أعاني من حالة التوهان، ما الخلاص منها؟

0 567

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا مهندس، أبلغ من العمر 29 عاما، ومقيم بدولة الكويت منذ عامين، الآن أعيش أسوأ كابوس في حياتي، حيث أنني توقفت تماما عن العمل، وأنا على اقتناع تام بذلك، لا أعرف كيف! كما أنني أشعر بحالة من التوهان مصحوبة بصداع شديد تسيطر علي معظم الأوقات، أشعر فيها أنني منفصل تماما عن الواقع، ولا أفيق منها إلا قليلا، بل نادرا، كان هذا نتيجة لما حدث لي منذ شهر مضى، حيث أنني أصبت بحالة اكتئاب -كما وصف لي الطبيب- بسبب ضغوط عصبية شديدة واقعة علي، بسبب الانتقال من عمل إلى آخر.

وصف لي الطبيب دواء التفرانيل 5 ملجم، إلا أنه أصابني بارتخاء بالعمود الفقري مع جحوظ في العينين، ولم أشعر بتحسن فتم إيقافه، واضطر لتغيير الدواء إلى سيبراليكس 10 ملجم، واستخدمته لمدة أسبوع واحد، وهنا الطامة الكبرى، حيث بعد استخدامي لهذا الدواء وأنا أشعر بأن حياتي كلها قد انقلبت رأسا على عقب، وأصابتني حالة شديدة من التوهان مع صداع رهيب ودوخة وصعوبة في النوم ليلا، ورأسي دائما متيقظ كأنه يتنفس وينبض، وتوتر وقلق شديد، كما أنه زادت عندي الأفكار القهرية التي قد توقظني من النوم ليلا لأفكر بها، ورهبة شديدة من الذهاب للعمل، فقمت بإيقافه فجأة، حتى أوقف كل هذا، فتوقف كل شيء عدا الأفكار القهرية، والقليل من التوتر مع صعوبة في النوم، كما أن المزاج لم يعد كما كان.

أخبرت الطبيب بهذا فقام بتخفيف الجرعة لنصف حبة يوميا، وواظبت عليها لمدة أسبوع تقريبا، فقل كل ما سبق، إلا أنني كنت أشعر أنني أعود إلى المزاج الطبيعي كل 3 أو 4 أيام لمدة ساعتين في اليوم، ثم أعود لحالة التوهان مرة أخرى، اضطررت لتوقيفه تماما؛ لأنني لا أشعر بتحسن، فشعرت بأنني شديد العصبية بشكل غير مسبوق، وأن كل صوت يأتيني من الخارج وكأنه (صاروخ) في أذني، ويزعجني بشدة، وكان هذا لمدة يوم، ولعدم تحسني اضطررت للعودة إليه مرة أخرى، وأثناء تناولي للدواء كنت لا أستطيع اتخاذ أي قرار، وكنت أسمح لأحد أقاربي باتخاذ القرار بدلا مني!

في المرة الأخيرة لتوقفي عن الدواء شعرت بألم في الجزء الأيسر من الدماغ، وبوجود تنميل شديد بها، كما أنني أصبت بحالة إغماء مفاجئة، وكنت مع أحد أقاربي، حيث أظلمت الدنيا في عيني وسقطت على الأرض وكأن شيئا قد انطفأ داخل دماغي.

الآن وبعد توقفي عن الدواء لمدة تقارب الأسبوعين إلا أنني أشعر بصداع في الرأس مع حالة التوهان طول اليوم، كما أنني وإن كنت في مزاج متوسط إلا أنني لا أفكر بأشياء بديهية كنت أقوم بها، كما أنني أفكر في القيام بالأشياء من حيث صعوبتها فلا أقوم بها، وآخرها الذهاب إلى العمل، فأصبحت لا أذهب إلى العمل الجديد، بسبب أنه لا يوجد لدي دافع للذهاب للعمل أساسا.

علما بأنني أصاب بالصداع مع التوهان، وقليل من التوتر وبشد في الشعر، حتى إنني أنتزع شعيرات من رأسي طوال تواجدي في العمل الجديد، بالإضافة إلى أنه أصبح التفكير في الطعام هو شيء ثانوي بالنسبة لي، فمن الممكن أن أمضي يوما كاملا بدون طعام، مما قلل من وزني، بالإضافة إلى العناية الشخصية وبالمظهر الخارجي، فهو مهمل تماما على الرغم من أن المزاج متوسط بل أقل من المتوسط، مما اضطرني إلى التفكير بشكل جدي في العودة إلى الوطن، حيث أنني غير متزوج، وأعيش وحيدا هنا بالكويت، وأخي متزوج ويسكن في نفس البلد التي أقيم بها إلا أنه مشغول طول الوقت.

أشعر دائما أنني لا أستطيع أن أعيد حياتي إلى ما كانت عليه سابقا قبل هذه الأزمة، وأتحسر على الأوقات التي كنت بها بكامل عقلي، وهذه الأوقات التي أقف عاجزا أمامها ولا أدري ماذا أفعل! وأحس أنه لا قيمة لي تماما، حيث أنني فقدت عقلي، كما أنني أخشى أصدقائي وأن أواجه الناس حتى لا يشعروا بتغير من ناحيتي.

السؤال هو: كيف أعود إلى حالتي ما قبل شهر مضى؟ وإن كان ولابد العودة إلى الدواء مرة أخرى كيف يتم التعامل معه، وزيادة الجرعة أو تقليلها؟ علما بأنني لا أستطيع المتابعة مع طبيب لصعوبة ذلك بالنسبة لي، وسوف أتابع معكم إن شاء الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

أسأل الله تعالى أن يزيل عنك هذه النوبة الاكتئابية، وأود أن أبشرك أن الاكتئاب يمكن علاجه، وكثير من النوبات الاكتئابية قد تختفي تلقائيا حتى دون علاج، فالصبر ومواجهة الاكتئاب بشيء من العزيمة والتصميم والتوكل والإصرار على أن يكون الإنسان فعالا، هذه وسائل علاجية ممتازة جدا.

أنت محتاج أن تنظر إلى حياتك من المنظور الإيجابي، لديك أشياء طيبة في حياتك، فأنت شاب ورجل مؤهل، لديك أخ يعيش معك في دولة الكويت، بلد عربي مسلم ممتاز، المساجد موجودة، التواصل الاجتماعي ليس بالصعب، فهنالك أشياء طيبة جدا في حياتك وفي محيطك، لابد أن تتحرك إيجابيا، لا بد أن تخرج نفسك من قوقعة الاكتئاب.

الاكتئاب يهزم الناس لأنه يغيرهم فكريا ومعرفيا، ويجعلهم ينظرون إلى الماضي والحاضر والمستقبل بشي من التشاؤم، واهتزاز الثقة بالنفس، يجب ألا تكون كذلك، أعد النظر في موقفك من ذاتك، ولابد أن تذهب إلى العمل، فالعمل قيمة عظيمة جدا، كما أنه لا يدع للفراغ مجالا، ومن خلاله تطور علاقاتك الاجتماعية وكذلك مهاراتك.

أنصحك بأن تقوم بتمارين رياضية بسيطة جدا، حتى ولو لمدة عشرة دقائق إلى ربع ساعة، اقرأ وردا من القرآن حتى ولو صفحة واحدة، اذهب وصل مع الجماعة، اقرأ في كتاب من اختيارك ومما تحب، أليست هذه علاجات؟ علاجات طيبة جدا.

بالنسبة للعلاج الطبي: كنت أتمنى أن تقوم بإجراء بعض الفحوصات الأساسية، أنت ذكرت أنك لا تستطيع الذهاب إلى طبيب، ليس من الضروري أن تذهب إلى طبيب نفسي، اذهب إلى طبيب الأسرة في الرعاية الصحية الأولية، ودعه يقوم بإجراء بعض الفحوصات كالتأكد من مستوى الهموجلوبين ومستوى السكر في الدم ووظائف الغدة الدرقية، افحص النظر أيضا، ربما يكون مبعث هذا الصداع من ضعف في النظر أو شيء من هذا القبيل، فهذه قاعدة طبية جيدة ورصينة، فأرجو أن تحرص عليها.

أما بالنسبة للأدوية المضادة للاكتئاب فهي كثيرة وممتازة وفاعلة، والآثار الجانبية موجودة في هذه الأدوية، ولكن حين نقارنها بالأدوية السابقة قبل عشرين أو ثلاثين سنة نجد أن الفرق كبير وكبير جدا، فالأدوية التي بين أيدينا الآن قطعا أفضل من الأدوية الماضية، وأنا أقدر أنك تفاعلت مع هذه الأدوية تفاعلا سلبيا شديدا، وهذا نشاهده في نحو خمسة إلى عشرة بالمائة من الناس، ويقال إن ذلك ناتج من أن هذه الأدوية تؤثر على المستقبلات العصبية في الدماغ بصورة شديدة، نسبة لحساسية في هذه المستقبلات، لكن بعد فترة أسبوعين إلى ثلاثة يحدث تطبع وتوائم تام ما بين الدواء والمستقبل العصبي، وتختفي الآثار الجانبية تماما، وتبدأ الفائدة العلاجية للدواء، فأرجو أن تصبر على الدواء، وإن شاء الله تعالى سوف تستفيد منه كثيرا.

أود أن أقترح عليك -إن كنت لا تستطيع أن تتواكب مع الدواء الحالي كما ذكرت- أقترح أن تبدأ بتناول دواء بسيط جدا يعرف باسم (دوجماتيل) واسمه العلمي هو (سلبرايد) هذا ليس دواء مضادا للاكتئاب، لكنه مضاد للقلق ويؤدي إلى شعور استرخائي بسيط، وليس له آثار جانبية، أعتقد أن هذا سيكون علاجا تمهيديا ممتازا.

ابدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، تناولها ليلا، وقوة الكبسولة خمسون مليجراما، بعد ثلاثة أيام اجعلها كبسولة صباحا وكبسولة مساء، استمر عليها لمدة أسبوعين، ثم خفضها إلى كبسولة واحدة في المساء لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدوجماتيل.

بعد أن تبدأ في الدوجماتيل وينقضي أسبوعان وأنت على هذا الدواء، هنا يجب أن تستعمل أحد الأدوية المضادة للاكتئاب، وكذلك المضادة للوساوس والقلق والتوتر في نفس اللحظة، وأنا أرى أن العقار الذي يعرف تجاريا باسم (زولفت) أو (لسترال) ويسمى علميا باسم (سيرترالين) سيكون مفيدا جدا لك، الجرعة المطلوبة هي أن تبدأ بخمسة وعشرين مليجراما – أي نصف حبة – تناولها ليلا بعد الأكل، وبعد عشرين يوما اجعلها حبة كاملة – أي خمسين مليجراما – واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم اجعلها خمسة وعشرين مليجراما ليلا لمدة شهر، ثم خمسة وعشرين مليجراما يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

جرعة السيرترالين قد تصل إلى أربع حبات في اليوم – أي مائتي مليجرام – لكنك لست في حاجة لهذه الجرعة، هو دواء طيب ولطيف وفاعل، فاصبر عليه، وكما ذكرت لك أن الدوجماتيل هو دواء مساند وجيد وله حقيقة فعالية إيجابية جدا، فأسأل الله تعالى أن ينفعك به.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات