هل أصبر على مهنة المحاماة أم أبحث عن غيرها؟

0 520

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

تخرجت في كلية الحقوق بتقدير جيد, وعملت محاميا لمدة عام, ولكني لم أجد في هذه المهنة إلا التعب والاستغلال من قبل المحامين, باسم التدريب، وعدم وجود راتب شهري إلا مبلغا قليلا جدا, وعدم توافر المعلومات القانونية من قبل المحامين, ولقد تركت عدة محامين والتحقت بثلاثة مكاتب إلا أنها لا تختلف عنهم, فكلاهما يهتمون بتخليص أوراقهم من المحاكم فقط, فلا تشعر أنك محام, وبالتالي قررت أن أعمل في مجال غير مهنة المحاماة, ولكني لا أعرف ما هو المجال الذي أريده.

قررت أن آخذ كورسات في التنمية البشرية, أو أدرس الكمبيوتر جرافيك, ولكن لم أقم بفعل شيء, وأشعر أحيانا بأني أميل للمحاماة, وأحيانا أشعر بأني أكرهها, ولا أعرف ماذا أريد.

هل أعمل على تطوير مهاراتي العامة لاكتساب اللغة مثلا, وأبحث عن عمل في أي شركة, وأنا أشعر دائما بأني أريد عملا أخدم فيه نفسي وأمتي ومن حولي, وأساعد الناس, ولكن كيف، وأنا لا أستطيع مساعدة نفسي؟ وهل من يخرج عن مجاله يعتبر فاشلا؟

ولكم جزيل الشكر, والسلام عليكم ورحمة الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك ابننا الكريم في موقعك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمك السداد والرشاد، وأن ينفع بك البلاد والعباد، وأن يعينك على الخير، وندعوك إلى أن تصبر على هذه المهنة، فإن الإنسان في بدايات عمله وفي مراحل التدريب يحتاج إلى مزيدا من الصبر، وأرجو أن تركز في المهنة أثناء عملك مع هذه المكاتب، فتحاول أن تكتسب خبرة، وتحاول أن تنظر في الأوراق، وتحاول أن تنظر في الطريقة التي يتعاملون بها مع القضايا، تحاول أن تتعرف على أسلوب تعاملهم مع الزبائن والتواصل معهم.

الإنسان يكتسب هذه الخبرات، ولا يتضرر الإنسان في بداية حياته العملية إذا عمل ساعيا، ثم عمل كاتبا، ثم جلس بجوار المحامي، ثم اشتغل موظف أرشيف ينظر في القضايا، المهم أن المحامي الناجح هو الذي يكون له خبرات في القضايا, وفي طريقة التواصل, وحمل المراسلات, ومع من يتعامل, وما هي الإجراءات الصحيحة، وماذا يقول هؤلاء المراجعون، وما هي الترتيبات التي عندهم ... أعتقد أن هذه قاعدة مهمة جدا، والصبر فيها مطلوب.

ولا مانع بعد ذلك بعد أن تصل هذه المرحلة يمكن أن تفتح المجال, وتناقش هؤلاء المحامين وتبين لهم أنك بحاجة إلى أن تمارس العمل الفعلي، وأن عليك أيضا مسؤوليات، وأنك عملت لمكاتب كثيرة، واستفدت خبرات، وهذه هي نتيجة الخبرات التي عندي، وتحاول أن تتناقش مع كبار المحامين في بعض القضايا الناجحة التي خاضوها، كأن تقول: (ما هي أنجح القضايا التي قمتم بها سعادتكم، ونجحتم فيها، وما هو شعورك عندما نجحت، وما هو قولك في الموضوع الفلاني) وتحاول أن تطور مهاراتك العلمية وخبراتك وقراءاتك في هذا المجال، وقطعا ستكسب بذلك خبرات تراكمية.

وطبعا في المحكمة – أو في مكتب المحاماة - هناك مجلدات وقضايا قديمة، ومن حقك أن تصطحب كتبا أيضا تحاول أن تدرس فيها وتفهم. ودائما الموظف الذي يصبر على مرحلة التدريب وصعوبتها يجني خيرات كثيرة.

وهناك أشياء خادمة للمهنة، كالتطوير في اللغة، والتطوير في مهارات التواصل، ودراسة أسلوب الحوار والنقاش، ومحاولة التعرف على القوانين، قراءة القوانين المنظمة، قوانين البلد الذي أنت فيه، اللوائح، الأشياء التفسيرية المتعلقة بالقانون، أبعاد هذه القوانين، عقلية من وضعوها، الثغرات التي ترى أن المحامين يدخلون من خلالها ويكتشفون الخلل في هذه القوانين.

المهم نحن ندعوك إلى مزيد من الصبر، وأنت حقيقة تميل إلى هذا العمل، لكنك لم تجد في هذا العمل الدخل الكثير، ولم تجد في هذا العمل ما يسد الرمق، ولم تجد عند هؤلاء من يهتم بهذا الجانب، وهذه نعتقد أنها معاناة يخوضها الكثير من الذين يتدربون ويتعلمون هذه المهنة، وبعد ذلك - إن شاء الله تعالى – سيكون لك وضع وتفتح لك مكتبا وحدك، وتنال مثل هذا الوضع، وعند ذلك نتمنى أن تقدم مشاعر الضعاف أمام عينك، من يأتوا مثلك ليتعلموا.

ونعتقد أن النجاح في الحياة ميادينه واسعة، ولكن نحن نتمنى دائما أن يكون الإنسان في المجال الأصلي الذي يميل إليه ويحبه، ليوسع نفسه ويطور نفسه رأسيا، لأن الأمة بحاجة إلى التخصصات الدقيقة، أما أن يأخذ الإنسان من هنا طرفا ومن هنا طرفا، يكون اليوم في مهنة وغدا في أخرى وبعد الغد في ثالثة، هذا قد يكون فيه فوائد أخرى، لكن لا يحقق الإبداع في هذا المجال، فإن الإنسان يبدع في المجال الذي تدارسه، في المجال الذي يحبه، في المجال الذي تخصص فيه، في المجال الذي يطور نفسه فيه، وهذا ما ننتظره منك، فندعوك إلى المزيد من الصبر.

أما إذا كان لك مهنة أخرى - أو أشياء أخرى – فيمكن أن تكون هذه هوايات خارج وقت العمل، مع أننا نفضل أن تكون الهواية والرغبة والدراسة والعمل كلها في اتجاه واحد، لأنك في هذه الحالة ستمضي مسرعا، وتبلغ منازل رفيعة في هذا الميدان.

وحاول أن تأخذ من المحامين ذكريات وكيف أنهم بدأوا التدريب، وكيف عملوا، وعندها ستفاجأ أن هذا حال ينطبق عليهم، بل ربما وجد فيهم من كان يضرب ويزجر باعتباره ولد صغيرا أو محام صغير في المهنة بين محامين كبار، لكنه بصبره وباحتماله وبحسن أدبه، وحسن تفاعله؛ استطاع أن يتعلم من هؤلاء الكبار الكثير والكثير، حتى وصل لهذه المرحلة التي أصبح فيها أيضا من الكبار، من المحامين الذين يشار إليهم بالبنان.

نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.

مواد ذات صلة

الاستشارات