بين الهجرة والعيش ببلاد الكفار... أفكار تراودني

1 561

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم جزيل الشكر على نصائحكم السابقة التي قدمتموها لي.

أريد أن أستشيركم في أمر شغل بالي، ولم أجد سبيلا إلا استشارتكم, كنت قد قرأت عن حديث النبي عليه الصلاة والسلام : (أنا برئ من كل مسلم يعيش بين ظهراني المشركين), ومن يوم ما عرفت عن الحديث، وأنا منشغلة كثيرا، وأفكر بالهجرة إلى بلد إسلامي، ولكن أهلي ينتظرون حتى ننهي الدراسة لكي نهاجر سويا، وأنا لم أعد أطيق وجودي في هذا البلد, ونحن في هذا البلد أكثر من تسع سنوات، وأخشى أن يتبرأ منا الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولم أعد أطيق الدراسة لأنتظر أربع سنوات لأنهيها، أرجوكم قولوا لي، هل حرام أن أترك دراستي وأهاجر؟ وأنا لا أملك سوى الجنسية، فهل ستفتح لي بابا للعلم، أو العمل إن ذهبت إلى بلد إسلامي, وأنتم تعرفون حال بلدان الإسلام، وصعوبة إيجاد تعليم أو عمل كما نجد في هذا البلد!

أرجوكم لا تتركوني في حيرتي ساعدوني في إيجاد الحل المناسب!
أرجوكم لا تبخلوا علي بنصائحكم، وجزاكم الله خيرا كثيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ S.A حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يكثر من أمثالك، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، وأن يجعلك سببا في هداية غيرك من البنات اللواتي يعشن معك في هذه البلاد من غير المسلمين، كما نسأله تبارك وتعالى أن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإنه حق ما ذكرته من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أنا بريء من كل مسلم يعيش بين ظهراني المشركين) وإن كان هذا اللفظ ليس دقيقا، ولكن هناك حديث بهذا المعنى، وتقولين من يوم أن عرفت هذا الحديث وأنت مشغولة بين هذا الأمر وتفكرين بالهجرة إلى بلد إسلامي.

أقول لك - أختي الكريمة الفاضلة - : جزاك الله خيرا على حرصك على تطبيق سنة النبي - عليه الصلاة والسلام – وأسأل الله أن يجعل لك مخرجا من لدنه، ولكن العلماء فسروا هذا الحديث بتفسير يختلف عن ظاهره، قالوا: هذا الحديث المقصود منه إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يأمن على دينه، ولا على عرضه، ولا أن يقيم شرع الله تبارك وتعالى في حياته، وأنه يشعر بالضعف والهوان، وأن هؤلاء الكفار قد ضغطوا عليه ليفتنوه عن دينه.

أما الذي أنتم عليه الآن في أمريكا، فأنا أعلم أن في أمريكا ملايين من المسلمين الآن، وأنهم يمارسون شعائرهم الدينية بصورة أفضل بكثير من كثير من بلاد المسلمين، ولقد نص العلماء على أنه إذا وجدت هناك جماعة إسلامية قوية تقيم شرع الله وتطبق دين الله، فإنه لا يجوز لها أن تترك هذه البلاد لتهاجر منها، لأنها بذلك ستصبح بلاد إسلام.

فأنت الآن وضعك شرعي، وليس فيه أي خطر، ولا ينبغي أن تفكري هذا التفكير ابنتي الكريمة الفاضلة، إلا في حالة عدم قدرتك على إقامة الدين في حياتك الشخصية.

أما كونك لا يمنعك أحد من الحجاب، ولا يمنعك أحد من الصلاة، ولا يمنعك أحد من الصيام، ولا من الأذكار، ولا من الدعاء، ولا من إظهار شعائر دينك، فأنا أرى - بارك الله فيك - أنه لا يوجد هناك أي داع للتفكير في الهجرة من هذه البلاد إلى البلاد العربية أو الإسلامية.

خاصة وأن معظم البلاد الإسلامية تعاني من أحوال غير مستقرة، سواء كان في الجانب الشرعي نفسه، أو في الجانب الاقتصادي أو السياسي، وهي تعاني حالة من حالات عدم الاستقرار، ومعظم هذه البلاد حتى لا تفكر أيضا في السماح لغير من يحمل جنسيتها بالإقامة فيها بصورة كريمة، وإنما يفرضون عليه إقامات وغير ذلك، بل قد تجدين في بلاد الإسلام من المشقة ما لا تجدينه في هذه البلاد.

أنا أقول ذلك بحكم خبرتي وتجربتي، لقد زرت أمريكا وكندا، وزرت أوروبا الشرقية والغربية، وزرت الأميركتين، وزرت حتى نيوزلندا وغيرها، وأرى أن إخواننا من المسلمين الصادقين يعيشون حياة إسلامية أفضل من كثير من المسلمين الذين يعيشون في العالم العربي والإسلامي، فهم يحافظون على الصلاة في جماعة، والأخوات يلبسن النقاب والحجاب، ويلبسن الملابس الشرعية، ويمارسن حياتهن بصورة طيبة وجيدة.

فأرى بارك الله فيك أن تفهمي هذا الحديث من خلال هذا الفهم الذي عليه أئمة علماء المسلمين الآن، من أن أمريكا الآن تصبح بلاد إسلام، المسلمون فيها قلة، ولكن أصبح فيها كم كبير يزيد عن أربعة أو ثمانية ملايين في بعض الروايات من المسلمين، وهذا رقم يساوي عدة دول من الدول العربية والإسلامية، ونحن نطمع - إن شاء الله تعالى – أن يكون لوجود هذه الجالية الإسلامية في أمريكا أثر في المستقبل في التأثير على القرار الأمريكي - بإذن الله تعالى – لو أن هؤلاء اتحدوا وكونوا فيما بينهم جمعية تخص المسلمين وحاولوا أن يكونوا صفا واحدا، أعتقد أنهم سيلعبون دورا مهما جدا في سياسة أمريكا تجاه العالم العربي والإسلامي، خاصة تجاه بلدنا الحبيب فلسطين المحتلة.

هذا الحديث له ظروف خاصة، أما الوضع الذي أنتم عليه الآن بحكم معرفتي أرى أن هناك هامش كبير من الحرية في هذه البلاد للفتاة وللأسرة المسلمة.

ولكن المهم أن تكوني مطلعة على الأمور الشرعية التي تحتاجين إليها، وأن تكوني محافظة على هويتك الإسلامية من الذوبان، وأن تحرصي أن تتكلمي اللغة العربية ما دمت قادرة على ذلك، بمعنى أنك إذا كنت مع زميلاتك مثلا في الكلية أو كنت مثلا في خارج البيت من الممكن أن تتكلمي مع غير المسلمين باللغة الإنجليزية، أما في بيتك فأرى أنك تمنعين أهلك من الكلام باللغة الإنجليزية وتتكلمون باللغة العربية، وتحاولون أن تجتمعوا حول قراءة ورد قرآني بصفة يومية منتظمة أو شبه منتظمة، حتى تحافظوا على لغة القرآن ولغة الإسلام حتى لا تتحولوا إلى عجم، لأنه مع الأسف الشديد أن بعض المهاجرين فقد هويته الإسلامية وفقد لغته العربية، لأنه انبهر بهذه البلاد، وأعجب بها فنسي أو تناسى لغته العربية، بل نسي أو تناسى الإسلام وأصبح – والعياذ بالله – لا يعرف من الإسلام إلا اسمه ولا من المصحف إلا رسمه.

أما ما دام الإنسان محافظا على دينه، ومرتبطا بجماعة المسلمين، ويصلي مع المسلمين في الجماعة، وله دور فاعل، وأنت تستطيعين أن تلعبي دورا كبيرا جدا في حفظ أخواتك المسلمات على عفتهن وحيائهن وحجابهن، وألا يقعن في براثن هذه البلاد التي تعاني من الغفلة وتعاني من الإباحية القاتلة ما الله به عليم.

إذن أقول: اهدئي وقري عينا، على الأقل حتى تنتهي من مرحلتك الدراسية، ثم بعد ذلك لكل حادث حديث ولكل مقام مقال، إن شئت بعد ذلك أن تتركي هذه البلاد إلى بلاد إسلامية فيها الإسلام قائم – وهذا بلا شك أفضل – أو أقمت بين إخوانك المسلمين في هذه البلاد ومساعدتهم في إقامة صرح الإسلام العظيم، وتكوين المجتمع المسلم الراقي القادر على التحدي الذي يثبت لهؤلاء أن المسلمين أذكى، وأنهم أفضل، وأنهم أرقى خلقا ودينا واستقامة، وأنهم بحق خير أمة أخرجت للناس كما وصفهم مولاهم جل جلاله.

عليك دور كبير في تحسين صورة الإسلام في نظر غير المسلمات اللواتي يتعاملن معك، وعليك دور كبير في الحفاظ على هويتك وهوية الأسرة، فاجتهدي في طلب العلم الشرعي، وحافظي على قيمك وثوابتك، وأبشري بفرج من الله قريب.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات