن يؤثر كثيرا على مزاجي بل هي مخاوف عامة وعابرة.

من شهرين فقط أو أقل قليلا بدأت الحالة بالازدياد بشكل مفاجئ، ومن بعدها لم تهدأ إلا لفترات بسيطة أو أيام قليلة.

أصبحت أشعر مع التفكير بشيء من الصداع أو الدوخة وشعور النبض برأسي وحلقي مع غثيان خفيف، وضيق تنفس، وبرد، والأبشع من كل هذا أشعر أنني سوف أصاب بالجنون، أو بشيء في رأسي -لا قدر الله- هناك انقباضات أشعر بها خلف عيني، واليوم قبل النوم لم أستطع بلع ريقي بسهولة، فقط بقيت للحظات أحاول ذلك، مع ملاحظة أن النوم متقطع أحيانا، وليس دائما -حسب النفسية في كل يوم-.

أنا شديدة القلق والحساسية وخائفة لأبعد حد، أهتم بنفسي كثيرا، كان لدي وسواس النظافة منذ طفولتي والآن أصبحت أوسوس في صحتي وعمري، أخاف أن أفعل شيئا، وتكون عواقبه شيئا آخر، وهذا ما يجعلني مترددة دائما وخائفة ! أوسوس حتى في صلاتي وعبادتي وعلاقتي بربي، وأحيانا أدعي على نفسي لا أدري كيف ولماذا وكأن هناك صوتين بداخلي واحد لي والآخر عدوي وضدي.

أشعر أحيانا أن رأسي سوف ينفجر من شدة ازدحام الأفكار ومداهمة هذا التفكير، أخاف من هذا الشعور كثيرا، أريد أن أعيش كباقي الخلق وأرتاح نفسيا من كل هذا.

سؤال أخير: هل هذه الأعراض ممكن أن تسبب شيئا أو مرضا عضويا بسبب كثرة التفكير والأعراض الجسدية؟

ملاحظة: أنا أعتني بنفسي جيدا، ولا أحب الدواء، ودائما أتركه كخيار أخير حتى في الصداع العادي.

لا أعتقد أنني انتهيت، ولكن فوضى ما أشعر به تركتني هنا...

شكرا لكم، وجزاكم الله خيرا وفيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ NORA حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن رسالتك رسالة طيبة فيها الكثير من الفكر الذي يستحق الاهتمام والاعتبار.

أولا: أنا أتفق معك أن قضية الطب النفسي فيها الكثير من الخلل بصفة عامة، بالرغم من أن الأمور قد تحسنت في زمننا هذا، إلا أن تعدد المدارس وتعدد الأفكار والحروب التي قامت بين هذه المدارس، السلوكيون حاولوا أن يقضوا على التحليليين، والتحليليين اتخذوا وسائل وطرقا أخرى من أجل البزوغ وإثبات ذواتهم، وكذلك ظهرت المدرسة العضوية، وهكذا.

فالطب النفسي عاش فترة من الصراع، لكن هذه الآن تبلورت في أوضاع أفضل بكثير، فأستطيع أن أقول ما يمكن أن نسميه بالمدرسة التوفيقية، المدرسة التي تعتبر أن معظم الأمراض النفسية لا يوجد لها أسباب، ولكن هنالك عوامل، هذه العوامل فيها الجانب البيولوجي وفيها الجانب النفسي وفيها الجانب الاجتماعي، ومعايير العلاج الصحيحة يجب أن تكون أيضا بيولوجية ونفسية واجتماعية؛ لذا أخذ الرزمة العلاجية متكاملة دائما هو الذي يؤدي إلى النتائج الأفضل.

من حق المريض أن يستمع إليه وأن يفحص الفحص الصحيح، وأن يفهم، هذا مهم جدا، وأن تشرح له الأمور، وأن يشارك في قرار علاجه، هذه هي الأسس الصحيحة في العلاج، ولكن أن يتم الاعتماد فقط على طمأنة الناس، هذا ليس صحيحا، وهذا ليس جيدا، والإنسان إذا كانت به علة من حقه أن يعرفها إذا فعلا أراد أن يعرفها، الطبيب يجب أن لا يخفي أي شيء عن المريض أو كل من يحاول أن يتلقى مساعدة من جهة طبية، نعم الحقائق يجب أن تقال، لا ندعو أن تقال بخشونة أو ترهيب وتخويف للناس، لكن كل صاحب حق يجب أن يمتلكه والطب حقائق ومعلومات، وأن تخفي أو تراوغ أو تطمئن الناس هراء هذا أمر ليس مقبولا أبدا.

بالنسبة لحالتك: الذي أتلمسه هو كما تفضلت، وذكرت فإن الحالة هي حالة قلقية في المقام الأول، والقلق له عدة تشعبات وجزئيات منها الوساوس، منها المخاوف، التوترات العامة، عدم القدرة على التواؤم والتكيف، وعسر المزاج الذي غالبا لا يصل إلى درجة الكدر.

الفكر الوسواسي القلقي دائما يخل بدرجة التركيز لدى الإنسان، ويؤدي إلى شيء من التوهان، وعدم التأكد من الذات، وقد يحس الإنسان أيضا أنه غير واثق بحاضره ولا بمستقبله، ويرى العالم حوله أيضا بمنظار مهتز مما يبعث على التشاؤم. والأعراض الجسدية تكون مصاحبة كثيرا للقلق، ولذا هذه الحالات تعتبر نفسوجسدية.

أنا حقيقة لم أستشعر أنك مريضة حقا، فالذي ورد في رسالتك يدل أنك تعانين من ظاهرة، وهي ظاهرة المخاوف القلقية الوسواسية، وهذه بالطبع تعالج على نفس النمط الذي ذكرناه (النمط البيولوجي والاجتماعي والنفسي).

من الناحية النفسية: تفهمي أن الحالة بسيطة، والاعتماد على التفكير الإيجابي، وتقييم الذات بصورة صحيحة، وأن تعيشي الحياة بقوة والمستقبل بأمل ورجاء، وأن تديري وقتك بصورة صحيحة، وممارسة تمارين الاسترخاء التي ذات فائدة كبيرة، وكذلك التمارين الرياضية، والتواص الاجتماعي، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وأن يحاول الإنسان أن يرفع من مستواه المعرفي والفكري. هذا كله علاج وعلاج مفيد جدا.

أما على النطاق الاجتماعي: فالإنسان يحاول أن يغير من نمطه الاجتماعي، ويحاول أن يكون أكثر توائما وتلائما مع ظروفه، مع السعي لتطوير الذات.

أما العلاج البيولوجي فهو العلاج الدوائي، أنا أقدر تماما تحفظك نحو الأدوية، لكني أؤكد لك أنها سليمة، أنها فاعلة، وأنها مكملة للرزمة العلاجية، الأمر هو بيولوجي -أي دواء- نفسي واجتماعي، متى ما تضافرت هذه الثلاثة تعطينا النموذج الأمثل للعلاج.

أنا أشكرك كثيرا على رسالتك الطيبة الجميلة، وبارك الله فيك، وأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات