هل هناك أشخاص يبدأ نشاطهم في الليل وآخرون في النهار؟

0 545

السؤال

السلام عليكم.

في البداية: ما دفعني لطلب الاستشارة في الموضوع هو أنني رأيت بروفيسورا في علم النفس يتكلم في أحد القنوات ويقول بأن هناك أشخاصا نهاريين، وأن هناك أشخاصا ليليين، فالنهاري يعمل في النهار، والليلي أفضل شيء له هو أن يعمل في الليل، وإنتاجيته في النهار تكون ضعيفة، ولا يستطيع العمل، ويصعب عليه ذلك, كذلك النهاري يصعب عليه العمل بالليل.

ما مدى صحة هذه المعلومة؟
وكيف أربطها مع قوله تعالى: {وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النهار معاشا*}

في الحقيقة: هذه المعلومة جعلتني أفكر كثيرا، حيث إنني كنت في السابق -عندما كنت موظفا بنظام (الورديات أو الشفتات)- كنت أطلب أن أثبت شفتي (عملي) بالليل، وكنت أستمتع كثيرا بذلك حيث هدوء المكان، وكذلك أني متعود على سهر الليل، وليست عندي مشكلة في ذلك.

وفي المقابل أجد صعوبة في الاستيقاظ الباكر في الصباح، والعمل في النهار, وتنتابني ضيقة أثناء العمل, ورغبة في الخروج من العمل.

علما أن لدي اكتئاب، ولكني –الحمد لله- مرتاح مع الدواء.

نومي ليس ثابتا أبدا منذ سنين، فمثلا أنام اليوم بعد صلاة العشاء مباشرة، وأستيقظ قبل الفجر بساعة، ثم أنام غدا بعد العشاء بساعة أو ساعتين, وأستيقظ الفجر, ثم اليوم الذي بعدة أتأخر ساعة أو ساعتين في النوم والاستيقاظ، وهكذا حتى يصبح وقت نومي مرة في الظهر، ومرة في العصر، ثم تجدني أنام بعد المغرب, وهكذا، وهذا الوضع منذ عدة سنين؛ مما يجعلني أحيانا -إذا أصبح وقت نومي هو الساعة العاشرة صباحا- وكان لدي عمل فإني أذهب بدون نوم, وأعود متعبا، وأنام, وهكذا.

فليست لدي ساعة معينة أنام فيها، حاولت أن أعود نفسي على النوم بعد صلاة العشاء مباشرة، وأستيقظ قبل الفجر، ولكن لم أستطع أن أستمر أكثر من 4 أيام، فلا بد من شيء يؤخرني قليلا، فيتأخر الاستيقاظ, وتستمر المعاناة.

وذلك كان سبب الاكتئاب لترك العمل، والآن بعد أن خف الاكتئاب كثيرا -والحمد والفضل لله سبحانه وتعالى- ثم للطبيب الفاضل الذي لن أنساه, ولن أنس فضله -محمد عبد العليم-، ولكن مشكلة النوم لازالت؛ فأحببت أن أستفسر، هل هناك فعلا أشخاص يبدأ نشاطهم في الليل، وأشخاص آخرون في النهار؟

وهل تنصحني أن أبحث عن عمل يكون نشاطي فيه في الليل ؟
وهل هناك أضرار على الصحة على المدى البعيد في حال الاستمرار في العمل في الليل؟

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ طالب رضى الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فنشكرك على كلماتك الطيبة، ونسأل الله تعالى لك العافية والشفاء، وأنت تطرقت لموضوع جميل يستحق الاهتمام.

ما ذكره البروفيسور في علم النفس من أن هناك أشخاصا نهاريين، وأن هناك أشخاصا ليليين، هذا الكلام يردد, ويتم تداوله في بعض المحافل العلمية، لكن لا يمكن أخذه على الإطلاق، فهو أمر نسبي جدا، ويمكن أن نضيف إليه أن هنالك أشخاصا صيفيين، وآخرين شتويين، وآخرين ربيعين، وآخرين خريفيين، وهكذا، هذه التقسيمات موجودة، لكنها لا تقوم أبدا على بحث علمي رصين، هي نوع من الميولات التي يكتسبها بعض الناس، وذلك نسبة لظرف معين جعلهم يتواءمون على وقت معين، أو فصل معين.

ويعرف تماما أن جسم الإنسان أكثر مرونة في التواؤم والتكيف ما بين عمر العشرين إلى أربعين سنة، وفي مرحلة الطفولة المبكرة يصعب على جسم الإنسان التكيف، ويعرف أن هرمون النمو يفرز بكثافة وغزارة، ويفرز أفضل في ساعات النوم، لذا تجد الطفل الرضيع ينام لساعات طويلة، وتجد كبير السن قليل النوم؛ لأنه لا يحتاج أصلا لهذا الهرمون.

ولذا هنالك تطبع أكثر مما هو أمر غريزي وجبلي، ولا نستطيع أن نقول: إنه غريزي أن يوجد شخص ليلي, أو شخص نهاري، إنما هو نوع من التطبع الذي يحدث لبعض الناس، وهذا لا يتناقض أبدا مع ما ورد في القرآن الكريم؛ فالليل لباس، لباس بكل المعنى، الليل فيه الظلام، فيه الهدوء، فيه السكينة، فيه الستر أكثر من النهار، ولا شك في ذلك، وهذا لا يعني أبدا أن لا يعمل الناس بالليل، ويكون العمل بالنهار، لا، لم يقصد أبدا هذا في السياق القرآني، بل قال الله تعالى: {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}, وروي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – كان يتفقد الرعية ليلا.

فإذن الأمر هو أمر نسبي، أمر تطبعي، مكتسب، متعلم، ودراسات كثيرة أشارت أن البعض يفضل العمل في وردية الليل، ليس فقط لأنه قد تطبع على ذلك، فهذا عامل، لكن الأهم من ذلك أنه يستفيد من نهاره في أشياء أخرى بعد أن ينام في جزء من النهار، والبعض يحب الهدوء والسكينة في الليل؛ لذا يفضل أن يكون عمله في الليل.

نوعية الواجبات والأعمال التي تعمل ليلا غالبا لا تكون بمثل مستوى النهار.

وفي ذاك السياق هنالك من يتعب كثيرا من عمل الورديات وعمل الليل، ويحدث له اضطراب, وعدم تناسق في ساعته البيولوجية.

إذن الأمر هو أمر تطبعي، وليس غريزيا، وليس فطريا، هو تعلم سلوكي مكتسب.

بالنسبة لك الذي تحتاجه هو أن تطبع نفسك على منهج معين، والساعة البيولوجية للإنسان قد تتأرجح, وقد تتذبذب، لكنها في نهاية الأمر سوف تستقر على التطبع الذي ينتهجه الإنسان، وكما ذكرت لك المرحلة العمرية مهمة جدا، هنالك مرونة كبيرة جدا في الساعة البيولوجية ما بين عمر العشرين إلى الأربعين، لكن بعد ذلك قد تكون هنالك صعوبات شديدة، ومردود سلبي على الصحة النفسية والجسدية للإنسان, خاصة الذين يضطرون لعمل الورديات والمناوبات.

فإذن ليس لديك مشكلة أبدا، حاول أن تأخذ نسقا ونمطا معينا في النوم، ولا تستعجل النتائج؛ لأن الأمر يتطلب الصبر، وأود أن أضيف لك أيضا أنه يعرف أن (المليتونين Melatonin) تفرز مادة في الدماغ من غدة تعرف باسم (غدة بانيل panel)، هذه المادة تساعد كثيرا في تنظيم النوم بصورة طبيعية وتلقائية؛ لذا تجد الكثير من الذين يعملون في شركات الطيران كالطيارين والمضيفين يتناولون هذا العقار من وقت لآخر؛ لأنه هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لهم لتنظيم نومهم، فلا مانع أن تتناول شيئا من (المليتونين).

كما أن التمارين الرياضية مهمة جدا، الذي يود أن يكون نومه ليلا يجب أن يمارس الرياضة نهارا، والعكس صحيح.

فإن شاء الله تعالى أمورك طيبة جدا، وأنا أقول لك: العمل ضروري ومهم، وإن كنت ترى أنك سوف تتطبع على العمل ليلا، وترتاح له فليس هنالك ما يمنع أبدا، ليس هناك مانع، وأنا أعتقد أنه لا توجد أضرار, وأنت لم تذكر عمرك، لكن أتخيل أنك لم تصل إلى الخمسين من العمر، وقبل هذا العمر لا بأس أبدا من أن يطبع الإنسان نفسه وجسده ومكوناته الفسيولوجية على نمط معين مثل العمل ليلا, والنوم في ساعات النهار.

وللمزيد من الفائدة طالع العلاج السلوكي للاكتئاب: (237889 - 241190 - 262031 - 265121 ).

نسأل الله لك الشفاء والعافية, والتوفيق والسداد، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مواد ذات صلة

الاستشارات