السؤال
لا أعلم كيف سأشرح لكم مشكلتي، ما عدت أحس أن لدي روحا، فمثلا ذهبت للجامعة ضحكت وتكلمت مع صديقاتي، وحدث كذا وكذا، فإذا رجعت للبيت لا أستوعب ما حدث، أشعر كأنه حلم، وكأن شخصا آخر ذهب نيابة عني، وكأن الذي حدث من خيالي.
الآن أمر بحاله غريبة، أصبحت لا أخرج من غرفتي، وإن خرجت فكأن أهلي أشخاص آخرون، ومن ثم أستوعب الواقع وأصدم، أشعر وأنا في غرفتي براحة غير طبيعية كأني وحدي، كأني في عالم آخر، لا أريد أي شخص بجانبي أتضايق كثيرا إن قابلتهم أو أخرجوني من غرفتي، بمعنى أني أحيانا لا أستوعب ما يحدث لي في الحقيقة، ولا أستوعب واقعي، وإذا حدث واستوعبت أتضايق وكأن الدنيا أغلقت بوجهي.
في أيام المراهقة حدثت لي مشكلة كبيرة لم يكن لي سبب فيها، فأغلقت كل الأبواب على وجهي، حتى أهلي لا يتحدثون معي، فاعتزلت، حاولت الانتحار ولكن لم أمت، كنت مكتئبة جدا، فكنت أتمنى لو شخص من عائلتي يضمني ويواسيني، كنت أمسك الموس وأقوم بتقطيع يدي لكي يرونني ويكونون بجانبي، فتعودت على جرح يدي وجسمي، فإذا تضايقت قمت بجرح نفسي، أصبح كالدواء بالنسبة لي.
أصبحت أفضل العزلة كثيرا، وثقتي جدا ضعيفة، لدرجه أني أريد كتابة ما في قلبي، وما حدث لي بالماضي وأيام المراهقة في ورقة لكي أرتاح قليلا، لكن لا أستطيع، أشعر حتى لو أغرقتها بماء أو أحرقتها سينظرون إليها من حولي، وإذا كتبت جزءا من مشاكلي وإحساسي على جهازي وحفظته، ومر أكثر من يوم وأردت الرجوع وقرأته لا أستطيع.
أريد أن تصبح ثقتي بالناس كبيرة، وثقتي في نفسي كبيرة، وأريد أن أستوعب ما يحدث، وأستوعب واقعي بدون أن أصدم، وأريد أن أعرف علتي؛ لأني أشعر بأنني جسد فقط لا يستطيع التفكير ولا إدراك ما يحدث، فهل هو مرض؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هديل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فما تتحدثين عنه يسمى (الشعور بالتغرب) وأن الإنسان يرى نفسه ومن حوله متغيرا، ولا يستطيع أن يلامس الواقع في بعض الأحيان، البعض يسميه (اضطراب الأنية) وهو أيضا من المصطلحات والمسميات التي تطلق على هذه الحالة، هو (تبدل النفس) أو (تبددها) وحقيقة هو تعبير عن القلق النفسي وليس أكثر من ذلك، فلا تنزعجي للمصطلحات والأوساط التي ذكرناها، فقط وددت أن أعطيك معلومة جيدة وصحيحة ورصينة.
فإذن أنت تعانين من قلق نفسي وربما يكون لديك أيضا مزاج اكتئابي، لكني أرى أنه بسيط، وأرى أنه ثانوي لحالة القلق التي تعيشين فيها.
المشكلة التي أزعجتني حقيقة هي: بحثك عن الراحة من خلال إيذاء النفس أو إيذاء الذات، التقطيع للجسد عن طريق الموس وما شابه ذلك نراه سلوكا مضرا، نعرف أن كثيرا من الناس يبحثون عن متنفسات نفسية مهما كان نوعها دون أن يحسبوا نتائجها وتبعاتها، وأنا أعرف تماما أنك لا تريدين أن تقتلي نفسك، حتى ما أسميته بمحاولات الانتحار كانت عبارة عن صرخة للمساعدة، كان عبارة عن نوع من تبديل وتجديد الإحساس حتى وإن كان من خلال مسلك خاطئ، وهذه الظواهر مفهومة لنا في علم النفس السلوكي.
إذن يجب أن تبتعدي تماما من مسلك إيذاء النفس، هذا مسيء لك أولا، يقلل من قيمتك الذاتية أمام نفسك وأمام الآخرين، وفي ذات الوقت إن كان للإنسان مشكلة فلا يحلها بمشكلة أسوأ وأعظم منها.
أنا حقيقة أدعوك لأن تنظري لنفسك نظرة إيجابية، أن تكون لك صحبة طيبة، أنت ذكرت أنه لا توجد لك وظيفة، ولم توضحي هل أنت في مرحلة الدراسة أم لا؟ لكن الذي أحسبه أنك في مرحلة الدراسة، لأنك أشرت في رسالتك إلى ذلك بقولك: (ذهبت إلى الجامعة وتكلمت مع صديقاتي وحدث كذا وكذا) فهذا جعلني أستدرك أنك طالبة، فسخري جهدك وطاقاتك نحو التميز والتفوق، اجعلي ذلك هدفا، وسوف يستوعب كل طاقاتك الموجودة الآن.
هل تعرفين -أيتها الفاضلة الكريمة- أن محاولات الانتحار حتى وإن لم تكن جادة هي طاقة نفسية وتعبير عن نوع من الجراح النفسي أو بحث لمخرج، هذا يوجه توجيها إيجابيا ليصبح متنفسا لك من خلال حسن الأداء وإجادته والاجتهاد والنظر للمستقبل بأمل وبرجاء، حاولي دائما أن تكوني مطيعة وبارة بوالديك، هذا يفتح لك آفاقا جميلة جدا من الشعور بالرضا، اجعلي صحبتك دائما من المتميزات من الفتيات، سوف تحسين بالفعل بالمساندة والاستبصار.
الجزء الآخر في العلاج: أرى أنك في حاجة لعلاج دوائي، الأدوية المضادة للاكتئاب والمحسنة للمزاج تفيد كثيرا في مثل هذه الحالات.
إن استطعت أن تذهبي إلى طبيب نفسي فهذا جيد، وإن لم تستطيعي فسوف نكتب دواء بسيطا جدا، سليم وجيد وغير إدماني وخفيف في مثل هذه الحالات، الدواء يعرف علميا باسم (سيرترالين) ويسمى تجاريا باسم (لسترال) وله مسمى آخر تجاري باسم (زولفت) وربما يسمى بمسميات تجارية أخرى في بلدك.
جرعة السيرترالين هي أن تبدئي بنصف حبة – أي خمسة وعشرين مليجراما – يتم تناولها ليلا بعد الأكل، واستمري عليها لمدة شهر، بعد ذلك اجعلي الجرعة حبة كاملة ليلا لمدة خمسة أشهر، ثم اجعليها نصف حبة ليلا لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.
هذا دواء غير إدماني، غير تعودي، جيد وممتاز ومفيد جدا، وسوف تجدين - إن شاء الله تعالى – فيه خيرا كثيرا جدا.
من الأشياء الطيبة والجيدة أن إسلام ويب لديها استشارة – وغيرها كثير – تحمل رقم (2136015) خاصة بكيفية تطبيق تمارين الاسترخاء، وضعت بصورة مبسطة جدا، وتمارين الاسترخاء فائدتها العلمية السلوكية مثبتة تماما، لذا أريدك أن تتطلعي على هذه الاستشارة وتتبعي التوجيهات الموجودة بها، وحاولي أن تطبقيها.
إذن أخذك لهذه الرزمة العلاجية الكاملة سوف يخرجك مما أنت فيه -بإذن الله تعالى- استغلي هذه الأيام الطيبة -موسم الخيرات- وعليك بالدعاء، وسلي الله تعالى أن يحفظك وأن يوفقك، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وكل عام وأنتم بخير.