أريد حفظ القرآن ولكني خائف من الرياء، فما توجيهكم؟

0 614

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أود أن أشكركم على سعة صدركم، واستجابتكم على جميع استفساراتي، والتي ساعدتني كثيرا.

أنا شاب كنت لا أصلي، وأسمع الأغاني بكثرة منذ استيقاظي إلى أن أنام، وأعشق شيئا اسمه موسيقى، وكنت لا أتخيل حياتي بدونها، وأنا أملك صوتا جميلا بعض الشيء، وإحساسا عذبا، وكنت أضل أردد الأغاني في جميع أوقاتي، وأمام أصدقائي، وكانوا يشجعوني على هذا الشيء.

إلى أن جاء أخ صالح كتب الله لي التوبة على يده – والحمد لله - التزمت بالصلاة، وأصبحت لا أسمع الأغاني مطلقا، ولا أرددها، حتى بدأت أنسى ما أحفظه منها – والحمد لله - ليس هذا فحسب، بل إنني بدأت أعشق القرآن والترتيل بالأحكام التي تعلمتها بوقت قياسي، وبدأت أحفظ القرآن وأردده بألحان عذبه.

مشكلتي أن شيئا بداخلي يقول لي: أنت لا تردد القرآن ولا تسمعه ابتغاء وجه الله، ولكن لأنك تريد أن تردد الألحان فقط وتستمتع بها، وأيضا تريد من الناس أن يعرفوا أنك تحفظ القرآن وتردده بصوت جميل، وعندما أصلي بالمسجد وأسمع الإمام وهو يتلو القرآن أقول لنفسي ليتني أنا مكانه، فأنا لو كنت مكانه سأقرأ أفضل منه، وقد صليت مرة بالناس وقرأت القرآن بطريقة جميلة، وامتدحت وأسعدت كثيرا بالمدح، ولكن رجع شيئا بداخلي يقول: أنت لم تكن مخلص النية، أنت فعلت هذا طلبا للمدح لا لوجه الله.

أنا وبصراحة أحب أن يمدحني الناس، وأحب أن أكون مميزا بشيء معين، ولو سمعني أحد وأنا أتلو القرآن أكون سعيدا، وأنتظر أن يمدحني، فهل ما أحس به رياء؟

أخبروني أرجوكم، فهذا الشيء ينغص علي حياتي، فأنا أريد أن أحفظ القرآن، ولكن هذا الشيء يمنعني، وأنا لقيت عندي قدرة مميزة على الحفظ، فقد حفظت ثلاثة أجزاء بشهرين أو ثلاثة، ولكن الآن لا أستمر بالحفظ خوفا من الرياء.

أرجو من أساتذتي أن يوضحوا الصورة لي، هل ما أشعر به رياء، وإن كان رياء كيف أتخلص منه؟ هل أتوقف عن الحفظ والتلاوة كي لا يراني الناس، أم ماذا؟ أم هي مجرد وساوس؟

أرجو أن توضحوا لي الصورة كي أرتاح، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يكثر من أمثالك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم. كما أسأله تبارك وتعالى أن يزيد صوتك حسنا وجمالا، وأن يجعل لك في الناس قبولا واستحسانا، وأن يجعلك من المخلصين الصادقين، وأن يجعلك من أصحاب الأصوات المتميزة التي تصدح بالقرآن عاليا خفاقا في مشارق الأرض ومغاربها.

وبخصوص ما ورد برسالتك - ابني الكريم الفاضل محمد – فبالله عليك أتريد أن يتركك الشيطان لتصبح وليا من أولياء الله تعالى بعد أن كنت جنديا مخلصا من جنوده؟! إنك عندما كنت تردد الأغاني وتستمتع بها، كنت تقدم خدمة جليلة للشيطان؛ لأنك بذلك تصرف الناس عن القرآن، وتصرف نفسك عن ذكر الله تعالى، فكنت عاملا من عوامل الإفساد والضمار للمسلمين، ولذلك كان الشيطان بك فرحا مسرورا، ولكن عندما تركت الأغاني والموسيقى وتحولت للقرآن أصبحت عدوا للشيطان، ومن هنا فهو يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يفسد عليك توبتك، وأن يفسد عليك نيتك وإخلاصك، ولم يجد فرصة لإبعادك عن حفظ القرآن والتغني به فبدأ يجتهد على قلبك، وبدأ يقول لك (لست مخلصا، وإنما أنت مراء تريد الناس أن يمدحوك وكذا وكذا)، كل هذا إنما هو أنواع من أنواع الحرب القذرة التي يشنها الشيطان على أولياء الله تعالى.

فالشيطان كما ذكرت – ولدي محمد – عندما عجز عن منعك من قراءة القرآن والتوبة بدأ يعمل على قلبك ليفسد قلبك، والدليل على ذلك أنك توقفت عن حفظ القرآن الكريم، وتوقفت عن التلاوة كذلك، لماذا يقول لك: (أنك رجل منافق، وأنك رجل مراء، وأنك لست صادقا، وأنك تحب أن يمدحك الناس).

ولذلك أتمنى أن تضرب بهذا الكلام كله عرض الحائط تماما، وألا تفكر فيه مطلقا، وأن تجتهد في حفظ القرآن والتغني به، ولا تلقي بالا بمسألة أن الناس يحبون أو لا يحبون، وإنما اجتهد في أن تحفظ وأن تقرأ وأن تتغنى بالقرآن، كل الذي عليك إنما هو أمر واحد: ألا تجعل هدفك أن يرضى الناس عنك، ابعد هذه المسألة، ولكن اجعل هناك هدفا أكبر من هذا، لأنه أن يرضى الناس عنك هذا لا يقدم ولا يؤخر، حتى وإن قالوا صوتك جميل، هل أنت ستستفيد من ذلك أشياء كثيرة، مجرد إشباع رغبة داخلية ولكن لن يفيدك شيئا.

عليك أن تجتهد في أن يمدحك الله، وأن يثني عليك الله، وأن يحبك الله، اجعل هذا هدفك، ولذلك ستجد أن حرصك على مدح الناس يكون شيئا حقيرا؛ لأن ما قيمة الناس أمام رب الناس سبحانه وتعالى؟ وما قيمة أن يمدحك سين أو صاد من الناس أمام أن يثني عليك الملك الجليل سبحانه وتعالى، وأن يستمع إليك جل جلاله؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام – قال: (ما أذن الله لشيء كما أذن لرجل حسن الصوت بالقرآن) فإذن أنت قد أعطيت نعمة، والشيطان يريد أن يحرمك وأن يحرم المسلمين منها.

فعليك أن تضرب بهذا الكلام كله عرض الحائط، وألا تفكر فيه مطلقا، وعليك أن تجعل هدفك مرضاة الله تعالى، ولا تشغل بالك بالناس. هذا أولا.

ثانيا: عليك أن تدعو الله بهذا الدعاء الذي علمنا إياه النبي - عليه الصلاة والسلام -: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه)؛ لأن هذا هو علاج الرياء، ولا تحاول أبدا حتى وإن مدحك الناس وفرحت بذلك فهذا عاجل بشرى المؤمن، لكن لا تجعل هذا هدفك، واجتهد في أن تعدل النية، لأنه قد يكون هدفك فعلا ذلك، ولكن هذا قد يعكر عليك الصفو، أنت تستطيع أن تعدل النية بأن تجعل هدفك فقط إنما هو مرضاة الله، أما إذا مدحك الناس وأثنوا عليك وأنت فرحت بذلك فلا حرج في ذلك شرعا.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأتمنى أن تحفظ القرآن في أقصر فترة زمنية ممكنة، وأن تكون من القراء المتميزين، الذين يملئون الدنيا بالصوت العذب الجميل، الذي يحبب الناس في كلام الله تعالى، ويحبب الله فيهم، أسأل الله لك ذلك، والهداية والرشاد. هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات