عمري 18سنة وأريد طلب العلم الشرعي.. هل يمكنني ذلك؟

0 548

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

أنا طالب علم -ولله الحمد- وفتح الله علي باب حب طلب العلم، لكن المشكلة التي تواجهني أنني بدأت بطلب العلم، وعمري 18 عاما، وكلما قرأت تراجم العلماء وجدتهم بدؤوا بطلب العلم وهم صغار، وكلما فكرت بهذا الأمر سقطت معنوياتي، وتذبذبت همة طلب العلم.

علما بأني إلى الآن لم أكمل حفظ القرآن، ولم أبدأ بالصحيحين، وإذا أنهيت القرآن والصحيحين كم سيكون عمري آنذاك!

أرجو منكم الإجابة عاجلا؛ لأني في أمس الحاجة لها، أخشى أن يذهب علي الوقت، وأنا لم أكمل القرآن، ولم أحفظ الصحيحين.

ما رأيكم هل أحفظ من الآن كل يوم أربعة أوجه من القرآن الكريم، وبعد إتمامه انتقل إلى حفظ الصحيحين، هل توافقوني الرأي؟ أما ماذا؟

لأني إذا لم أفعل ذلك أشك بأنني سأكون متأخرا في طلب العلم، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد العزيز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك - أيها الولد الحبيب - في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يتولى عونك، وأن يسهل لك طلب العلم.

نحن نشكر لك همتك العالية، وحرصك الشديد على تعلم العلم الشرعي، وهذا دليل على رجاحة عقلك، وحسن تقديرك للأمور، فإن أفضل ما تقضى فيه الأوقات، وتبذل فيه الأعمار طلب العلم الشرعي، وهو بلا شك -أيها الحبيب- من أفضل القربات وأعظم الطاعات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه سبحانه، وقد جاءت النصوص الكثيرة من القرآن والسنة في فضل طلب العلم وبذل الوقت فيه، ويكفيك شرفا أن تكون أحد وراث النبي - صلى الله عليه وسلم – فإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، ومن رزق حب العلم فقد رزق خيرا كثيرا، ولذلك فنحن نبارك لك ونهنئك بما أفاء الله سبحانه وتعالى عليك من هذه المحبة، وتلك الرغبة في طلب العلوم الشرعية، وهذه علامة على إرادة الله تعالى الخير بك، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين).

وما ذكرته من أن مشكلة تواجهك في طلب العلم، الحقيقة أنها ليست بمشكلة أبدا، ولا تعاني - بإذن الله تعالى – من أي مشكلة في هذا الباب، فإن طلب العلم في الكبر أمر مألوف عند العلماء، وليس صحيحا أن جميع أهل العلم طلبوا العلم في الصغر، بل قد ذكر العلماء في آداب طلب الحديث اختلاف العلماء المتقدمين في أفضل سن يبدأ فيها الطالب بسماع الحديث وحفظه، فمنهم من يقول عند العشرين من العمر، وبعضهم يقول في الثلاثين كما هي طريقة أهل الشام، وبعضهم يقول في أقل من العشرين ونحوها، وقد نظم العراقي – رحمه الله تعالى – في ألفيته اختلاف العلماء في هذا السن، بادئا له بقوله: (وطلب الحديث في العشرين عند الزبيري أحب حين) إلى أن قال: (وفي الثلاثين لأهل الكوفة، والعشر في البصرة كالمألوفة).

وهذا يبين لك أيها الحبيب أن جمهورا كبيرا من العلماء بدؤوا طلب العلم في سن أكبر من السن التي أنت فيها الآن، فاحرص -بارك الله فيك- على استغلال ساعاتك، واغتنام عمرك، واجمع همتك على تحصيل العلوم الشرعية حفظا ودراسة، وسنين قليلة -بإذن الله تعالى- ستتمكن فيها من تحصيل علم كثير، وأنت لا تزال في سن الطلب، وفي سن الحفظ، والأيام واعدة بالخير - بإذن الله تعالى – ما دمت تجد من نفسك الرغبة في طلب العلم، والحب لحفظه والحرص عليه، وستصل - بإذن الله تعالى – إلى ما وصل إليه من سبقك من العلماء، واعمل بوصية من قال: (اطلب الخير ولا تكسل، فما أبعد الخير عن أهل الكسل، لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل) وستصل - بإذن الله تعالى – إلى مبتغاك، وستحصل من العلوم الشيء الكثير إذا أنت أتقنت ترتيب وقتك، وأحسنت وضع برنامج عملي لهذا الطلب، واستعنت بمن سبقك في هذا الطريق من العلماء وطلبة العلم الماهرين، وستجد عندهم من النصح والتسديد لك الخير الكثير، فهم كما نعهدهم ونعرفهم أحرص الناس على منفعة الخلق، فنوصيك بالإكثار من مجالستهم والتعرف عليهم.

وقد أحسنت - أيها الحبيب - حين أدركت أن البدء بكتاب الله تعالى هو أنفع ما يكون للطالب، فاجمع همتك على حفظ كتاب الله، واحرص على أن تتلقى القرآن من أفواه المشايخ حملة القرآن، واغتنم الوقت بقدر الاستطاعة، ولن تأخذ في حفظه وقتا طويلا، ثم بعد أن تحفظ القرآن توجه إلى حفظ ما تحتاجه من المتون، وإن قدرت على حفظ الصحيحين فذلك أمر عظيم، وإلا فهناك خططا أخرى يبتدئ بها الطالب لحفظ الحديث، ومن أشهر تلك الطرق أن يبتدئ الطالب بحفظ (بلوغ المرام في أحاديث الأحكام)، ويحرص على حفظ (رياض الصالحين) وحفظ (الترغيب والترهيب) إذا قدر على ذلك يكون قد حصل علما كثيرا، وإذا كان لديك الرغبة الكاملة والقدرة على مواصلة الطريق وبدأت بحفظ الصحيحين ثم توجهت بعد ذلك لحفظ (زوائد السنن عليهما)، فإنك ستحصل بذلك علما كثيرا، وما ذكرته من حفظ أربعة أوجه من القرآن كل يوم قدر مناسب جدا، وستصل - بإذن الله تعالى – إلى حفظ القرآن في مدة يسيرة سهلة.

وصيتنا لك أيها الحبيب أن تحرص على التعرف على العلماء وطلبة العلم وتكثر مجالستهم، واستنصاحهم، والعمل بإرشاداتهم، ومواقع العلماء المشهورة كالشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن باز وغيرهما من علماء الإسلام كثيرة، والفوائد عليها وفيرة، وفيها أيضا برامج ومناهج لطلبة العلم كيف يبتدئون وكيف يطلبون.

نسأل الله تعالى أن يأخذ بيدك إلى كل خير، وأن ييسر لك العلم، ويرزقك الفقه في دينه.

مواد ذات صلة

الاستشارات