هل للشيطان علاقة بالوساوس القهرية؟ وهل سيحاسبني الله عليها؟

0 360

السؤال

السلام عليكم.

عمري 27 سنة أعاني منذ أربع سنوات من وساوس قهرية تتعلق بالإساءة للذات الإلهية, يصاحبها دائما اكتئاب شديد, جاءتني حين كنت طالبا للعلم الشرعي أثناء دراستي للعقيدة, الأمر الذي تسبب في تركي لطلب العلم, وابتعادي عن الله بشكل عام, وبالتالي فقدت السعادة, ومع ذلك لم ألجأ إلى العلاج النفسي إلا من وقت قريب, وطوال تلك الفترة كنت أحاول التغلب عليه بالأذكار والدعاء.

منذ عدة أشهر ذهبت إلى طبيب, وكتب لي ثلاثة أدوية هي: فافرين, أريببركس, سيرباس, بمعدل حبة في اليوم, ولكني لم أتحمل العلاج لما صاحبه من آثار جانبية شديدة, تمثلت في: شعور بالغثيان, وفقدان التركيز, وعدم النوم, وضعف القوى, فتوقفت عن العلاج بعد أقل من أسبوع, مع إحساسي بتحسن نسبي, ثم اشتدت علي الوساوس بعد ذلك مرة أخرى؛ مما أصابني باكتئاب شديد, وقد صرت بين خيارين كلاهما مر، إما أن أتناول العلاج وأتحمل آثاره الجانبية الفظيعة, وفي مقدمتها عدم النوم, أو لا أتناوله وأتحمل الوساوس والاكتئاب.

السؤال: هل يمكن أن أتناول العلاج عند اللزوم ثم أوقفه؟ وهل يمكن أن أتناوله مرة في الأسبوع؟ وأي من هذه الأدوية يمكن الاستغناء عنه؟ وهل للشيطان علاقة بهذه الوساوس؟ وهل سيحاسبني الله عليها؟

شكرا, بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إسلام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

فإن الوساوس ذات الطابع الديني لا شك أنها مزعجة لصاحبها، لكنها إن شاء الله تعالى دليل على صدق الإيمان، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها، ولذا نقول لإخواننا من الذين يعانون من هذه الوساوس: لابد أن تطرقوا باب العلاج؛ لأن الله تعالى ما جعل من داء إلا جعل له دواء (فتداووا عباد الله), وقد أسعدتني تماما أنك بالفعل بدأت تبحث عن العلاج، والعلاج الدوائي لدى الأطباء الثقات أعتبره جوهر الأمر فيما يخص علاج الوساوس، وهنالك مكونات أخرى للوصفة العلاجية منها الإرشاد النفسي والسلوكي.

أما فيما يخص العلاجات الأخرى: فالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم مهمة ومهمة جدا، وبالنسبة لسؤالك هل للشيطان علاقة بهذه الوساوس؟ نحن الآن نفضل أن نسمي الوساوس التي سببها الشيطان بالوساوس الخناسية، أما الوساوس الأخرى -وهي الأعم والأكثر- فنسميها بالوساوس القهرية، أو ربما يفضل أن نسميها بالأفكار والأفعال الاستحواذية، وذلك لنبتعد قليلا عن كلمة الوسواس ما دامت الأسباب ليست من الشيطان, إنما هي طبية.

بالنسبة لسؤالك: هل للشيطان علاقة؟ نعم, الشيطان له علاقة بجزئيات معينة من الوساوس، ونحن –كمسلمين- يجب أن نكون مدركين للأمور بفكر يقوم على المعرفة، والوساوس الشيطانية دليلها القاطع هو أن الإنسان إذا قرأ سورة الفلق والناس بتدبر وتمعن فإن الشيطان سوف يخنس وينتهي ويبتعد، ومن ثم تقف هذه الوساوس، لكن في بعض الأحيان ربما يقذف الشيطان قذفة شديدة بهذه الوساوس، وبالرغم من أخذ الشخص الذي يعاني بالنص القرآني فإن الشيطان بعد أن يخنس قد تظل آثار قذفته موجودة مما يحتم استمرارية الوساوس, وذلك من خلال بعض التغيرات الكيميائية التي تحدث في الدماغ، وهنا يكون الوساوس قد تحول إلى وسواس طبي يجب أن يعالج على أسس طبية، هذا الموضوع طويل ومعقد، لكن أعتقد ما ذكرته لك من لمحات إن شاء الله مفيدة لك.

أرجع الآن للعلاج: الوساوس الدينية تعالج من خلال التحقير، وعدم تحليلها، وعدم مناقشتها، وهذه الأفكار حين تأتيك قل لها: (أنت وسواس حقير، لن أهتم بك، اذهب أيها السافل الحقير عني) هذا هو الذي يجب أن تنتهجه، ولا تحلل هذه الوساوس, واربطها أيضا بمشاعر الألم والفظاعة، تخيل أن هنالك حدثا بشعا وشنيعا قد حدث، واربط هذه الفكرة بالوسواس، وعلماء السلوك قالوا: إن هذا يؤدي إلى فك الارتباط الشرطي، أي حين نربط الوسواس بشيء مؤلم للنفس قبيح فهذا يضعف من الوساوس.

خاطب الفكرة أيضا وقل لها: (قفي قفي قفي) فهذا أيضا مفيد، لا تدع للشيطان مجالا، لا تترك الصلاة أبدا، بل على العكس كن مع الجماعة، صلاتك يجب أن تكون في المسجد مع الجماعة، تلاوتك لكتاب الله تعالى يجب أن تكون منتظمة، وعليك بالدعاء والذكر، ويجب أن تعيش حياتك بصورة طبيعية, وهذا يعادل التفل على الشق الأيسر ثلاثا، وهو نوع من صرف الانتباه، فكن حريصا على ذلك, وعش حياتك بكل إيجابية.

أما العلاج الدوائي: فهو ضروري ومهم ومطلوب، وهنالك أدوية فعالة, لا أعتقد أنك في حاجة لأن تتناول ثلاثة أدوية, تناول دواء واحد كدواء أساسي, ويمكن أن نضيف له دواء آخر نعتبره مساندا, والدواء الذي يناسبك هو فلوزاك, والذي يسمى ببروزاك, واسمه العلمي (فلوكستين), ابدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة في الصباح بعد الأكل، وبعد أسبوعين اجعلها كبسولتين بعد الأكل، وبعد شهر اجعلها ثلاث كبسولات، تناول كبسولة في الصباح, واثنتين ليلا، واستمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، بعدها اجعلها كبسولتين يوميا لمدة ستة أشهر أخرى، ثم كبسولة واحدة يوميا لمدة ستة أشهر، ثم توقف عن الدواء؛ لأن إكمال الفترة العلاجية هذه إن شاء الله تعالى يضمن لنا أن الوساوس قد اجتثت واقتلعت تماما, خاصة إذا طبقت التطبيقات السلوكية.

هنالك علاج مدعم يعرف تجاريا باسم (سوركويل), ويعرف علميا باسم (كواتبين), أريدك أن تتناوله بجرعة خمسة وعشرين مليجراما ليلا لمدة ثلاثة أشهر، أما الفلوزاك فيجب أن تستمر عليه بالصورة التي ذكرتها لك.

أسأل الله تعالى أن ينفعك بما ذكرنا، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية, والتوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات