تعبت من صديقتي وغيبتها للناس، فهل أقاطعها؟

0 582

السؤال

السلام عليكم..

مشكلتي مع من تدعو نفسها بصديقتي، وأنا لا أراها كذلك! فمنذ ما يقارب ست سنوات التقيت بهذه القريبة عن قرب وتكونت شبه صداقة بيننا، ولكن مع الوقت بدأت تتكشف لي الأمور.

فهي كثيرة الشكوى من زوجها وأهله ومن المجتمع بسبب وبدون سبب، ومشكلتها أنها لا تنسى الأشياء السيئة التي تحصل لها، ونفس مشاكلها تعيدها لي مليون مرة، بصراحة أنا ضقت ذرعا بها!

وهي تتصل بي فقط كي تشكو لي! وأنا أخاف أن يلحقني الإثم من ورائها؛ لأنها تغتاب زوجها وأهله وأحيانا أخفف عنها، ومرات أشاركها الغيبة!

أنا أتمنى بعدها عني اليوم قبل الغد! أكرهها!! عقدتني نفسيا! تأثرت بها وبدأت أتشاءم مثلها!!

لا أريد صداقتها، لن أقطعها ولكن لا أريدها صديقة، فكيف أواجهها؟ هل أرسل لها رسالة؟ أو شخصا يخبرها بذلك بدون جرح مشاعرها؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم البراء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك في موقعك، ونشكر لك هذا السؤال وهذا التواصل مع الموقع، ونسأل الله أن ينفع بك بلاده والعباد. وحقيقة أسعدني وأفرحني أنك قلت لن أقطعها لأنها قريبة وأن لها حقا، وأن الإنسان لا ينبغي أن يخسر أي إنسان، ولو كان بينه وبين الناس شعرة فلا ينبغي أن يقطعها، ويبقي شعرة العلاقة، ويحسن هذه العلاقة ويطورها، ويجعلها في الله ولله وعلى مراد الله تبارك وتعالى.

وأرجو أن تحاولي أن تحتملي هذه الصديقة، فأنت مأجورة على هذا، وخير لها أن تجد متنفسا عندك بدلا من أن تبوح بأسرارها إلى جهات أخرى يمكن أن تكون سببا في انحرافها أو ضياعها، أو انتشار هذا الأمر عند آخرين، ولكننا ننصحك دائما بأن تبيني لها أن الإنسان ينبغي أن يخفي مشاكله، وينبغي أن يستر ما يحصل في أسرته، وبيني لها أن معظم الأسر وكثير من البيوت فيها مشاكل، إلا أن الفرق في كيفية التعامل مع المشاكل، في إعطاء كل مشكلة حجمها المناسب، لأن:

كل من في الدنيا يشكو همه ** ليت شعري هذه الدنيا لمن؟

فكل من في الدنيا يشتكي، لكن هذا لأننا لا نفهم طبيعة الدنيا التي:

جبلت على كدر، ونحن نريدها صفوا من الأقدار والأكدار،
ومكلف الأيام فوق طباعها متطلب في الماء جذوة نار.

فنحن نتمنى أن تغيري الطريقة في النصح لها، وبيني لها أنك شاورت واتصلت بمستشار، وبين لك أن النجاح هو التفاعل مع المشكلات وإعطاؤها حجمها المناسب، وعدم الوقوف ساعات طويلة أمام المواقف السالبة، ومحاولة اكتشاف الإيجابيات عند الآخرين والبناء عليها، وتجنبي الشكوى لغير الله تبارك وتعالى، ودائما الحرص على أن نبدأ نحن في التغيير، لأن الإنسان دائما ينبغي أن يتهم نفسه حتى لما يحصل تغيير وساءت العلاقة من أي طرف ينبغي أن نراجع أنفسنا؛ لأن السلف كانوا يقولون: (ما وجد خصام بين زوجين ولا نفور بين صديقين – أو أخوين – إلا بذنب أحدثه أحدهما).

ففكرة المراجعة للنفس، فكرة المحاسبة للنفس، بأن نتهم أنفسنا بدلا من أن نتهم الآخرين، هذه مسألة مفيدة للإنسان في دينه ودنياه، لأن الإنسان عندما يراجع نفسه ويجد نفسه مخطئا يستغفر، والاستغفار باب كبير في إزالة الهموم وفي جلب الفرج والخيرات للإنسان.

كذلك عندما ننظر في إيجابيات هذا الشخص، أسوأ إنسان على وجه الأرض فيه إيجابيات، إذا نظرنا فيها وضخمناها ونفخنا فيها وعرضناها له فإننا نصل إلى قلبه، وبعد ذلك يكون عنده استعداد للسماع منا، ثم بعد ذلك ينبغي أن ندرك أننا لن نجد رجالا ولا نساء بلا عيوب، بل كلنا نقائص، والكمال لله وحده، ولكن الإنسان يعيش هذه الحياة بالمداراة، بأن يتعامل مع الناس بالطريقة التي ترضي الله تبارك وتعالى دون أن يتضرر في دينه، دون أن يتأذى في عرضه، دون أن يدخل في أمر يغضب الله تبارك وتعالى، وهذه الأمور الوصول إليها ليس صعبا.

أنت الآن تواصلي الاستماع لها، ولكن غيري نظرتك، وحتى لا تفاجئيها وتشعر أنك قد ضجرت منها، قولي لها سمعت أو جاءتني استشارة أو إجابة، ثم اربطيها بالموقع، دعيها تتواصل معنا، تعرض مشكلتها على مستشارين، وعندنا مستشارون نفسانيون وأطباء وعلماء وفقهاء، في كل التخصصات والمجالات موجودين في هذا الموقع الذي اخترته ونشكرك على الاختيار. فاربطيها بالموقع، ولا مانع من أن تفضفض مع موقعها، وتقول ما عندها، وستأتيها الإجابة، لأننا نحن نعتقد أن سماع كلامها وإعطاءها فرصة هذا جزء من الحل، جزء من التخفيف عليها، ولكن بدون خسائر، دون أن نشارك في الغيبة.

أما مجرد السماع فإذا كانت مظلومة، فـ {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}، وإذا كانت هي فعلا مظلومة هذا أيضا يجيز أن يتكلم الإنسان عن من ظلمه، أو يشكو لقاض أو يشكو لمفت أو يشكو لمن يجد عنده حلا، فيلتمس عندك الحل عندما تتكلم، لكن أنت لا تشاركيها في الغيبة، لا تشاركيها في المخالفة، بل شجعيها على الثبات، على اللجوء إلى الله، على الرجوع إلى الله، على إعطاء المشاكل حجمها المناسب، على محاولة اكتشاف الإيجابيات وتنميتها.

يعني هناك أزواج وزوجات عاش الواحد مع الثاني عشرين سنة لم يحصل يوما أن قال (يا فلان يعجبني فيك كذا وكذا وأنا أفتخر وحبذا لو انتبهت لكذا) هذه طريقة مهمة جدا، بل نفضل أن تكتب الإيجابيات وإن كانت قليلة في ورقة وتضعها في مكان يراه وتسكت عن السلبيات تماما، فإذا فرح بعد ذلك تكرر هذا، وإذا فرح تكرر هذا، ثم بعد ذلك لا مانع أن تقول: (هذه إيجابيات جميلة وأنا سعيدة بك، لكن أتمنى أن تواظب على الصلاة، أن تحضر مبكرا، أتمنى أن تكون كذا) يعني تعرض الأشياء بتجرد.

لا مانع كذلك بأن تشجعيها على محاورة هؤلاء والبحث عن أسباب المشكلة، فأحيانا قد تكون المشكلة فيها، فبعض الناس حساس جدا يفسر المواقف ويترجمها دائما بضدها، وينظر للأمور بنظارة سوداء، يفسر الأمور في أسوأ احتمالاتها، فإذا لاحظت هذا أيضا ينبغي أن تحرصي على تغيير هذه النظرة من للحياة وللناس، وبهذه الطريقة - إن شاء الله تعالى – تكسبين فيها أجرا وثوابا.

وأنا حريص على أن تبقي هذه الشعرة وأن يكون طريق تعاملك وتعاطيك مع مشاكلها مختلفة بعد اليوم، وسنكون سعداء بعد أن تمارسي هذه الحلول وتقدمي هذه النصائح لتكتبي لنا بالنتائج التي توصلت إليها، ونسأل الله أن يكثر من أمثالك، واعلمي أنك مأجورة على الصبر وعلى التخفيف على هذه الأخت، وستؤجرين أكثر وأكثر إذا قدمت لها النصيحة الخالصة لوجه الله تبارك وتعالى، ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.

مواد ذات صلة

الاستشارات