أشكو من عدم تحمل المسؤولية وعدم اتخاذ قرارات صحيحة؛ فكيف أبني ثقتي بنفسي؟

0 464

السؤال

‏‎السلام عليكم ورحمة الله.

شكرا لمجهوداتكم تجاه المجتمع المسلم.

أنا شاب عمري 25 سنة, أعاني من عدم المسؤولية, وعدم اتخاذ القرار, توفي والدي وعمري 8 سنوات, وقد تحمل عبء الأسرة أخي الأكبر وأمي, ولم يشركوني في شيء, وكان كل همهم دراستي, واستمررت في الدراسة - والحمد لله - إلى أن دخلت الجامعة, ولم أشارك الأسرة في أي شيء, وقد تخرجت قبل شهرين, ورموني في وجه المدفع أخيرا, ووقع علي عبء تحمل مسؤولية الأسرة, وأنا الآن لا أستطيع أن أتخذ قرارا, فكل قرارتي خاطئة, وأحب نفسي والراحة, وليس عندي شعور بأسرتي وإخواني وهموهم, وكل همي نفسي.

ماذا أفعل؟ أفيدوني فأنا أبكي على حالي, ولا أعرف حلا لمشكلتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ طارق حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحابته ومن والاه.

بداية: نرحب بك في موقعك، ونسأل الله أن يرحم والدك رحمة واسعة، ونشكر للأخ والوالدة تحملهم المسؤولية، ولكننا أيضا نعتب عليهم عدم إعطائك الفرصة، ولكننا نعتقد أن الفرصة لا تزال بين يديك، فأنت الآن تخوض التجربة العملية، وعليك أن تستشير وتستخير، وتشاور من هم أكبر منك, وتستفيد من أصحاب الخبرات، وكتابتك لهذا السؤال وتواصلك مع الموقع دليل على أنك تملك قدرات، وعلى أنك تعرف من أين تؤكل الكتف – كما يقال – وعلى أنك تعرف كيف تؤتى البيوت من أبوابها، فما عليك إلا أن تسعى في تطوير نفسك، وتعرف الكيفية التي يتخذ بها القرار.

الإنسان إذا أراد أن يتخذ قرارا فعليه أن يتجنب العجلة، ويتجنب قصر النظر، ويكون عنده شيء من التركيز، ويدرس أبعاد هذا القرار، والآثار التي يمكن أن تحدث، والمصالح المترتبة على هذا الشيء، وهل هناك طرف سيتضرر من مثل هذا القرار؟ ثم بعد ذلك يتخذ القرار.

فاتخاذ القرار الآن أصبح علما وفنا، له مهارات, وله وسائل, والإنسان يستطيع أن يتعلمها، ولو أنك دخلت على النت وكتبت: (كيف أتخذ القرار؟) فستجد إجابات, وتجد إرشادات كثيرة جدا في هذا الاتجاه.

ثم عليك أن تدرك أن هم المسؤولية صحيح أنه جاء متأخرا – غفر الله لمن لم يحملوك أي مسؤولية طيلة فترات الدراسة – ولكننا نعتقد أن هذه التجارب - الفاشلة منها والناجحة - فيها فرصة للتعليم، وفيها فرصة لتحمل المسؤولية، ولكن المهم هو أن تكون عندك عزيمة, وعندك الإصرار، ويكون عندك الثقة في الله أولا، ثم في هذه القدرات التي وهبك إياها الوهاب، والتي استطعت بها أن تتحمل مسؤولية الدراسة، حتى وصلت إلى النجاح وانتهيت من الدراسة.

أهم شيء في هذه المسألة أنك تستطيع أن تفعل الكثير، وأن عندك من القدرات والعلم والفهم ما يؤهلك لتصحيح الأوضاع، وما يعينك على السير في الطريق الصحيح؛ لذلك أرجو أن تبدأ الآن، وأعتقد أن الفرصة مواتية، وأرجو أن تكون هذه الاستشارة هي البداية، فإذا أردت أن تفعل أي شيء فعليك أن تأخذ ورقة وقلما، وتحدد الأهداف، وتحدد المصلحة، وتحدد الأشياء المتعلقة بهذه المسألة:

إذا كانت مسألة مالية: تنظر في التكلفة المادية، ثم تفكر هل هناك شيء يؤدي نفس الغرض وهو أرخص؟ وهل هذه الفاكهة التي أشتريها ستجلس أياما أم أشتري مقدارا قليلا حتى لا تتلف هذه الفاكهة؟

تسأل نفسك مثل هذه الأسئلة، ثم بعد ذلك إذا ذهبت إلى مكان شراء الخضار تستشير أهل الخبرة، ما هي علامات الجودة في الفاكهة الفلانية – وكذا – وتتعرف عليها، والحياة مدرسة – يا ابني – والإنسان يستطيع أن يتعلم الكثير، وأنت الآن بدأت - ولله الحمد - ومع كل يوم ستستفيد بشرط أن يكون عندك شجاعة في مواجهة الفشل، وأن يكون عندك عزيمة وإصرار على النجاح، ولا توصل نفسك إلى قناعة أنك لن تنجح وأنك خاطئ، فكل الناس يخطئون، ولا تظن أن النابهين والناجحين نجحوا دون أن يخطئوا، فربما قام الواحد بألف تجربة، فمخترع المصباح يقول: (استفدت من كل هذا الفشل – ألف تجربة – وعرفت أن هناك ألف طريقة خاطئة حتى وصلت إلى اختراع المصباح) فالفشل والتأثر في طريق الناجحين إضاءات وعلامات على طريق النجاح؛ لأنها تجدد فيهم العزيمة، وتبين لهم معالم الطريق، ويعرفون بها الطريق الصحيح، ولا يعرف الطريق الصحيح إلا إذا عرفنا الخطأ، ولا يمكن للإنسان أن يعرف قيمة النعمة إلا إذا فقدها، ولا نعرف قيمة الضياء إلا إذا جلسنا في الظلام.

ولذلك نحن نعتقد أنك تتقدم، سواء اتخذت قرارا صحيحا أم غير صحيح، ولكن من الضروري أن تقف مع كل قرار، إذا كان صحيحا ما هي علامات النجاح فيه فأنميها، وإذا كان خاطئا فكيف أتفادى مواطن الفشل والخلل في اتخاذ القرار المستقبلي - ليس القرار الذي مضى -؟ فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: (قدر الله وما شاء فعل) فإن لو تفتح عمل الشيطان، والإنسان يفعل الأسباب, ثم يتوكل على الكريم الوهاب، وإذا حصل خلل فلا يتوقف عند الخلل، وإنما ينظر إلى الأمام.

والآن الفرصة مواتية معك، فتحمل هذه المسؤولية، وخض التجربة، وحاول أن تكتسب خبرات الآخرين، واعلم أنك تستفيد حتى من الحمال الذي يحمل الأغراض، وحتى من البواب الذي يقف في الباب، فإن خبرات الحياة لا تدرس في قاعات الدراسة، ولكنها تكتسب من خلال العيش والمعايشة مع الناس، ومن خلال مخالطة الناس، والذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط ولا يصبر، وهذا الإنسان مدني بطبعه، يحتاج للناس والناس يحتاجون إليه؛ ولذلك فابذل الخير الذي عندك، واستفد من خبرات الآخرين، ونتمنى أن نراك موفقا نجاحا مسددا في حياتك.

ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات