كيف أصبح اجتماعية وأتخلص من الانعزالية؟

0 612

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا غير اجتماعية أبدا، ولا أحب زيارة الأقارب، أو تجمعات الأصدقاء، ودائما أحاول التهرب منها قدر الإمكان، أشعر بالضيق عندما أكون مع الآخرين، ليس الجميع لكن أغلبهم، أرى كلام أغلب الناس تافها، ولا يثير اهتمامي بشيء، على الرغم من أني لا أظهر هذا لهم، عندما يكلمني أحدهم دائما أرد بإجابات قصيرة أو بابتسامة على الرغم من أني أريد الابتعاد عنهم.

في أحيان كثيرة لا أنجح في بدء حوار طويل مع أحد، سواء كانت المحاولة مني أنا أو من الآخرين، وأحيانا أحس بالضيق لكوني هكذا، وأحاول التغير، وأحيانا أحس أن هذه طبيعتي ولا يمكنني تغييرها، يقارنني أهلي بأختي الصغيرة فيقولون عنها أنها اجتماعية جدا، أما أنا فعلى عكسها تماما، أصدقائي قليلون عندما التقي معهم لا أفعل شيئا سوى الاستماع لأحاديثهم، هذا إن لم أفقد تركيزي وأسرح في أشياء أخرى، أنا أحبهما لكني أحيانا أحس أني أحتقرهما نوعا ما، وهذا ما يشعرني بالسوء أحيانا.

أحس أني لا أستمتع بحياتي، وأني أضيع الكثير من عمري، فلما كنت في المرحلة الثانوية، قضيت السنوات الثلاث من دون أن أكون أي علاقات اجتماعية مع أي من زميلاتي في الصف، وحدث الأمر ذاته في سنتي الجامعية الأولى.

فكيف لي أن أصبح اجتماعية أكثر؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شهد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على الكتابة إلينا، وبهذا الشرح.

يبدو لي أن الأمر الأساسي الذي أمامنا هو نوع من الخوف أو الرهاب الاجتماعي، وهي حالة قد تبدأ فجأة، وأحيانا من دون مقدمات أو مؤشرات، حيث يشعر الشخص بالحرج والارتباك في بعض الأوساط الاجتماعية، وخاصة أمام الجمع من الناس وفي بعض المناسبات، وقد يشعر الشخص باحمرار الوجه وتسرع ضربات القلب، بينما نجد هذا الشخص نفسه يتكلم بشكل طبيعي ومريح عندما يكون في صحبة شخصين أو ثلاثة فقط.

وقد يترافق هذا الخوف أو الارتباك ببعض الأعراض العضوية كالتعرق والإحساس، وكأنه سيغمى عليه، أو أن الناس ينظرون إليه، وقد يحاول الشخص بالإسراع للخروج من المكان الذي هو فيه من أجل أن يتنفس؛ لأنه قد يشعر بضيق في التنفس، وكأنه سيختنق، ومجموعة هذه الأعراض قد نسميها نوبة الذعر أو الهلع، وقد يوجد الرهاب الاجتماعي مع أو من دون نوبات الهلع هذه.

وفي معظم الحالات، ينمو الشخص ويتجاوز هذه الحالة، وخاصة عندما يتفهم طبيعة هذه الحالة، وبحيث لا يعود في حيرة من أمره، وهو لا يدر ما يجري معه، فهذا الفهم والإدراك لما يجري، وأنه حالة من الرهاب الاجتماعي، ربما هي الخطوة الأولى في العلاج والشفاء، وربما بعض الصعوبات في علاقتك بالناس وعدم الرغبة في اللقاء بهم، إنما هو يعود لهذا الرهاب الاجتماعي.

وقد يفيدك التفكير الإيجابي بالصفات، والإمكانات الحسنة الموجودة عندك، وأن تحاولي أن لا تتجنبي الأماكن الخاصة التي تشعرين فيها بهذا الارتباك، لأن هذا التجنب قد يزيد الأعراض ولا ينقصها، بل على العكس، والنصيحة الأفضل أن تقتحمي مثل هذه التجمعات المجتمعية، ورويدا رويدا ستلاحظي أنك بدأت بالتأقلم، والتكيف مع هذه الظروف الاجتماعية.

إذا استمرت الحالة أكثر ولم تستطيعي السيطرة عليها، فيمكنك مراجعة الطبيب النفسي، الذي يمكن بالإضافة للعلاج المعرفي السلوكي، والذي يقوم على ما سبق ذكره، يمكن أن يصف لك أحد الأدوية، التي يمكن أن تخفف وتعين، وإن كان العلاج الأساسي يقوم على العلاج السلوكي المعرفي.

ولا ننس كذلك أننا وفي كثير من الأحيان نجد أنفسنا نحمل فكرة ما عن أنفسنا، وربما من حادث أو موقف سلبي واحد أو من طريقة التربية التي تلقيناها، ومن ثم نضخم هذه الفكرة ونعممها، مستنتجين بأننا غير كفؤ وأن عندنا بعض النقص، ونبقى أسرى لهذه الفكرة لسنوات وسنوات، وهي في الواقع غير دقيقة، ونحن لسنا مضطرين لنبقى أسرى لها.

من أسرنا في هذه الفكرة وهذا الانطباع؟ نحن من أسر نفسه في هذه الفكرة، أو هذا السجن.

والمشكلة أننا عندما نحمل مثل هذه الفكرة، فإننا نبدأ بتصيد الحوادث والمواقف التي تؤكد هذه الفكرة، والفكرة التي تحملينها من أنك "غير اجتماعية"، ولا نعود نرى أو نتجاهل بالكلية الحوادث، والمواقف الإيجابية، الكثيرة التي تمر في حياتنا، مما يعزز عندنا هذه الفكرة، ولا نعود نرى مخرجا منها.

حقيقة كبيرة في حياتنا، أننا نحصل من حياتنا ما نتوقعه منها! وكذلك ما نتوقعه من الناس، فإذا توقعنا أننا سنكون من المتفوقين، والناجحين، فسنرى الحوادث والمواقف المؤيدة لهذا التوقع تحيط بنا من كل جانب، وكذلك إذا ما توقعنا عكس هذا.

فهيا يا ابنتي، افتحي باب السجن هذا، فمفتاحه في يديك، وفي يديك فقط، أقبلي على الحياة بأنها فرص كثيرة متاحة، وسترين ذلك من حولك في كل جانب، أقبلي على الحياة بتفاؤل وكما قال الرسول الكريم "تفاءلوا بالخير تجدوه".

وفقك الله، وكتب لك الصحة والسلامة.

مواد ذات صلة

الاستشارات