لم أستطع الزواج فكيف أدفع عني خواطر السوء؟

0 536

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قرأت في إحدى كتب التفاسير للقرآن، يقول تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) هذا حكم العاجز عن النكاح، أمره الله أن يستعفف، أن يكف عن المحرم، ويفعل الأسباب التي تكفه عنه، من صرف دواعي قلبه بالأفكار التي تخطر بإيقاعه فيه، ويفعل أيضا، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".

فكيف أصرف دواعي القلب من الأفكار والخواطر؟ لأني أرى أنها من أقوي الأسباب التي توقعني في العادة السيئة، وهذه الأفكار والخواطر تلزمني في جميع أحوالي، في حال يقظتي واستلقائي على الفراش، وحتى وأنا أمشي بين الناس،أحس أنها كالوسواس القهري.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى صحابته ومن والاه.

بداية نشكر لابننا هذا السؤال المميز، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعصمه من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يلهمه السداد والرشاد، ويسعدنا أن نرحب به في موقعه بين آباء وإخوان، وحرصهم أن يهتدي هؤلاء الشباب، وأن يسيروا على هدى ونور، وسعادة هؤلاء الأشياخ الكرام والأحبة في الموقع أن يروا أمثال هؤلاء الشباب سعداء مع ذراريهم وأطفالهم، نكثر نحن وهم أعداد الموحدين المصلين، فإن رسولنا يفاخر بنا الأمم يوم القيامة، وندعو المجتمع المسلم جميعا إلى تيسير أمر الزواج، فإن دعوة المجتمع {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} هي دعوة إلى أن نيسر أمر الزواج على شبابنا والفتيات، تأسيا برسولنا الذي زوج بعض أصحابه بخاتم من حديد، أو بما يحفظ من كتاب الله المجيد، فالمهر ليس قيمة المرأة ولكنه تعبير عن صدق الرغبة، صداق يدل على صدق الشاب حين طلب يد الفتاة.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يعيد هذه الأمة إلى الصواب والسداد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

أما الآية الكريمة: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا} فالأمر فيها كما ذكرت، والإسلام دعوة إلى العفة والطهر؛ لأن الإنسان إذا لم يجد الحلال فالإسلام لا يسمح له أن يقع في الحرام، وأن يقع فيما يغضب الله تبارك وتعالى، فالإسلام يدعوه إلى العفة، {حتى يغنيهم الله من فضله} يدعوه إلى العفة والطهر، وسبيل العفة هو سبيل ينبغي أن يسلكه المؤمن، والإسلام دعوة إلى العفة في الألفاظ التي استخدمها.

إن الإسلام يبدأ العفة بالألفاظ التي ينتقيها، حين يستخدم الإشارة، حين تغني عن العبارة، حين يستخدم التلميح، حين يغني عن التصريح، حين يستخدم كلمات جميلة {من قبل أن يتماسا} أو {أو جاء أحد منكم من الغائط} أو {لامستم النساء} أو {نساءكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}... هذه كلمات جميلة فيها إيحاءات وإشارات لطيفة إلى أن القرآن يبدأ مشروع العفة والطهر من الألفاظ.

ثم بعد ذلك يدعو هذا المؤمن أن يغض بصره، وغض البصر من الأمور الهامة جدا التي تعصم القلب، فإن البصر هو أقرب الحواس إلى القلب، والشيطان يسعى للسيطرة على هذا البصر، والنظر سهم مسموم من سهام إبليس، والسهم المسموم يفسد البدن، كما أن النظرة تفسد قلب الإنسان، وما ذلك فإن المؤمن مطالب أن يجاهد دواعي الشر، وأن يصرف عنه الأفكار السيئة، كما قال ابن القيم: " جاهد الفكرة قبل أن تصبح هما، وجاهد الهم قبل أن يصبح إرادة، وجاهد الإرادة قبل أن تصبح عملا ". فإذا وقع الإنسان في المعصية فعليه أن يبادر بالتوبة، والله يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه.

فالمؤمن إذن ينبغي أن يحمي مصادر هذا القلب من الأفكار والخواطر السيئة، إذا جاءت الفكرة السيئة فإن الإنسان يستطيع أن يصرفها بسرعة، يجتهد في صرفها، كما قال الله عن أوليائه: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف} من الشيطان} مباشرة {تذكروا فإذا هم مبصرون} طريق الحق والهداية والعصمة والعفة والطهر.

إذن نحن نؤمن أن الشيطان لا يترك شبابنا وأن الشيطان يوقع الإنسان في مثل هذه الأفكار، ولكن مجاهدة هذا الشيطان بالحرص على كمال التوحيد في هذا القلب، فإن الصراع يدور حول هذا القلب، هذا القلب كالرحى تدور بما يلقى فيها، فإذا حرص صاحبها على الصالحات والأذكار والطيبات تمكن الملك فألقى ما معه من قمح وطيبات فدارت بها، وإن غفل عن هذه الرحى تمكن الشيطان فألقى ما معه فأصبح هذا الإنسان لا يفكر إلا في خواطر السوء وخواطر الشر.

ومع ذلك فإننا ندعوك إلى اتخاذ الأسباب التي تبعدك عن هذه العادة السيئة، وذلك بأن تغض البصر، وذلك بألا تأتي الفراش إلا وأنت محتاج إلى النوم، ولا تمكث في الفراش بعد أن تستيقظ من نومك، وأن تشغل نفسك بالمفيد، وأن تحاول أن تفرغ هذه الطاقات في أعمال إيجابية، وأن تحاول أن تزيح فكرة الزواج من رأسك، مسألة التأجيل والاستعلاء، تأجيل هذه العاطفة والاستعلاء بها بالانشغال بالصيام كما ورد في الحديث الذي ذكر في الاستشارة.

فإذن هناك وسائل كثيرة يستطيع بها الشاب أن يسلك سبيل العفة والطهر، وهذا السبيل يكفي لأنه مريح للإنسان، فإن العادة السيئة لا توصل للإشباع، لكنها توصل إلى السعار، وتوصل إلى الهيجان، وهي قليلة الفائدة كثيرة الضرر، بل لا فائدة فيها، بل هي محرمة، لأن الله قال: {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} وهذا مما يدخل في وراء ذلك.

لذلك ننصحك بأن تتجنب هذه الممارسة وأن تشغل نفسك بالمفيد، واشغل نفسك بطاعة الله قبل أن تشغلك بمعصيته، وحاول دائما أن تجتهد في تحضير وفي إعداد ما تستطيع من أمر الزواج، من أجل أن تتقدم لطلب الفتاة بعد ما تؤدي ما عليك، وسل الله تبارك وتعالى دائما التوفيق والسداد.

وتجنب الطرق التي فيها إثارة في الاستلقاء على الفراش أو نحو ذلك، واحرص دائما على أن يكون إلى جوار الفراش أو السرير أذكار وأشياء تذكرك بالله تبارك وتعالى، واحرص على أن تنام وأنت طاهر وتنام على السنة وذكر الله تعالى، ولا مانع من أن تخفف من الطعام الدسم الذي يثير شهوة الإنسان، وقبل ذلك كما قلنا عليك أن تبتعد عن مواطن النساء، وتحاول أن تبتعد عن النساء، فإن الشريعة تباعد بين أنفاس النساء وأنفاس الرجال.

واحرص على أن تشغل نفسك بمجالس الرجال وبعمل الجد كما مضى معنا، وتجنب الوحدة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الجماعة ومن الاثنين أبعد، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لك الخير، وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة الدعاء واللجوء إلى الله تبارك وتعالى، ونسأل الله أن يرزقك زوجة صالحة تعفك وتعينك على صعوبات هذه الحياة، وأن يرزقك الذرية الصالحة، وأن يغنينا وإياك بفضله عمن سواه، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مواد ذات صلة

الاستشارات