التفكير في العمل شغل تفكيري فهل يقدح هذا التفكير في توحيدي لله -عز وجل-؟

0 533

السؤال

السلام عليكم.

أولا: لكم الشكر الجزيل على هذه الاستشارات المباركة في شتى المجالات.

الحمد لله قد من الله -عز وجل- علي بمعرفة منهج السنة منذ أيامي الأولى في التعليم الثانوي، وإن كان هناك تذبذب في الالتزام، إلى أن عرفت الطريق: أذنب فأتوب، وهكذا.

أبلغ من العمر 30 سنة، ولازلت أبحث عن عمل أسترزق منه، وفي ذات الوقت يقربني من الله -عز وجل-؛ بحيث لا أضيع أوقات الصلاة في هذا العمل، فأنا -والحمد لله- أحافظ على صلواتي من الصبح إلى العشاء، وأصوم 3 أيام من كل شهر، وأجتهد في الابتعاد عن المحرمات، حفظني الله من الزنا -والحمد لله- وأقوم الليل، وأتلو القرآن، وأعترف أني اقترفت معاص متعلقة بالغير، وأنتظر الفرج من الله لأرد تلك المظالم لأهلها، وفي هذه الحالة الاستغفار لهم يجزئ ريثما أجد وظيفة.

سؤالي: أني في بعض الأحيان يأتيني ضيق حينما أفكر في العمل، وأن أقراني عملوا وأسسوا بيوتا، وأنا أريد أن أعف نفسي، وأن لا أكون عالة على أحد، حتى أن معظم مناصب العمل التي في إمكاني العمل فيها لا تعترف بمنطق أوقات الصلاة، والأعظم صلاة الجمعة، فأضطر إلى رفضها، وأرجع إلى حقيقة راض بها هي أن أصبر على الفقر، ولا أصبر على النار.

في بعض المرات أقول في نفسي: طال البلاء مستحيل أن أتزوج، وأخاف أن يقدح هذا التفكير في توحيدي لله -عز وجل-.

عذرا للإطالة، أحتاج إلى توجيه في هذه المسألة من فضيلتكم.

شكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ رشيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وعن أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يوسع رزقك، وأن يمن عليك بعمل صالح طيب مبارك، وأن يكرمك بزوجة صالحة تكون عونا لك على طاعته ورضاه، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- فإنا نحمد الله تعالى أن من عليك منذ بداية مرحلة الشباب بالالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة، ومع الأيام تزداد تقربا من الله تبارك وتعالى, وتصحيحا لمسارك وإقبالا عليه، مع وقوعك في بعض الهنات والتجاوزات التي عادة ما يقع فيها الناس؛ وذلك نظرا للظروف التي يحياها المسلمون، خاصة وأنك تعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، -والحمد لله- أنك عرفت الطريق إلى التوبة من هذه الذنوب، فتقول بأنك كلما أخطأت تبت إلى الله تبارك وتعالى ورجعت.

فيما يتعلق بحقوق العباد: فلا مانع فعلا -كما ذكرت- من مواصلة الاستغفار، حتى يتسنى لك رد الحقوق إلى أهلها إذا كان يمكن ردها، ولكن مع الاستغفار لا بد لنا من التوقف عن هذه المعصية؛ لأنه -كما قال العلماء: (لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار)-، فكونك تصر على فعل الصغائر من الذنوب وتستمر -حتى وإن استغفرت- فإن هذا الأمر ليس بكاف، وإنما ما دمت تعلم أن هذا حرام، وأنه لا يجوز لك شرعا، فعليك أن تتوقف عنه حياء من الله، وابتغاء مرضاة الله.

اعلم -أخي رشيد، حفظك الله-: أن ما عند الله لا يصل إليه العبد بمعصية الله، وإنما كما قال الله تعالى: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى}، وكما قال -جل جلاله- أيضا: {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا} وقال أيضا: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة}، وقال كذلك أيضا: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء}، فما عند الله من الخير والفضل لا يصل إليه العبد إلا بالطاعة فعليك بالاجتهاد في ذلك، والطاعة تنقسم إلى قسمين: الانكفاف عن المعاصي -وهذا ضروري وحتمي- وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وما نهيتكم عنه فانتهوا)، والقسم الثاني من الطاعة إنما هو تنفيذ الأوامر والتكاليف الشرعية، وذلك يتمثل في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، وقبل ذلك مولاك الجليل -جل جلاله- أخبرنا بقوله: {فاتقوا الله ما استطعتم}.

فعليك أن تجتهد في تنفيذ أوامر الله، وأنت -والحمد لله- على قدر من العلم الشرعي، وأنا أبشرك بأن هذا السبيل سيكون سببا في تفريج كربتك كلها؛ لأن الله -تبارك وتعالى كما ذكرت لك- خزائنه لا تفتح إلا لأوليائه، وما سوى أوليائه فإن الله -تبارك وتعالى- يعطيهم عطاء لا يموتون معه، وإن زادهم من الفضل أو العطاء فهذا من الابتلاء والاختبار والاستدراج، كما قال -سبحانه وتعالى-: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم إن كيدي متين}، وقال: {فلما فتحنا عليهم أبواب كل شيء وفرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون}.

وورد في السير أن فرعون مصر -لعنه الله- ظل سنوات لم يشكو ألما لا في ضرس ولا صداعا في رأس، حتى قال له الناس: أنت لست كسائر البشر, وإنك تستحق أن تكون إلها، فوصل به الحال إلى أن صدق القوم فادعى الألوهية.

فإذا أردت فعلا أن ييسر الله أمرك, فابذل المزيد من الطاعة لله -سبحانه وتعالى-، وكف عن المعاصي وأنت -ولله الحمد والمنة- على خير كثير؛ لأن أعمالك أعمال كلها طيبة، وكونك تترك بعض الأعمال ابتغاء مرضات الله تعالى، فهذا لم ولن يضيع لك عند الله، ولكني أتمنى أيضا إذا عرض عليك أمر أن تسأل أهل العلم، فعلى فرض أن هناك عملا يتعذر معه صلاة الجماعة، ولكنك تستطيع أن تصلي وحدك، وأنت رجل ظروفك صعبة الآن، فهل يجوز لك أن تترك صلاة الجماعة من أجل العمل ما دمت في حاجة إليه أم لا؟ أقول: إذا عرض عليك عمل بهذا المستوى فأتمنى أن تسأل فيه أهل العلم، حتى لا تكون قد أغلقت الأبواب على نفسك بمجرد أنك تقول بأن ترك الجماعة سيؤدي إلى ضعف الدين وخلله -وإن كنت أتفق معك في ذلك- ولكن الضرورة تقدر بقدرها، فإن الله -تبارك وتعالى- يقول: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه}.

فعليك إذا ما قدر الله لك وجود عمل مناسب يتناسب مع إمكاناتك وقدراتك، ويدر عليك دخلا معقولا طيبا، وفيه بعض الهنات، أن تسأل أهل العلم وأنا لا أفتيك، ولا أريدك أن تفتي نفسك، ولكن أقول: عندما يوجد هذا العمل فاسأل إخوانك من طلبة العلم الكبار والثقات: هل يجوز لي أن أقبل هذا العمل شريطة ألا أصلي مع المسلمين في جماعة، وإنما أصلي في مكان العمل، أو غير ذلك؟

فإن أفتوك فتوكل على الله، وعليك بالدعاء؛ لأن الدعاء يفتح أبواب الأرزاق، وهذا ما قاله الله -تبارك وتعالى-: {أجيب دعوة الداع إذا دعان}، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، ويقول -صلوات ربي وسلامه عليه-: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل)، فعليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى، وعليك كذلك بالاستغفار؛ لأن الله -تبارك وتعالى- أخبرنا بقوله: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا}، كما أوصيك بالإكثار من الصلاة على النبي المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشر من يصلي عليه بقوله: (إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك).

فعليك بهذه الأشياء، وأبشر بفرج من الله قريب، وإني لأضرع إلى الله أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يمن عليك بعمل صالح عاجلا غير آجل، وأن يوسع رزقك، وأن يكرمك بزوجة صالحة، إنه جواد كريم، هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات