السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في البداية أستحلفكم بالله أن تدعوا الله لي بالشفاء ولكل المسلمين .. آمين.
حاليا، ومن فترة حوالي شهر، وبعد إصابة طفلي الذي يبلغ من العمر 3 سنوات ونصف بنزلة معوية، وبسبب قلقي على ابني لأنه قصير القامة بعض الشيء، أصبحت دائم القلق على ابني، وتنتابني وساوس فيما يخصه، وكثيرا ما سهرت الليل أبكي ولا أستطيع الذهاب إلى العمل بسبب قلقي على ابني واعتقادي أن صحته ضعيفة، وقلقي على مستقبله، أنا واثق أن قلقي ومخاوفي مبالغ فيها، وواثق أيضا أني أفتقر الى أساليب إدارة الأزمة، ولكن هذا أمر خارج عن إرادتي.
أيضا بعض ظروف العمل ساهمت في زيادة النوبات المزاجية السيئة، أصبحت لا أجد راحتي في أي مكان لا في البيت ولا في الخارج، وجل ما يشغلني هو الاطمئنان على صحة ابني، وأنه سيكون بخير مستقبلا.
مع العلم، أني عانيت منذ 7 سنوات من أعراض اكتئاب متوسط، وأخذت على أثرها الكثير من الأدوية المهدئة طوال هذه الفترة الماضية، ولم أتوقف عنها إلا من حوالي 6أشهر.
قبل أن أتوقف عن الدواء كنت دائما ما أطلب من الطبيب المعالج أن يوقف الدواء، لأني أصبحت بخير ولا أرى داعيا لتناول الدواء، واعتقادا مني أن الدواء هو المسؤول عن بعض الأعراض التي تزعجني وتؤثر في مثل الكسل والخمول والتعرق وضعف الذاكرة، والإجهاد والإرهاق السريعين، لكن الطبيب كان له رأي مختلف، وهو أني لا زلت بحاجة لتناول الدواء.
المهم من فترة حوالي 6 شهور قمت بمفردي وبدون الرجوع للطبيب بالتوقف عن تناول الدواء، وكانت آخر جرعة هي قرص (سيبراماكس 40 ملليجرام) يوميا، توقفت عن الدواء عن طريق تقليل الجرعة إلى قرص يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم قرص كل 3 أيام لمدة شهر، ثم توقفت عن الدواء نهائيا.
لم أشعر بأي أعراض مزعجة بعد التوقف، وكانت الأمور جيدة.
لا أدري هل هذا سببه التوقف عن الدواء، وهل تنصحوني بالذهاب للطبيب مجددا؟ أم تنصحوني بدواء معين لفترة معينة؟ وبماذا تنصحوني حتى أطرد هذه الوساوس التي تنتابني؟
أنا حقيقة بحاجة ماسة لنصيحتكم، خاصة أني وبسبب تركيزي دائما في عملي أفتقد إلى الصديق الذي أستطيع الفضفضة معه، وتفريغ بعض هذه الأفكار.
آسف .. أطلت عليكم، وأسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم، وأن يثيبكم عن مرتادي موقع الاستشارات خيرا كثيرا.
أخوكم محمود.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حسين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فاللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما.
أخي الكريم: أشكرك كثيرا على رسالتك، وأؤكد لك أننا قد تفهمناها تماما، ونسعدك أن نقول لك أنك لست مريضا، لكنك رجل شفوق حساس، لك اندفاعات وجدانية عاطفية شديدة، وهذا جعلك تكون عرضة للتأثر الشديد في بعض المواقف.
يجب أن أكون واضحا معك، وأقول لك أن العطف هو دليل على الرحمة، حتى وإن أتعبت صاحبها، وأنت لا تفتقر أبدا لأساليب إدارة الأزمات، والذي حدث لك ليست أزمة بمفهوم الأزمة، إنما هو عدم القدرة على التكيف مع هذا الظرف الصحي البسيط الذي مر بابنك، وأهم مفهوم يجب أن ترسخه أنك – أنا وأنت وابنك وكل العالمين – هم في كنف الله وفي حفظه وفي رعايته، {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله}، {فالله خير حافظا وهو أرحم الرحمين} والله أرحم بنا من أنفسنا ومن آبائنا وأمهاتنا.
أنت إن أشفقت على ابنك فوق ما هو مقبول ومعقول، هذا لا يعني أنه يشكل حماية مطلقة على ابنك، بل على العكس تماما، هذه الشفقة الغير مبررة قد تعطيك الشعور كأنك الحامي وأنت الواقي له، وهذا ليس صحيحا، حمايته ووقايته بيد الله تعالى، نعم أنت يجب أن تتخذ التحوطات، وتأخذ بالأسباب من أجل علاجه وتوفير أفضل سبل الحياة له، وهذا هو المطلوب منك، وليس أكثر من ذلك.
فأنت مطالب أخي الكريم بأن تغير مفاهيمك، وتفكر بالنمط الذي ذكرته لك.
اضطراب المزاج والشعور بالقلق والاكتئاب دليل على أنه لديك شيء من الاستعداد لهذا النوع من الاضطرابات الوجدانية البسيطة. وهذا أيضا يجب أن لا تعتبرها مرضا، هي مجرد ظواهر.
حاجتك للتفكير المعرفي مهمة جدا، وهذا أفضل أنواع العلاج السلوكي بالنسبة لك، وأعني بذلك: يجب أن لا تقبل الأفكار السلبية وتتركها تسيطر على مزاجك، ناقشها، حاورها، حقرها، واستبدلها بفكر مخالف. أنت والحمد لله تعالى حياتك كلها إيجابيات وفيها أشياء جميلة جدا، والمطلوب هو أن تنطلق بفكرك بصورة إيجابية وتتخذ خطوات عملية جدا، ومنها التواصل الاجتماعي، الإنسان كيان اجتماعي، ولابد أن يتواصل ليس بهدف الفضفضة فقط، ولكن التواصل الاجتماعي يساعد على بناء الشخصية ويؤدي إلى الاستقرار النفسي وتطوير المهارات الاجتماعية، فيا أخي الكريم: قم بزيارة أرحامك، شارك الناس في كل مناسباتهم، احرص على صلاة الجماعة، ولابد أن تجد من تحاوره ويحاورك وتبنى علاقة قائمة على الأخوة والصداقة، ومن ثم سوف تجد أن شبكتك الاجتماعية قد بدأت في التوسع.
إجادة العمل هو أمر جيد وأمر مطلوب، لكن العمل يجب أن نعطيه وقته، وبقية الأوقات نديرها حسب ظروفنا أو حاجتنا الاجتماعية، ولابد أن نخصص وقتا للرياضة، ووقتا للعبادة، ووقتا للترويح عن النفس، ووقتا للراحة، وهكذا. إدارة الوقت بمفهوم طيب وإيجابي يساعدك على الاستقرار النفسي.
العلاج الدوائي لا بأس به، ولا أريدك أبدا أن تبني مفاهيم سلبية على الأدوية، فهي بسيطة وجيدة وسليمة، وأنت حقيقة تحتاج لجرعة وقائية أكثر مما هي علاجية، مثلا دواء مثل (مودابكس) - هكذا يسمى تجاريا في مصر – وعلميا اسمه (سيرترالين)، ربما يكون دواء وقائيا جدا بالنسبة لك، ابدأ في تناوله بجرعة نصف حبة – أي خمسة وعشرين مليجراما – تناولها يوميا لمدة شهر، بعد ذلك اجعلها حبة كاملة ليلا لمدة ستة أشهر، ثم نصف حبة يوميا لمدة شهر، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول هذا الدواء، وخلال تناولك للدواء لابد أن تبحث وتركز على الدعامات الاجتماعية والسلوكية البسيطة والبسيطة جدا، والتي تحدثنا عنها سلفا.
إن استطعت أن تذهب إلى الطبيب مجددا فهذا لا مانع منه أبدا، لكني لا أريدك أبدا أن تثبت مفهوم أنك مريضا نفسيا. هذه مجرد ظاهرة بسيطة جدا وليس أكثر من ذلك.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.