السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أسأل الله العلي العظيم أن يجزيكم كل خير لما تبذلونه من جهد لمساعدتنا.
أنا شخص أبلغ من العمر 20 عاما، وأتتني نوبات من الهلع مع اكتئاب ووسواس، ذهبت للمستشفيات بشكل متكرر، وكل ما أريد الذهاب لمستشفى كانت تزداد معي الحالة من الخوف والوساوس، وكانت حالة لا يعلم بها إلا الله وحده، والمشكلة أن في المستشفى يقولون: سليم، إلى أن دخلت في دوامة عرقلتني، وكل الذين في البيت لاحظوا هذا الشيء، ويكررون القول لم أنت مهموم؟
قررت بعدها الذهاب إلى المستشفى النفسي؛ لأني عرفت أنها مشكلة نفسية، شرحت للأخصائي حالتي أني أعاني من خوف شديد، وضيق في التنفس، وضربات القلب قوية وسريعة، واكتئاب، فوصف لي دوائين - اندرال وسيتالوبرام -، في بداية العلاج حبة واحدة في اليوم 20 ملم، والاندرال حبة في اليوم 10 ملم، استمريت عليها شهرا ورفعت الجرعة إلى حبتين في اليوم من السيتالوبرام والاندرال، والآن لي ما يقارب 9 شهور أو أكثر وأنا آخذ الأدوية، ولدي مواعيد في المستشفى.
المهم بعد انقضاء هذه التسعة أشهر ولله الحمد، لم تعد تأتيني نوبة هلع إلا في الشهر مرة مثل المسكة في الصدر، وبرودة الأطراف، لكنها تذهب بسرعة، أقل شيء 5 ثوان وأرجع طبيعيا، ولا أفكر، وحتى الوسواس يأتيني لكنه يذهب بسرعة، ضعف في التركيز، وأحس أني عندما أحلم يكون خفيفا ويذهب بسرعة.
والعجيب والغريب في الأمر أني اكتشفت أن أبي وأمي يعانون نفس حالتي، والأغرب من ذلك أخي مر بنفس حالتي! وحولوه للنفسية لكننا لم نذهب به، والأعجب أني اكتشفت أني شخصية وسواسية من قبل أن يأتيني الهلع، ومن قبل أن أعرف الوسواس، كنت إذا أردت الذهاب بالسيارة أقول هذا الطريق يمكن إذا ذهبت إليه أموت أو أصدم، ولا أذهب، ولله الحمد الآن أنا أفضل من قبل أن أعرف الهلع، مع العلاج أحس أشياء كثيرة عندي، إذا وضعت الشامبو وأغمض عيوني لا أوسوس، وإذا فتحت عيوني أرى جنونا، إذا نمت صرت أقفل الباب، وصرت أتكلم مع الناس ليس كمثل الأول، يعني أني تحسنت.
فالرهاب الاجتماعي %60
والخوف من الظلام %70
والهلع %80
والوسواس %70
والخوف %75
لكني مستغرب حاليا لماذا أتذكر طفولتي؟ هل الحالة التي مررت بها كانت السبب في ذلك، دائما أقول أنا تغيرت، أنا لست على القديم، أنا حياتي خربت كلها، لماذا؟ يعني أشعر أني فقدت حيويتي النفسية، وكذلك هل لو استمريت على الأدوية سأتحسن أكثر؟
وشكرا لكم، وآسف إن وجدتم أخطاء، لأني مستعجل في الكتابة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالتردد على المستشفيات هي سمة رئيسية من سمات الإخوة الذين يعانون من نوبات الهلع، وتجد أن أمورهم لا تستقر إلا بعد أن يتأكد التشخيص أن هذه الحالة هي حالة نفسية في المقام الأول، ومن يذهب منهم إلى الطبيب النفسي لا شك أنه سوف يستفيد كثيرا، لكن البعض حتى بعد أن يتم إقناعه بأن الحالة نفسية تجد أن هنالك نوعا من التردد في الذهاب إلى المختص؛ وذلك خوفا من الوصمة الاجتماعية.
الحمد لله تعالى أنت على استبصار تام، وقناعاتك بالطب النفسي هي قناعات إيجابية جدا، وأنت الحمد لله تعالى تلمست المنفعة وجربتها، والتحسن الذي حدث لك من وجهة نظري أرى أنه سوف يكون دافعا للمزيد من التحسن.
أنا سعيد جدا أن أسمع أنك الآن تقريبا في وضع صحي جيد، ونسبة ستين إلى ثمانين بالمائة كنسبة تحسن في الصحة النفسية نعتبرها نسبة عالية جدا، فأرجو أن تهنأ بهذا التحسن وأسأل الله لك المزيد.
من المهم جدا أن تسعى لأن تكون دائما إيجابيا في تفكيرك، وأنت الحمد لله تعالى تتمتع بكل طاقات الشباب (نفسية وجسدية ووجدانية) فسخر هذه الطاقات، وعليك الاستفادة منها، ركز على دراستك، مارس الرياضة، وزع وقتك بصورة صحيحة، خذ القسط الكافي من الراحة، نظم تناولك للأطعمة؛ لأن التغذية الصحيحة مهمة جدا، كن بارا بوالديك، الحرص على الصلاة في وقتها، الدعاء، الذكر... هذه هي المكونات الحقيقية التي تجعل الإنسان يعيش حياة طيبة وسعيدة ونافعة له ولغيره.
ما بقي من أعراض بسيطة يجب أن لا تنزعج له أبدا.
القلق والخوف والوسواس لا يمكن أن يقضى عليها تماما، وليس من مصلحة الإنسان أن يقضي عليها تماما، فالذي لا يقلق لا ينجح، والذي لا يوسوس لا يكون منضبطا ومدققا، والذي لا يخاف لا يحمي نفسه، والذي لا يكتئب لا يجرب ولا يستشعر الفرحة حين تأتي، ربما يكون هذا توجه فلسفي لكنه حقيقة.
فأرجو أن لا تنزعج لبقية الأعراض البسيطة التي بقيت لديك، هي ظاهرة طبيعية بل ربما تكون إيجابية، لكن في ذات الوقت يجب أن تكون متفائلا وأن تنظر إلى الحياة بمنظار التفاؤل، فالمستقبل إن شاء الله الآن هو للشباب، زود نفسك بالمعرفة كما ذكرت لك، وهذا التحسن الذي طرأ عليك وجربته وعايشته وتلمسته لا شك أنه باب من أبواب الخير وسوف يشعرك إن شاء الله تعالى بالمزيد من التحسن.
في موضوع تذكر الطفولة وأيامها. هذا ليس أمرا مستغربا، لا تنزعج له أبدا، كثير من الأخوة الذين يعانون من حساسية في شخصياتهم، أو لديهم ميول قلقية وسواسية، تجد أن فكرهم يتجه نحو مرحلة عمرية، خاصة مرحلة الطفولة.
إذن لا تنزعج لهذا الأمر، واعتبر طفولتك هي خبرة وتجربة، تذكر الجميل فيها، وركز أكثر على الحاضر والمستقبل، فهذا هو الأهم.
سؤالك: هل الحالة التي مررت بها كانت السبب في ذلك؟ .. لا نستطيع أن نقول أن هنالك سببا واحدا لهذه الحالات النفسية، ربما تكون هنالك عوامل: الاستعداد الشخصي - أي المكونات الجينية لدى الإنسان – قد تلعب دورا، الظروف التربوية، التنشئة، توقعات الإنسان، تقديره لذاته... هذه كلها ربما تكون عوامل تساعد على ظهور هذه الحالات، وفي كثير من الحالات لا نجد أي سبب.
بالنسبة للعلاج الدوائي: أنا سعيد جدا أيضا لتوجهك الإيجابي نحو الدواء، وأنا أؤكد لك أن السبرام والذي يعرف باسم (ستالوبرام) هو من الأدوية البسيطة والفاعلة جدا وأنا أريدك حقيقة أن تستمر لمدة أطول على الدواء، ولا مانع أيضا أن ترفع الجرعة إلى ثلاثين مليجراما يوميا – أي حبة ونصف من السبرام – واستمر على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، ثم بعد ذلك اجعل الجرعة حبة واحدة (عشرين مليجراما) يوميا، واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفضها إلى نصف حبة يوميا واستمر عليها لمدة شهرين، ثم اجعلها نصف حبة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.
أما الإندرال فهو دواء مساعد ولا بأس أبدا في تناوله لفترة شهرين أو ثلاثة، ثم بعد ذلك يمكنك أن تتوقف عن تناوله، والاستمرار على العلاج لمدة أطول لا شك أنه يمنع الانتكاسات ويعضد ويقوي التعافي، هذا بناء على دراسات علمية موثقة ورصينة.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.